Beirut weather 13.41 ° C
تاريخ النشر August 16, 2016
A A A
السوسة
الكاتب: جمانة حداد - النهار

ما الذي يدفع شخصاً لا علاقة له بالكتابة لا من قريب ولا من بعيد، الى أن يتخذ فجأةً القرار بكتابة عمل ونشره؟ سياسيون، رجال أعمال، فنانون، سيدات مجتمع، ممثلون، عارضات أزياء وراقصات…الخ: مهولٌ هو عدد الكتب التي تكتسح اليوم رفوف المكتبات، والمسطّرة بأقلام “هواة” كتابة أو “مشتهي” كتابة. فما السحر والاغراء في أن يكون المرء كاتباً إذا لم يكن يستحق هذه الصفة، وما الذي يجعل سوسة الكتابة بالذات محط انظار أناسٍ لن تزيد على شهرتهم شهرة ولن تسمّن حساباتهم في البنوك، وخصوصا في زمن يتكاثر الحديث عن “موت” الكتب وبطلان “موضتها”؟

إذا استثنينا عيّنةً نادرة من الكتب التي يؤلفها البعض، وتنطوي على ما قد يبرر نشرها، كم من “الجرائم” ترتكب باسم الكتابة، وكم من الاصدارات “المجرمة” تحاصرنا، وهي من تلك التي لا تنطوي على أي قيمة ادبية في ذاتها، الا أنها تهدف الى الاستعراض ولفت الأنظار، علماً أنها تباع بغزارة، وتسرق اللقمة، غالباً، من أفواه الكتّاب “الحقيقيين”، وتسدل ستاراً من العتمة الظالمة في حق الكتب المستحقة.

اشتهاء الكتابة، بدل أن يكون دليلاً على العافية الأدبية، هو في هذا المعنى مرض خبيث تنتشر عدواه في كل مكان، ويصيب بالتفاهة حتى بعض الكتّاب الجيّدين، فيُعمي عيونهم وقلوبهم وعقولهم، ويحرفهم عن الاهتمام بصنعة الكتاب الجيّد. وإذا كانت هذه العدوى تصيب الآن بعض أوساط الناشرين والقرّاء “المحترمين”، فإنها تطرح أسئلة عميقة حول الأسباب التي تحمل هؤلاء المتنطحين الى الكتابة، وهم ليسوا من أهلها، الى أن “يخلّدوا” أنفسهم بأثر مكتوب. الأجوبة افتراضية ومتفائلة بالطبع، وجوهرها أن الكتب، أكثر من غيرها، وقبل غيرها، تمنح النجوم، أكانوا رجال سياسة أم مغنّين أم رجال أعمال أم في بعض الأحيان مرتكبي جرائم… الخ، مشروعية معنوية يمضون أعمارهم في طلبها من دون أن يستطيعوا الفوز بها. يقول المثل إن التاريخ يكتبه المنتصرون. لكن المضحك المبكي أن غالبية هذه الأعمال هي بأقلام مأجورة يلجأ إليها النجوم المذكورون لتخليد حيواتهم و”إنجازاتهم” الجنسية وفضائحهم. أما إذا أخذنا الغرور قليلاً، فقد نقول إنهم يشعرون بالفراغ أو إنهم مصابون على العموم بعقد نقص، فلا يسدّون ذاك الفراغ ولا ينتصرون على هذه العقد إلاّ بالكتابة. فهنيئاً لهم هذا المجد العظيم.

إذا كان سحر الكتابة هو الذي يغوي هؤلاء النجوم بتأليف الكتب التافهة، لكن الرائجة، فبأيّ سحر يذهب الكتّاب الحقيقيون الى الكتابة بعد الآن؟