Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر September 10, 2020
A A A
السلة الغذائية لم تلبّ طموحات المواطن والنقص ببعض سلعها لا علاقة له برفع الدعم
الكاتب: فرح نصور - النهار

“لا أعلم ما هي الأصناف المدعومة من غير المدعومة، ولا شيء يدلّ على الرفوف على أنّ هناك أصنافاً مدعومة، حتّى الأسعار ما زالت مرتفعة”، تفيد سيدة تقف قبالة براد الجبنة في إحدى السوبرماركات الكبيرة في بيروت. وأخرى تجرّ عربتها في قسم السلع المعلّبة، تنفعل قائلة: “عن أيّ دعم تتحدثين، إنّهم كاذبون وما زالت الأسعار مرتفعة، وأساساً لا أعرف أين عليّ أن أجد السلع المدعومة، فأنا أبحث عنها لكن لا يمكنني معرفتها، وحتى الطبخ بالحبوب أصبح صعباً”. وتوافق على كلامها سيدة تقف بجانبها: “أنا آتي إلى السوبرماركت كلّ يوم ولم ألحظ أي فارق بالأسعار، قالوا إنّهم دعموا الحليب، لكن ما زال سعره على حاله، كانت العبوة بـ 2000 ليرة وأصبحت بـ 5000، أين الدعم؟”.

“لا نقص في السلع الغذائية المدعومة في السوبرماركات، فهناك مخزون يكفي لشهرين مقبلين، ولم يتم إنفاق 10% بعد من الميزانية المخصّصة لدعم السلة الغذائية، ولم نستطع إغراق السوق بالمواد المدعومة لأنّ هناك بعض المشاكل التي تواجه التجار خلال تأمينهم الأموال لاستيراد البضائع”، يشرح محمد أبو حيدر، مدير عام وزارة الاقتصاد. كان الناس ينتظرون 200 سلعة ولم تصل، وكان هناك دعم لبعض المواد الأولية، لكن هذه المواد تحتاج إلى بعض الوقت لتصنيعها وتوزيعها حتى تظهر جلياً في السوق.

وعن عدم قدرة الناس على تمييزهم السلع المدعومة من غيرها، كان أبو حيدر قد طلب من السوبرماركات تخصيص أقسامٍ خاصة للأصناف المدعومة، وعليها أن تَعرض بطريقة واضحة جداً أنّ هذا المنتج مدعوم والأمر نفسه بالنسبة للسعر، ومَن لا يلتزم يتعرّض لغرامة مالية.

وفي السؤال إلى أي مدى استفاد المواطن من السلة الغذائية وساندته في هذه الأزمة الاقتصادية، يجيب أبو حيدر بصراحة أنّ السلة لم تلبِّ طموحات المواطن لكن هذا لا يعني أنّها فشلت، ولا زال العمل مستمرّاً في هذا الإطار.

وبرّر أبو حيدر عدم وجود سلعٍ مدعومة في جميع السوبرماركت بأنّ هناك بعضاً منها تشتري بضائعها من تجار الجملة وليس مباشرة من الوكيل، وهنا يقوم بعض منها بالتلاعب بالأسعار، لذلك اقتصر توزيع السلع المدعومة على بعض السوبرماركت الكبيرة. وعن البطاقة التموينية التي تحدّث عنها حاكم مصرف لبنان أمس، فحتى الآن هي غير واضحة، بانتظار مقابلة حاكم مصرف لبنان في هذا الإطار.

في سوبرماركت “charcutier aoun”، كثير من السلع المدعومة غير موجودة على الرفوف كالسكر والأرز والزيت والحمص والفاصوليا. لكن لا علاقة لقرار رفع الدعم عن السلع الغذائية الذي يعتزم إقراره وزير الاقتصاد راوول نعمة، بنقص بعض السلع المدعومة في بعض السوبرماركات. إنّما السبب يعود إلى الآلية غير السهلة التي فرضها مصرف لبنان للاستيراد، بالتزامن مع تهافت الناس على شراء ما هو أرخص في ظلّ هذه الأزمة. فضلاً عن أنّ هذه السلع هي ذات كميات محدودة، وتطول المدة التي تحتاجها البضائع لتدخل إلى الأسواق، لذا تنقص بعض السلع من الرفوف. وأخّر انفجار المرفأ تخليص حاويات البضائع، ومنها التي تتضمن السلع المدعومة، بسبب عمليات فحص السلع للكشف على سلامتها، فضلاً عن أعمال رفع الأنقاض وتنظيف الركام وتوقّف المرفأ عن العمل لفترة من الوقت.

بينما في سوبرماركت “spinneys”، ليس هناك أي نقصٍ بالسلع المدعومة، فالرفوف مليئة منها. ويؤكد في هذا الإطار، المدير التنفيذي للتسويق في السوبرماركت، رالف القاعي، أنّه لا نقص لديهم في المنتجات المدعومة، فقد يكون قسم منها ما زال في المرفأ أو في طريقه إلى لبنان، وقد لا تدعم الدولة كلّ الكمية التي يتقدّم بطلبها المستورد.

وقد أحصينا في هذه السوبرماركت أسعار بعض السلع المدعومة التالية: أرز مصري: 11900 ليرة لسعة الـ5 كيلو، فاصوليا حمراء: 7390 ليرة لسعة 900 غ، عدس: 3750 ليرة لسعة 900 غ، حمص: 4750 ليرة لسعة 900 غ ، حليب بودرة : 44900 ليرة لسعة 2.25 كيلو.

وفي هذا الإطار، يؤكّد مدير المشتريات في أحد فروع سوبرماركت رمال، عبد الله رمال، على أنّ النقص بالسلع المدعومة هو أمرٌ يحصل وليس جديداً ولا علاقة له بقرار رفع الدعم عن السلع الغذائية. إذ يعود ذلك إلى أن مصرف لبنان يتأخّر بتحويل المال للاستيراد، في وقتٍ تتهافت فيه الناس على شراء السلع الأرخص، وهذه السلع تصل بكميات قليلة والناس يخزّنون منها، لذا تختفي لفترةٍ من الأسواق. بالإضافة إلى انفجار بيروت الذي أخّر تخليص البضائع وإخراجها منه، إذ “لدي الآن 13 حاوية تتضمّن سلعاً مدعومة لا زالت على المرفأ، ومن المفترض أن أتسلّمها هذا الأسبوع، لكن الآلية التي وضعها مصرف لبنان لاستيراد السلع ودعمها ليست سلسة ولا سهلة”، وفق رمال.

هنا بعض أسعار السلع المدعومة لديه: أرز مصري: 12900 ليرة لسعة الـ5 كيلو، زيت: 45900 ليرة لسعة الـ8 لتر، بن: 6850 ليرة لسعة الـ180 غ، عدس: 3990 ليرة لسعة 900 غ، فاصوليا: 6500 ليرة لسعة 900 غ، حمص: 3250 ليرة لسعة 900 غ.

طريقة الدعم المتَّبَعة ليست منتِجة، وتدعم التاجر والمؤسسات وليس المواطن

من جهته، يعتبر نسيب غبريل، رئيس مديرية البحوث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة بنك بيبلوس، أنّ طريقة الدعم المتَّبَعة ليست منتِجة، بل مكلِفة، إذ تدعم التاجر والمؤسسات وليس المواطن. وكلفة الدعم على مصرف لبنان ليست واضحة، وهذا النوع من الدعم يخلق بموازاته سوقاً سوداء. وكان من المفترض أن يتم تحديد مدة الدعم لهذه السلع وكلفتها.

حالياً، الدعم يطال كلّ شرائح المجتمع، بينما يجب أن يطال الفئات الأكثر حاجة إليه، وآليات الدعم صعب تطبيقها بالطريقة التي تجري في لبنان، أو من خلال توفير بطاقة تموينية، فهذا ليس فعالاً. وصندوق النقد الدولي لا يحبّذ سياسات الدعم لأنّ ذلك يؤثّر على النفقات العامة، فمصرف لبنان ينفق من احتياطه في هذا الإطار، بحسب غبريل.

يستند غبريل إلى مؤشر السلع الاستهلاكية الصادر عن دائرة الإحصاء المركزي، والذي سجّل ارتفاعاً بالأسعار بنسبة 112% حتى شهر تموز 2020 مقارنةً بتموز 2019. وبحسب المؤشر، مثلاً الطعام والمشروبات غير الكحولية ارتفع سعرها حوالي 4 مرات، والمفروشات ومعدات المنزل ارتفع سعرها 6 مرات، والمشروبات الكحولية والدخان ارتفع سعرهما أيضاً 6 مرات، والثياب والأحذية ارتفع سعرها 5 مرات، والمطاعم والأوتيلات ارتفع سعره 5.7 مرات…

برأي الخبير، كانت قدرة المواطن الشرائية جيدة، لكن الآن مع التضخّم غير المسبوق هبطت هذه القدرة. ويجب أن تعود القدرة الشرائية كما كانت عليه دون دعم، من خلال لجم التضخم عبر إجراء الإصلاحات وتعاون السياسة المالية والاقتصادية، ما ليس موجوداً حالياً. وفي بلدٍ كلبنان، يتميّز باقتصادٍ حرّ، لم يكن علينا أن نصل إلى توفير بطاقة تموينية.