Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر February 28, 2017
A A A
السبيل لفك أسر عين الحلوة من القوى الإرهابية…
الكاتب: ابراهيم ياسين - البناء

لا تزال الاشتباكات المسلحة التي يشهدها مخيم عين الحلوة في ضواحي مدينة صيدا، بين الفترة والأخرى تتصدّر واجهة الأحداث في لبنان على الرغم من انشغال اللبنانيين بالعمل على مواجهة الأزمات الضاغطة عليهم، من أزمة قانون الانتخاب مروراً بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية وانتهاء بالأزمات الخدماتية من مياه وكهرباء ونفايات… ولهذا فإنّ هذه الاشتباكات تجعل من مخيم عين الحلوة حالة شاذة على المستوى الأمني، في وقت يجب أن يكون نموذجاً للاستقرار واحتضان النضال الوطني الفلسطيني وكسب تأييد جميع اللبنانيين إلى جانبه في النضال من أجل تحقيق حلم العودة إلى فلسطين.

غير أنه مع الأسف الشديد فإنّ ما يحصل من اشتباكات تحرف الأمور عن هذا الهدف الوطني والقومي السامي والنبيل، يعكس صورة سلبية تُسيء إلى الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية المقاومة. وإذا كانت هذه الإساءة سببها المباشر يعود إلى تغلغل بعض التنظيمات المتطرفة والتي تنتمي إلى تنظيم وفكر القاعدة داخل المخيم، ونجاحها في استقطاب البعض من الشباب المهمّشين والعاطلين عن العمل لخدمة أهدافها التي تصبّ في مصلحة المشروع الأميركي الصهيوني، للنيل من المقاومة في لبنان، وحرف الصراع عن مجراه الحقيقي ضدّ العدو الصهيوني، فإنّ السبب الغير مباشر لهذا النجاح لهذه التنظيمات المتطرفة إنما يعود إلى حالة الفراغ والضياع التي يعاني منها هؤلاء الشباب بسبب غياب الإطار الوطني التحرّري الفلسطيني الذي يوظف طاقات هؤلاء الشباب في مجرى النضال الوطني لتحرير فلسطين والعودة إليها.

هذا الغياب بدأ قبل ومع وبعد توقيع اتفاق أوسلو مع العدو الصهيوني وتحوّل منظمة التحرير الفلسطينية إلى سلطة تنسّق مع الاحتلال لمنع عمليات المقاومة ضدّها وملاحقة المناضلين الوطنيين والمقاومين، وبالتالي تحوّلت منظمة التحرير من الاعتماد على المقاومة المسلحة أسلوباً أساسياً ورئيسياً للتحرير، إلى الاعتماد على المفاوضات «السلمية»، واعتبارها وسيلة وحيدة لتحقيق الدولة الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وهو رهان أثبتت الأحداث عقمه وفشله.

في المقابل فإنّ قوى المقاومة الفلسطينية الأخرى لم تتمكن من تقديم الإطار البديل لمنظمة التحرير الفلسطينية القادر على أخذ زمام المبادرة وقيادة دفة النضال الوطني واستيعاب الجيل الجديد في إطاره، ولهذا فإنّ حالة الانقسام السائدة اليوم انعكست سلباً على النضال الفلسطيني وعلى الشعب الفلسطيني في كلّ أماكن تواجده، لا سيما في المخيمات في لبنان التي تعاني أصلاً من الحرمان وسوء الخدمات العامة نتيجة إهمال متعمّد من الأونروا والدولة اللبنانية.

ما حصل سابقاً في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين كان نتيجة لهذا الواقع، فالتنظيمات الإرهابية المتطرفة لعبت وما زالت تلعب دوراً خطيراً يستهدف توظيف الشباب المهمّش للنيل من مشروعية القضية الفلسطينية، عبر إما دفع هؤلاء الشباب للهجرة إلى أصقاع العالم الغربي، أو إرسالهم بعد إجراء عمليات غسل دماغي لهم لتفجير أنفسهم وسط التجمعات السكانية، أو القيام بعمليات إرهابية مسلحة في الأماكن السياحية والثقافية والدينية والديبلوماسية في لبنان أو سورية أوالعراق أو غيرها من الدول العربية والإسلامية والغربية، بعيداً عن فلسطين مما يشكل خدمة كبرى للعدو الصهيوني ومخططاته لتصفية القضية الفلسطينية. من هنا فإنّ مواجهة هذه الأخطار والعمل على منع تكرار ما حصل في مخيم نهر البارد، أن يحصل في مخيم عين الحلوة، وبالتالي يجب أن يحتلّ أولوية الاهتمام فلسطينياً ولبنانياً، وهذا يتطلب أولاً من الفصائل الفلسطينية التكاتف والتوحد على أرضية موقف حازم وواضح من التنظيمات الإرهابية التكفيرية، وثانياً العمل على إخراج هذه المجموعات المسلحة بالتعاون مع الدولة اللبنانية من المخيم على غرار ما يحصل في سورية من مصالحات في بعض المناطق التي تفضي إلى نتائج إيجابية تسمح بخروج المسلحين ودرء العمليات القتالية والتخلص من المسلحين وخطرهم على المنطقة والشعب معاً. لهذا فإذا ما توافرت الإرادة والقرار، فلسطينياً أولاً، ولبنانياً ثانياً يصبح بالإمكان عزل المسلحين المتطرفين ووضعهم أمام خيار من اثنين: إما مغادرة لبنان إلى حيث يريدون، وإما مواجهة خيار الحسم بالقوة العسكرية الفلسطينية اللبنانية المشتركة.

وأية مماطلة أو تسويف أو تردّد فإنه لن يؤدّي سوى إلى إطالة المعاناة لأبناء مخيم عين الحلوة وجواره، وبالتالي الانعكاسات السلبية على الوضع الفلسطيني وعلى العلاقات اللبنانية الفلسطينية، الأمر الذي يعرّض المخيم لمخاطر أكبر للتخلص من هؤلاء المسلحين الإرهابيين الذين يتخذون من المخيم وسكانه رهينةً وملاذاً لمواصلة مخططاتهم الإجرامية بحق الفلسطينيين واللبنانيين معاً.