Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر March 1, 2024
A A A
الزيادات إلى التنفيذ آخر آذار والمفعول الرجعي مقسّط على 3 أشهر…
الكاتب: سلوى بعلبكي - النهار

 

نهاية أزمة مطلبية أم بداية مطب مالي؟ هذا التساؤل تردّد كثيراً على الألسنة في الساعات الفائتة على خلفية ما أقرته الحكومة من زيادات وعطاءات للقطاع العام ومتقاعديه، فيما الواقع أن الحكومة وازنت بين مطالب القطاع العام ومتقاعديه، وبين كليهما وإمكانيات الدولة المالية وجهوزية مصرف لبنان الدولارية. وليس خافياً أن هذه الزيادات والعطاءات تأتي في ظروف يحتاج فيها الموظف والمقاعد إليها بقوة وتحتاج الدولة إلى أن تثبت أبوتها في رعاية العاملين فيها أو من حملوا بقاءها وديمومتها على أكتافهم أعواماً طويلة قبل إحالتهم الى التقاعد.

صحيح أن ما أقرته الحكومة لم يرض القطاع العام والمتقاعدين على حد سواء، لكن الصيغة التي أخرج بها القرار الحكومي جعل “الظلم في السويّة” عدلاً على مضض في الرعيّة. وأزاح عن كاهل المالية العامة واحتياطات مصرف لبنان عبئاً كان له أن يطيح الاستقرار النقدي المكتسب منذ 10 أشهر لو دخلت الشعبوية وسياسة بيع الوهم في آليّة اتخاذ القرار.

ربّ قائل، إن أعباءً جديدة على الخزينة قد تؤدي الى المزيد من التضخم وانفلاش السيولة بما يؤدي حكماً الى استئناف مسار الانهيار النقدي وعودة الأمور الى ما قبل آذار 2023، لكن تقاطع أرقام الخزينة والمعلومات من مصرف لبنان تؤكد أن الوضع المالي للدولة في الوقت الراهن سليم ويتقدّم نموّ الجبايات والإيرادات بما يفيض عن حاجة الدولة لتسديد مفاعيل قرارها الأخير. وكذلك يؤكد ارتفاع احتياطات مصرف لبنان بالعملة الصعبة نحو مليار دولار أخيراً قدرة المركزي على الاستمرار في تغطية رواتب القطاع العام والمتقاعدين بالدولار مضافاً إليهم الزيادة الأخيرة التي أقرتها الحكومة مع مفعولها الرجعي لثلاثة أشهر خلت.

ولا يخفى على أي متابع أن مصرف لبنان يقوم بسحب ما تيسّر له من دولارات في السوق باحتراز شديد تفادياً لأي بلبلة أو ضغط على سعر الصرف، فيما السوق وفق متابعين ومراقبين يحوي فائضاً معقولاً من الدولارات، وهو ما أكده الحاكم بالإنابة قبل أسبوع تقريباً.

توازياً، يأتي قرار الزيادات كخطوة منتظرة وضرورية خصوصاً بعد إقرار الموازنة والارتفاعات الملحوظة في الرسوم والضرائب. فالإدارة العامة التي حصلت على غالبية مطالبها ستعود الى ممارسة دورها ووظيفتها بما سيؤدي حكماً الى ارتفاع كبير جداً في عائدات الدولة لدى مختلف الوزارات والدوائر التي تراكمت فيها الملفات خلال الإضراب، إذ إن الإيرادات المتوقعة للخزينة تصل الى 4 مليارات دولار في 2024، علماً بأن مجموع الإيرادات بلغ في شهري كانون الثاني وشباط نحو 750 مليون دولار أميركي (على سعر منصّة مصرف لبنان) أي 66 ألف مليار ليرة في شهرين فقط.

وفيما استُثني من قرار الزيادات القضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية وكافة موظفي وزارة التربية والأساتذة في الملاك والأساتذة المتعاقدون والمؤسسات العامة التي سبق أن أفادت من زيادات مثل “أوجيرو”، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والريجي، ومجلس الإنماء والإعمار، أثار اقتضاب وزير الإعلام في تلاوة بيان جلسة مجلس الوزراء بلبلة في أوساط متقاعدي التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية وموظفي وزارة التربية حيث اختلط الأمر عليهم، وظنوا أن الزيادة لن تشملهم، فيما الحقيقة عكس ذلك وفق ما أكد المدير العام لوزارة المال جورج معراوي، إذ أكد لـ”النهار” أن هؤلاء سيحصلون على زيادات متساوية مع متقاعدي الأسلاك العسكرية والإدارة العامة، وأن الإعفاء من الزيادات وفق قرار الحكومة يشمل فقط الأساتذة الذين لا يزالون في الخدمة.

ورداً على سؤال عن مواعيد تسديد الزيادات الجديدة وكذلك المفعول الرجعي، أكد معرواي أن راتب شهر شباط سيقبضه الموظفون على أساس الراتب القديم، فيما لا يزال البحث في توقيت تسديد المفعول الرجعي مع مصرف لبنان بين منتصف الشهر أو آخره وسيكون حتماً مقسّطاً على دفعات حتى شهر حزيران المقبل. أما الزيادة كما أقرّت فيُفترض أن تسدّد بدءاً من آخر آذار، ولكن هذا الأمر رهن بتجهيز الوزارات والإدارات العامة كل المعلومات والمستندات المطلوبة خصوصاً حيال الدوامات، والأهم هو حجم الكتلة النقدية التي يمكن لمصرف لبنان أن يضخّها لزوم هذه الزيادات، وتالياً فإن التنسيق جارٍ مع المعنيين في “المركزي” لجدولة المواعيد.

وفيما تتضارب المعلومات حيال كلفة الرواتب والعطاءات التي أقرتها الحكومة أول من أمس، تؤكد مصادر متابعة أن الكلفة حالياً تُقدر بنحو 7 آلاف و800 مليار ليرة شهرياً، وأصبحت نحو 10 آلاف و700 مليار ليرة شهرياً مع الزيادات التي أقرّت والتي تُقدّر بنحو 32 مليون دولار، أي إن كلفة الرواتب كانت 87 مليون دولار شهرياً وأصبحت 119 مليون دولار شهرياً بما يعني أن الكلفة الإجمالية السنوية لرواتب القطاع العام أصبحت 1.4 مليار دولار أميركي.

في المقابل، توضح مصادر مصرف لبنان أن الأخير سيؤمن الرواتب للموظفين بالدولار، مؤكداً أنه لا مشكلة في تأمينها، علماً بأن ما يؤمنه المركزي يصل الى نحو 150 مليون دولار شهرياً من خلال بيعه لليرة بما زاد الاحتياطي نحو مليار دولار، وفي أسوأ الحالات إن لم يستطع تأمينها يمكن أن يلجأ الى الاحتياطي. وتؤكد المصادر أن هذه الزيادات لا يمكن أن تتسبّب بالتضخم لكونها تدفع بالدولار وتُصرف في السوق اللبنانية بما يحرّك الدورة الاقتصادية في البلاد. وأوضحت أن الحكومة لم تتخذ القرار بإعطاء هذه الزيادات قبل أن تتأكد من مصرف لبنان أنه قادر على تأمينها بالدولار من دون أن يمس بالودائع.