Beirut weather 19.65 ° C
تاريخ النشر August 28, 2018
A A A
الزعيم والإنسان: الغدر يفل الحديد
الكاتب: سمير عطا الله - الشرق الأوسط

عرفنا أنديرا غاندي في العالم العربي أكثر من سواها من زعماء الهند. فيما بعد، وصلت إلى السلطة في دلهي بعد فترة قصيرة من حكم والدها جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء استقلالي. وكانت المرحلة الدولية لا تزال مرحلة بروز العالم الثالث وقضاياه. ومثل والدها اتخذت أنديرا سياسات داعمة للقضية الفلسطينية والمواقف العربية.
قابلتُ أنديرا غاندي خلال زيارة قصيرة لها إلى بيروت. وكان انطباعي أنها مختلفة جداً في الواقع عما هي في الصور. لكن الثابت في الانطباعين كانت مسحة الكآبة التي تعلو عينيها. وكان صوتها هادئاً وبسيطاً، كما لو أنها حذرة في الكلام. كانت ترتدي «الساري» الهندي التقليدي بألوان داكنة حتى الأصفر منها، المخلوط بالأسود.
على رغم هدوء المظاهر، كانت أنديرا «ثاتشر آسيا» و«فولاذية الهند» و«الرجل الأقوى في سياسات الهند». هي التي بَنَت القوة النووية، وهي التي ربحت الحرب على باكستان في «حرب بنغلاديش». وفي الداخل، مارست قبضة شديدة القوة من أجل الحفاظ على وحدة الهند التي ظهرت فيها أكثر من حركة انفصالية. وكانت أنديرا تعتقد، مثل والدها من قبلها، أن سقوط أي حجر في الهرم الهندي سوف يؤدّي إلى تفتته برمّته.
نجحت القوة في الحفاظ على الهند، لكنها أصابت مقتلاً من أنديرا. ففي يونيو (حزيران) 1984 أمرت بعملية عسكرية لإنهاء اعتصام «المعبد الذهبي» بقيادة زعيم السيخ سانت جارنيه سينغ بيندرا نويل (معذرة على طول الاسم). سقط في المعركة نحو 500 قتيل من الشرطة والمحاصرين، ونحو ألف جريح. ربحت أنديرا المعركة، لكنها ربحت معها حقد السيخ. خطرت لها جميع أنواع الوقاية، إلا أن تشك في ولاء حرسها من السيخ.
صباح الأربعاء 31 أكتوبر (تشرين الأول) 1984 خرجت من منزلها إلى مكتبها القريب سيراً على الأقدام، حيث كان ينتظرها فريق تصوير بريطاني، وسار خلفها عدد من رجال الحرس. وفي نهاية الممر كان يتربص بها اثنان من الحرس السيخ، فما أن اقتربت منهما حتى أطلق أحدهما ثلاث رصاصات من مسدسه أصابتها في بطنها، وأطلق عليها الثاني ثلاثين رصاصة من رشاشه أصابتها سبع في البطن وثلاث في الصدر وواحدة في القلب. نقلت زعيمة الهند إلى مستشفى معهد العلوم الطبية، حيث تجمع حولها 12 طبيباً أفرغوا في جسدها 88 زجاجة دماء، ونجحوا في استخراج 7 رصاصات. ولم تعد لها الحياة.
حلّ الطيار راجيف غاندي محل والدته في الحكم، لكنه قتل في انفجار إرهابي عام 1991، وتولت زوجته صونيا، الإيطالية الأصل، رئاسة حزب المؤتمر. امرأة غير حديدية من أوروبا في كرسي امرأة حديدية من آسيا.
وفي باكستان المجاورة، عرفت العائلة الرئاسية الأخرى مأساة مشابهة. أعدم ذو الفقار علي بوتو، واغتيلت وريثته بي نظير، وقُتل ولداه.