Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر April 6, 2020
A A A
الرئيس عون امام مجموعة الدعم الدولية: برنامجنا الإصلاحي يحتاج إلى دعم مالي خارجي

في مستهل الاجتماع مع مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، القى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كلمة قال فيها:

“بداية اسمحوا لي أصحاب السعادة أن أعبّر عن عميق الحزن والأسف لما يحصل لشعوبكم وفي أوطانكم بسبب وباء “كوفيد 19” ، وجميعكم تمثلون دولاً أصابتها المأساة عميقاً. وأود أن أطلب الوقوف دقيقة صمت عن أرواح جميع ضحايا هذا الوباء، في لبنان، وفي كل أنحاء العالم وعن روح فقيدة الجسم الديبلوماسي في لبنان سفيرة الفيليبين السيدة برنارديتا كاتالا Bernardita Catala.
أصحاب السعادة
الحضور الكريم،
ارحب بكم سفراءَ دولٍ صديقة طالما واكبت لبنان في أزماته المتعددة، الى حد تأسيس مجموعة دعم دولية في العام 2013 بهدف حشد الدعم لمساعدة لبنان ومؤسساته، خصوصاً مع تفاقم أزمة النازحين السوريين. ونحن إذ نشكر اهتمامكم ومساندتكم على مدار تلك السنوات، نتطلع الى مزيد من التعاون في ما بيننا.
لقد أعلنت “مجموعة الدعم” في آخر اجتماع لها في باريس، في كانون الاول من العام 2019، عن استعداد المجتمع الدولي لدعم لبنان على تخطي أزمته المالية والاقتصادية مشروطٍ بقيام حكومة فعالة وذات مصداقية وقادرة على مكافحة الفساد وتنفيذ حزمة أساسية من الاصلاحات الاقتصادية.
وعلى وقع التحركات الشعبية، وفي ظل أزمة اقتصادية مالية اجتماعية متصاعدة، وعلى الرغم من كل العوائق والعراقيل السياسية تشكّلت الحكومة المرجوة في مطلع العام الحالي، وتعهّدت في بيانها الوزاري اطلاق خطة طوارئ إنقاذيه، وسلّة إصلاحات، ومكافحة الفساد ومعالجات في الماليّة العامّة مع إجراءات اقتصاديّة للانتقال من اقتصاد ريعي الى اقتصاد منتج. وهذه الخطة إذا وضعت على السكة من شأنها أن ترفع لبنان شيئاً فشيئاً من الهاوية التي يتدلى اليها.
 
الحضور الكريم
كان لبنان يستعد لإطلاق ورشة عمل لمعالجة أزماته الاقتصادية والمالية والاجتماعية حين ضرب وباء “كوفيد 19” العالم، فاضطر الى إعلان حالة طوارئ صحية استدعت التعبئة العامة، ما فرمل الى حد ما انطلاقته وفاقم من أزماته وأضاف إليها أزمة الصحة. ونحن اليوم نجابه كل هذه الأزمات والتداعيات ونرحّب بأي مساعدة دولية من أصدقاء لبنان.
وسوف أعرض أمامكم الان التحديات التي تواجهنا والسبل التي نعتمدها في المعالجة وما الذي نتوخاه من مساعدة نأمل أن تأخذوها بعين الاعتبار في مقاربتكم للوضع اللبناني.
أولاً – من الناحية الاقتصادية:
يعاني لبنان من أزمة غير مسبوقة، تتسم بانكماش اقتصادي كبير، وبتراجع الطلب الداخلي والاستيراد، وبنقص حاد بالعملات الأجنبية، وبارتفاع البطالة ومعدلات الفقر، كما بارتفاع الأسعار وانخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية من خلال السوق الموازية، بالإضافة إلى العجز في المالية العامة نتيجة لتراجع الإيرادات الضريبية.
لهذه الأسباب مجتمعة، ومن أجل وقف استنفاد الاحتياطيات الخارجية التي وصلت إلى مستوى منخفض للغاية، وفي محاولة لاحتواء عجز الميزانية، قررت الدولة اللبنانية في ٧ آذار ٢٠٢٠ تعليق سداد استحقاقات سندات اليوروبوند، وتمّ تعيين استشاريَّين دوليَّين، مالي وقانوني لمؤازرة الحكومة في هذا المجال.
إن الدولة اللبنانية تعمل حاليًا على إعداد خطة مالية اقتصادية شاملة، ضمن برنامج إنقاذي وطني، بهدف تصحيح الاختلالات العميقة في الاقتصاد ومعالجة التشوهات التي نتجت عن ثلاثين سنة من السياسات الاقتصادية والمالية الخاطئة، والتي سبقتها خمس عشرة سنة من حروب مدمرة أطاحت بالكثير من البنى الاقتصادية والصناعية وحتى الإنسانية.
وعلى الرغم من كل الأوضاع الطارئة فإن هذه الخطة قد أشرفت على الانتهاء، وتهدف إلى حل المشاكل الاقتصادية والمالية والبنيوية، وإلى استعادة الثقة بالاقتصاد، كما إلى خفض الدين العام ووضع المالية العامة على مسار مستدام، وإلى إعادة النشاط والثقة إلى القطاع المالي عبر تحقيق الشفافية من خلال التدقيق المالي والمحاسبي الذي قرره مجلس الوزراء لكشف الخسائر المتراكمة في مصرف لبنان وتصحيحها، وعبر إعادة الاعتبار إلى التسليفات للقطاعات الإنتاجية، وتطبيق تدابير إصلاحية لتعزيز النمو وزيادة الإنتاجية وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد اللبناني، بالإضافة إلى تصحيح ميزان المدفوعات، بالتوازي مع إصلاح مالي يركز على استئصال الفساد وتحسين الامتثال الضريبي وضبط الهدر وحسن إدارة القطاع العام. علمًا أن الخطة تسعى، في كل مراحلها، إلى تجنيب الفئات الأكثر ضعفًا وإلى تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي.
ونظرا لخطورة الوضع المالي الحالي، وللآثار الاقتصادية الكبيرة على اللبنانيين وعلى المقيمين والنازحين، سيحتاج برنامجنا الإصلاحي إلى دعم مالي خارجي، وخاصة من الدول الصديقة ومن مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، وذلك لدعم ميزان المدفوعات ولتطوير قطاعاتنا الحيوية من مياه وكهرباء وبنوك ونقل … وإننا نعول أيضًا وبشكل كبير على التمويل الذي تم التعهد به والبالغ ١١ مليار دولار في مؤتمر CEDRE والتي ستخصص بشكل أساسي للاستثمار في مشاريع البنية التحتية.
ثانياً_ من الناحية الاجتماعية
إنّ الامن الاجتماعي هو شرط من شروط الامن القومي. من هنا ضرورة العناية الكاملة بأطياف شعبنا كافة خصوصاً من يعاني الفقر أو النقص الحاد في الموارد الحياتيّة التي تؤمن الحدّ الادنى من الحياة الكريمة، عبر تقديم الإعانات اللازمة، غذائياً وطبياً ومالياً.
وعليه فقد عمدت وزارة الشؤون الاجتماعية على وضع خطة طوارئ للتصدي للمآسي الناتجة والتي سوف تنتج عن الأزمة الداهمة بالتشاور مع كافة الوزارات المعنية والمجتمع الأهلي، تعتمد معايير شفافة وتؤمن الاستجابة للاحتياجات في حدود الموارد العامة المتاحة ومساعدة الأسر اللبنانية لتخطي الأزمة المستجدة.
ثالثاً – من الناحية الصحية:
لقد تحوّل فيروس “كوفيد 19” المستجدّ وباءً عالمياً ضرب كل الدول، حاصداً بوتيرة متصاعدة عشرات الألاف من الضحايا.
أما في لبنان فقد ساعدتنا سرعة اتخاذ التدابير والإجراءات في الحد من انتشار هذا الوباء وبقائه ضمن الإطار المعقول حتى الآن، ونسعى جاهدين ليبقى تصاعد أعداد الإصابات ضمن قدرتنا على استيعابها. كما نسعى أيضاً لإعادة أبنائنا المغتربين الى الوطن ضمن الإمكانات المتوافرة.
مما لا شك فيه أن الاكتفاء الوطني الذاتي في الأزمات الصحيّة هو من مقومات صمود الدول في هكذا أزمات، وأعني توافر الأطقم الطبيّة والتمريضيّة والإسعافيّة والمعدّات والأجهزة وأساليب الوقاية من ألبسة وكمامات وقفازات ومعقّمات بالإضافة الى الأدوية المطلوبة.
إن الاكتفاء البشري في لبنان متوافر ومتفانٍ وله كلّ الشكر والامتنان. أما التجهيزات والمعدّات والادوية، فقد حاولت الصناعة الوطنيّة سد بعض الثغرات، وأحيي هنا الشباب اللبناني الذي شحذت الأزمة روح الابتكار لديه فسجّل محاولات اختراعات نحن بأمسّ الحاجة اليها.
ولكن يبقى الحيّز الأكبر للاستيراد، مع كل الأعباء المالية الضخمة والطارئة التي يرتّبها علينا.
رابعاً – أزمة النازحين السوريين
ما زالت أزمة النازحين السوريين تُلقي بثقلها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي اللبناني منذ سنوات وقد سبق أن توجهت مراراً وتكراراً الى المجتمع الدولي شارحاً تداعياتها السلبية على وطننا وداعياً لتأمين عودتهم الآمنة الى بلادهم، وأكرر الدعوة اليوم خصوصاً مع الوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان.
ومع الخطر الداهم لتفشي وباء ““كوفيد 19”” وارتفاع منسوب هذا الخطر على أبواب مخيمات النازحين وايضاً اللاجئين، فإن لبنان، المثقل بأعبائه، يتوجّه مجدّداً الى المجتمع الدولي لإعادة تذكيره بمسؤولياته تجاه هذه الأزمة الإنسانية، والى منظمات الامم المتحدة ووكالاتها وبرامجها، لتأمين الوقاية والعناية الطبية في المخيمات وتوفير المساعدات اللازمة للقاطنين فيها من خلال الخطة التي وضعتها الدولة اللبنانية وليس بمعزل عنها.
أصحاب السعادة
منذ أيام وصف سعادة الامين العام للأمم المتحدة جائحة “كوفيد 19” بأنها أسوأ أزمة عالمية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وكان سبق أن وُصِفت أزمة النازحين السوريين بأنها أسوأ أزمة انسانية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
إن لبنان اليوم يجمع على أرضه عبء أكبر وأسوأ أزمتين أصابتا العالم منذ خمسة وسبعين عاماً، وإذا كان وباء “كوفيد 19” قدراً سيئاً طال معظم الدول ونلنا منه قسطنا، فإن أزمة النزوح تحملناها منفردين، وقد تخطّت كلفتها علينا 25 مليار دولار باعتراف المؤسسات الدولية. ولا حلّ يلوح في المدى المنظور.
أصحاب السعادة
الحضور الكريم،
إن العالم ما بعد “كوفيد 19” لن يكون كما قبله، سيكون عالماً مثخناً بجراح إنسانية ومرهقاً بتداعيات اقتصادية، فهل سيبقى عالم التوحش الاقتصادي والمالي وعالم “أنا قوي إذاً أنا على حق”، أم ستجعل منه المعاناة التي صهرته، عالماً أكثر إنسانية وأكثر تضامناً؟
كل أملنا أن تنتصر الإنسانية”.
بدوره، القى رئيس الحكومة حسان دياب كلمة اشار فيها الى أن “الحكومة تضع اللمسات الاخيرة على خطة متكاملة تعالج الازمات والمشكلات الاقتصادية والمالية”.
وقال دياب: “خلال الايام الـ54 اضطرت الحكومة لاتخاذ القرار التاريخي الصعب لعدم دفع استحقاقات اليوروبوند واخترنا استشاريينا المالي والقانوني وبدأنا بالعمل على عدة جبهات”.
واعتبر ان لبنان يحتاج الى اعادة هيكلة دينه بالدولار والليرة على حد سواء.
وتابع: “الرئيس ميشال عون والحكومة قررا اجراء تدقيق في حسابات المصرف المركزي وفاء بوعدنا بالشفافية وتعزيزا لموقفنا التفاوضي”.
واضاف: “من اصل الاصلاحات التي وعدت بها الحكومة تمّ انجاز 57% منها وتمّ ارسالها الى البرلمان للتصديق عليها”.
وتوجّه دياب لاعضاء مجموعة الدعم الدولية بالقول: “سوف تصبح خطة الحكومة متوفّرة قريبا ونقوم اليوم بتنقيحها ولا شك في انكم مهتمون في لبنان ولبنان بحاجة الى دعمكم”.