Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر June 14, 2019
A A A
الذكرى الحادية والاربعون لمجزرة اهدن… قداس معطر برائحة المسامحة والغفران
الكاتب: موقع المرده
<
>

احيت اهدن ومعها الشمال ولبنان الذكرى الحادية والاربعين لمجزرة اهدن التي سقط ضحيتها الوزير الشهيد طوني فرنجيه وزوجته فيرا وطفلته جيهان الى 28 من ابناء اهدن، بقداس احتفالي في باحة قصر الرئيس الراحل سليمان فرنجيه في اهدن.
شارك في القداس، الى رئيس تيار المرده سليمان فرنجيه وزوجته السيدة ريما ونجلاه النائب طوني فرنجيه وباسل فرنجيه، كريمتا الرئيس سليمان فرنجيه لميا الدحداح وصونيا الراسي، السيدة ماريان سركيس، والكاتب ريتشارد لابفيير الى اهالي الشهداء فيما كان الغائب الابرز الحاضر في القلوب الراحل روبير بك فرنجيه.
كما شارك العميد وليم مجلي ممثلا نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس، النواب: اسطفان الدويهي، وليد البعريني، فايز غصن، فريد هيكل الخازن، سليم سعادة وجهاد الصمد، ومثل النائب جان عبيد شقيقه ايليا عبيد.
كما شارك وزير الاشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس، الوزراء السابقون روني عريجي، يوسف سعادة ومروان خير الدين، وحضر النواب السابقون كريم الراسي، اميل لحود واميل رحمه، وفد من حزب الله، الى اعضاء المكتب السياسي في المرده والكوادر.
كما شارك المهندس زياد المكاري، المحامي روي عيسى الخوري، الشيخ ملحم جبران طوق، السيد حسن الحسيني، نقيب اطباء الشمال سليم ابي صالح، رئيس اتحاد بلديات قضاء زغرتا زعني خير، رئيس بلدية زغرتا الدكتور سيزار باسيم، الى حشد من رؤساء الاتحادات البلدية والبلديات والمدراء العامين والفعاليات السياسية والتربوية والامنية والقضائية وحشود من الاهالي من مختلف المناطق اللبنانية.
ترأس الذبيحة الالهية المونسنيور إسطفان فرنجيه، بمشاركة الرئيس العام للرهبنة الانطونية الاباتي مارون ابو جوده ممثلا بالمدبر الاب نادر نادر، رئيس دير مار جرجس عشاش الاب كليم التوني، رئيس دير مار انطونيوس قزحيا الاب مخائيل فنيانوس، ولفيف من الكهنة والرهبان والراهبات.
بعد الانجيل المقدس القى المونسنيور فرنجيه عظة جاء فيها:” تأتي ذكرى مجزرة إهدن في هذه السنة معطّرة برائحة المسامحة والغفران بعد المصالحة التاريخية التي رعاها صاحب الغبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى في بكركي في 14 تشرين الثاني 2018 بين تيار المردة وحزبِ القواتِ اللبنانيةِ، بعد أربعينَ عامًا من مشاعرِ الكراهيةِ والغضبِ التي سكنت النفوسَ لنضَعَهَا في قلبِ الله، الشافي الوحيد لكلِّ جرحٍ والساكب في قلوبِنا روحه القدّوس، المعزّي والسند والعضد، روحَ الحقِّ الذي يُذكِّرُنا بكلام يسوع الابن، روحَ الفهمِ والشجاعةِ، الذي يقودُ خُطانا في هذا العالم نحو القداسة.
أتت هذه المصالحة – وعلى الرُّغمِ من قساوةِ المجزرةِ وفظاعتِها – تتويجًا لِما بدأهُ المغفور له الرّئيس سُليمان فرنجيه الّذي قال: “عفا اللهُ عن ما مضى” وتتويجًا للعديد من المُبادراتِ الفرديّةِ التي قام بِها نَجل الشهيدِ معالي الوزير سليمان فرنجيه من هُنا وهُناك تعبيرًا عن روح السَّلامِ والمسامحةِ الساكنةَ في قَلبِهِ وبهدَفِ مدِّ الجسورِ ووقفِ النزفِ في جروحاتِ الوطن.
فالتحيَة والتقدير نرفعُهُما لأهالي الشهداء الذينَ دعموا المُصالحةَ بكلِّ نُبلٍ وشهامةٍ والثِّقة بالله تملأ قلوبَهم، هو الذي دعانا من خِلال ابنهِ إلى الغُفرانِ ووضعِهِ شرطًا أساسيًا على كلّ مؤمنٍ به يمنحُه هو الغُفران حينَ علّمنَا في الصلاةَ الرّبيّةِ أن نصلّيَ قائلين: “إغفرْ لنا كما نحنُ نغفرُ لمن أخطأَ وأساءَ إلينا”، وقد مشى يسوع أمامنا درب الغفران والمصالحَةِ، حين غَفرَ وسامحَ مَن صَلبهُ قائلاً: “إغفرْ لهم يا أبتاه لأنّهُم لا يدرونَ ماذا يفعلون”.
التحيةُ والتقديرُ لأهلِ الشهداءِ وعلى رأسهِم عائلةِ الرئيسِ فرنجيه، شقيقات الشهيد: لميا، صونيا ومايا الذينَ واللّواتي وضعوا ثِقتَهُم أيضًا بالتيارِ السياسيِّ الذي يسيرُ على خطى الشهيد طوني فرنجيه وعلى رأسِه الوزير سليمان فرنجيه، الذي انتشلَتهُ العنايةُ الإلهيةُ من هولِ تلك الساعاتِ المشؤومةِ ليغدو القائدَ الذي منحه الله بصيرةً متّقدةً وشجاعةً قلَّ نظيرَها، وثقةً بالله كبيرةً، وثقة بالنفسِ قادتهُ إلى التعالي على الجراحِ ومنحتْهُ الصِّدقَ مع الذاتِ والصِّدقَ مع الآخرين. وهذه الصِّفات والمواهب جعلتهُ رجلَ ثقة عند القريبِ والبعيدِ، عند الصّديقِ والعدوِّ، وساهمت في تطوّرِ مُجتمعِنا وخصوصًا في مجال بناء السَّلامِ الداخليِّ والخارجيِّ عبرَ نبذِ العنفِ وتغليبِ منطقِ الدولةِ والقانون. تأتي هذه الذكرى أيضًا في ظلِّ غياب وجه المرحوم روبير بك فرنجيه الذي ضحّى بحياتِه ليكونِ السندِ لوالدِه الجريح المغفور له الرئيس سليمان بك فرنجيه ولوالدته الثّكلى ولابنِ شقيقهِ ابن الثالثة عشر ربيعًا ولزغرتا ومنطقتها بعد المجزرةِ المشؤومةِ. فتحمّلَ المسؤوليةَ وبقيَ فاتحًا بيته للجميعِ حتى غيابِهِ. نفتَقِدُ حضورَهُ في هذا القُداس الذي شارك فيه السنة الماضية وهو على فراشِ ألمِهِ وحملتُ إليهِ آنذاك القربان المقدّس ليكون له الزاد في طريقه إلى الأبدية، إلى ملاقاة وجهِ الله، الكليّ الرّحمةِ والعطفِ والحنان.
تأتي هذه الذكرى أيضًا بعد دخول نَجلِ الوزير فرنجيه الشاب طوني الندوةَ البرلمانيةَ بعدَ فوزهِ بثقةِ الناسِ في الانتخابات النيابيةِ الأخيرةِ وقد فَرِحوا بِهِ ومَنحوهُ ثقتَهُم ليسَ فقط انطلاقًا من ثقتِهِم بما يُمثّل بيتَه السياسيّ العريق إنّما أيضًا لما أظهرهُ ويُظهرهُ من حنكةٍ سياسيةٍ وسلاسةٍ في التعاطي مع احترامٍ لذاتِهِ ولبيتِهِ وللآخرين، مع جُرأةِ واندفاعِ الشبابِ وحِكمةِ الشيوخِ. فإنّنا نُصلّي إلى الرّبِّ لكي يمنحَهُ النِّعمةَ والقوةَ والشجاعةَ ليخدمَ الوطنَ كما خدمَه ويخدمُه والدهُ وكما خدمَه أسلافهُ وخصوصًا جدّه الشهيد طوني الذي يحملُ اسمَهُ المُحبَّب والذي دفعَ مُحبيهِ عندَ إعلانِ فوزهِ في الانتخاباتِ إلى الاحتفال بعودةِ اسمِ طوني فرنجيه إلى البرلمانِ وشكّلت هذه العودةَ نوعًا من التعزيةِ لما يحملُه الشهيد طوني فرنجيه من محبةٍ وتقديرٍ في قلوبِ الجميع.
تأتي هذه الذكرى أيضًا والوطنُ الذي نعيشُ تحت سمائِهِ الجميلة ونتمتّعُ بشمسِهِ الدافئةِ ونُكحِّلُ عيونَنَا بأزرقِ بحرِه المتوسط وبياضِ ثلجِهِ الناصع ونسيرُ في غاباتِهِ الجميلةِ والهادئةِ لا يزال يُعاني أزمة تلوَ أخرى.
وقد كادَ أبناؤه يفقِدون الثِّقةَ بهِ وبِبَعضِهِمْ البعضَ ويفقدونَ الثِّقةَ بقياداتهم، وبتنا نعيشُ في فوضى عارمة لم يشهد لُبنان مثيلاً لَها من قبل. فباتَ التلميذُ رهينةَ معلِّمِهِ، وباتَ المظلومُ رهينةَ القاضي، وباتَت طُرُقاتنا تقطعُ من الذينَ هم كانوا سياجَ الوطنِ ودرعَ القانونِ وسلاحِهِ، وغابَت لُغةُ الحوارِ والتفاهُمِ وباتَ الكبيرُ يأكلُ الصغيرَ وكأنّنَا بِتنا نعيشُ تحتَ حُكمِ شريعةِ الغاب. وهذه الحالة هي نتيجة انعدام القيم الإنسانية والأخلاقية في “بلد كثرت فيه طوائفه وقلّ فيه الدين” كما يقول الأديب والمبدع اللبناني جبران خليل جبران، ونتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها لبنان والتي تتطلّب من الجميع الوقوف إلى جانب الوطن صفًّا واحدًا، فلا وقت للعتاب وإلقاء اللوم على بعضنا البعض، فلا وقت ولا جهد إلاّ لإنقاذ الوطن المهدّد بكيانه ووجوده، بعيدًا عن المزايدات الرخيصة والشعبوية الفارغة. وقد أدّى كل ذلك ويؤدّي إلى هجرة العديد من أبناء هذا الوطن ولا يزالون والبعض منهم تخطّى خطّ الفقر بدرجات ويعاني حوالي 9.9% من الشعب اللبناني من الاكتئابِ حسبَ آخر الدراساتِ النفسيةِ وهُم في تزايدٍ “والحبل على الجرار” كما يقول المثل، وقد طارت الطبقة الوسطى التي كانت تشكّل قوّةَ لبنانَ واستقرارِه الاقتصاديّ.
من هُنا، ومن هذا المكان – الرمز، منزل المرحوم الشهيد طوني فرنجيه ومن باحةِ قصر المغفورِ له الرئيس سليمان فرنجيه الذي آمنَ بالعيشِ المشتركِ ونبذ الطائفيّة يومَ كانت ولا تزال مادةً مربحةً على كلِّ المستوياتِ، مؤمنًا بعروبةِ لبنان وانفتاحِهِ على عالمه العربي الذي لا بدّ من أن يعودَ إلى أصالتِه وإلى وحدتِه وإلى صيغةِ العيش الواحد لكلِّ مكوّناتِه الدينيّةِ والعرقيّة.
في ذِكرى استشهاد طوني فرنجيه ومن إهدن نتذكّرُ كلامَه قُبيلَ استشهادِهِ: “الأشخاص يزولون أمّا لبنان فهو باقٍ” وهذا القول هو صدى لإيمانِهِ برسالةِ لُبنان الذي تكلّم عنها فيما بعد البابا القديس يوحنا بولس الثاني أنّ “لبنانَ هو أكثرُ من بلدٍ، إنّه رسالة” في العيش المشتركِ وهو صدًى أيضًا لصوتِ ابن إهدن يوسف بك كرم الذي صرخَ يومًا مختارًا المنفى: “فلأُضَحِ أنا وليعشْ لبنان.” لبنان الذي أحبّه الشهيد طوني فرنجيه هو أمانةٌ في أعناقِنا جميعًا لأنّه وعلى الرغمِ من كلّ أزماتِه ومشاكلِه لا يزالُ وطنَ الحريةِ والإبداعِ، وطنَ صيغةِ العيشِ الواحِد، وطن التلاقي والرّسالة. فمحبّةُ لبنان وعروبته وعيشه المشترك أخذَهم الشهيدُ طوني فرنجيه عن عائلتِهِ وخصوصًا عن والدهِ المغفورِ لهُ الرئيس سليمان فرنجيه صاحب شِعار: “وطني دائمًا على حق”، وعن عمِّهِ المغفورِ لَهُ حميد فرنجيه الَذي قالَ يومًا: “إذا أردنا المحافظةَ على العيشِ المشتركِ، فالقاعدة الذهبية هي: “الخيرُ يصبحُ شرًّا حين يختلفُ عليهِ اللبنانيونَ، والشرُّ يُصبحُ خيرًا متى يتّفقونَ عليهِ”. وفي أيار 1957 حذّرَ حميد فرنجيه: “من يوم تضطرُ فيه الطّوائف أن تصبحَ أحزابًا، فيقال مثلاً الحزبَ المُسلم أو الحزب المسيحي!… وفي مثل هذا اليوم، تبدأ نهاية الوطن!” فهل نحن نعيش في حقبة نهاية الوطن وقد تخطّينا هذا الكلام إلى أكبر وأخطر؟
انطلاقًا من هذا الكلام وانطلاقًا من قراءةِ دقيقةٍ لعلاماتِ زمنِنا الحاضرِ ولما يشهدهُ لبنان في سنواتِهِ الأخيرةِ من استقواءٍ طائفيٍّ ومذهبيٍّ من هُنا وهناك، بطريقةٍ مباشرةٍ أو غيرِ مباشرةٍ، عن علمٍ أو عن غير علمٍ، عن قصدٍ أو غير قصدٍ عن وعيٍّ أو عن غير وعي، في هذا المجالِ أو ذاكَ، ندعو الجميعَ إلى التوبةِ، إلى العودةِ إلى الله وإلى الذاتِ، إلى تغييرِ سلوكِنا تجاهَ بعضِنا البعض رحمة بأولادنا وأحفادِنا. فلا تُضيِّعوا وطنًا سوف نندمُ عليه يومًا بفذلكةٍ من هنا أو فذلكةِ من هُناك. فالقضيّة ليست قضيةَ موازنةٍ وقطعِ حسابٍ بل هي قضية حياة أو موتٍ. وليعلم الجميع أنّ قوّةَ لبنان تكمنُ في قوّةِ جمعِ أبنائِه لا في قوّةِ طائفةِ على أخرى أو مذهبٍ على آخر، أو دينٍ على آخر، أو محورٍ على آخر، إنّ قوّةَ كلِّ طائفةٍ أو مذهبٍ أو دينٍ تكمنُ بقدرِ أمانةِ كلِّ واحدٍ مِنها لشرائع الله والتزام أبنائِهِ وبناتِه بمحبَّةِ بعضِهِم البعض وتمسّكِهِم بما يجمَعَهُم واحترام ما يفرّقهُم لأنّه يمثلُ بالنسبةِ إليهِم ولغيرِهم الفرادةَ والهُويةَ بدلاً من إلغاء بعضِنا البعض داخل الوطن وداخل كل دينٍ وداخل كل طائفةٍ ومذهبٍ.
تعالوا نلملم جراح الوطنِ بجرأةِ نجلِ الشهيد سُليمان فرنجيه وصدقه وقدرته على الغفران وطي الصفحات السوداء، وبجرأة أهل الشهداء ونُبلِهم وبكلّ كلمة وجدانية لطيفة تبني الآخر وتحتويه وتبلسم جراحه بصدق وشفافية وبخوف الله وتفتح آفاقًا جديدةً ومسافات تلاقٍ وحوار.
لِنُحافظ على لبنانَ الذي ضحَّى من أجلِه الآباءَ والأجدادَ ولا يزال الجيش اللبناني والقوى الأمنيّةِ يقدّمونَ الشهيدَ تلوَ الآخر لحمايةِ اللبنانيينَ دونَ أن ننسَى شُهداءَ المقاومةِ الذينَ حرّروا الأرضَ ودافعوا عن الوطنِ في وجهِ الإرهاب.
الرحمةُ للشهيدِ طوني فرنجيه ولزوجتِه وطفلتِهِما وللشهداءِ الذين أحبّوهُ ورافقوهُ وسوف تبقى ذِكراهُم العَطِرة وتضحياتَهم حاضرةً في وجدانِنا والتّاريخ، والمجد والحياة للبنان حُرًّا موحّدًا. آمين”.