Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر May 17, 2016
A A A
الديموقراطية اللبنانية بين الأحزاب والعائلات
الكاتب: د. ناصر زيدان - الأنباء

يقول الزعيم الراحل كمال جنبلاط ان الديموقراطية الشعبية يجب ان تكون منظمة على إيقاعات مدنية، كي لا تتحول الى ديكتاتورية الاكثرية، والا تساهم في تعميم الفوضى، والديكتاتورية والفوضى وجهان لعملة واحدة، لا يقل خطر الاول عن خطر الثاني على الشعوب.

وسط حماوة الانتخابات البلدية والاختيارية التي تجري في لبنان، يمكن ملاحظة مجموعة من الظواهر الغريبة، أو الخطرة والمتوارثة في آن. ومن خلال القراءة الهادئة لنتائج ما أنجز من هذه الانتخابات، أو من خلال عملية التحضير، أو التعبئة للمراحل اللاحقة، يتبين ان هناك عددا من المفارقات لابد من التوقف عندها.

أولا: واضح ان اختلالا تنظيميا وعقائديا يصيب الأغلبية من الأحزاب السياسية اللبنانية، فالقواعد الحزبية تلتزم بالتوجيهات المركزية في مكان وتتمرد عليها في مكان آخر، كما ان التعليمات الحزبية يمكن ان تكون باتجاه معين في منطقة – أو بلدة – وتكون في اتجاه مختلف تماما في منطقة أخرى.

فحزب الله كانت توجيهاته في بيروت بعدم المشاركة، وفي البقاع كانت الدعوة للمشاركة الكثيفة، ومثله أحزاب «التحالف المسيحي» في اكثر من مكان، وهذان النموذجان على سبيل المثال لا الحصر، يمكنهما التعبير عن حالة الاختلال الحزبي العام.

ثانيا: في العادة تستنهض التحركات الانتخابية الرتابة الشعبية باتجاه التطلع الى تأمين مصالح الناس، أو الى إنتاج حركية لإبراز الافضل بين النخب الاجتماعية والتنموية والثقافية، ولكن الملاحظ ان الاستنهاض كان في الاتجاه المعاكس في اغلب الأحيان.

فنسبة كبيرة من حجم التصويت – أو التعبئة الانتخابية – كان على قاعدة الانتقام، أو الإالغاء، أو لاعتبارات تتعلق بالمحاسبة على مواقف سابقة، أو تسديد فواتير سياسية مستحقة من محطات قديمة.

ثالثا: ان توسيع حجم الحراك العائلي – أو الجببي (فخذ من العائلة) – فيه خطورة على الحياة المدنية في لبنان، لأنه يخفي نية اقصائية لمجموعات، لأنها تقل عددا عن مجموعات أخرى، بصرف النظر عن الكفاءة الشخصية للمرشحين.

وهذه أمراض سياسية لها انعكاساتها الاجتماعية المخيفة، وتساهم في تغذية العصبيات، أو الاحقاد.

وما يدهش اكثر فأكثر، ان بعض العائلات – أو الاجباب – لا تقدم الافضل من مرشحيها في اغلب الاحيان، لاعتبارات تتعلق بالتركيبة المعقدة لهذه العائلات، ولأن الذين يتمتعون بالكفاءات، عادة ما ينكفئون عن المزاحمة أمام اندفاعة بعض المتوترين من أبناء العائلة.

فيتقدم عدد كبير من المرشحين للمراكز البلدية والاختيارية من الذين لا يتمتعون بالمواصفات المطلوبة. ويمكن ادراج العديد من الامثلة على هذه المقاربة في العديد من العائلات – وفي كل المناطق – حيث انكفأ الأكفأ من أبنائها عن الترشح.

رابعا: بدا واضحا، ان قانون الانتخابات البلدية والاختيارية رقم 665، يساهم في انتاج الفوضى المحلية، ويدعم فكرة الاستبداد في بعض الاحيان، كما انه لا يساعد على إبراز النخب.

فلا يوجد شروط للترشح الى المراكز الا ان يتقن المرشح القراءة والكتابة، واحيانا كثيرة يتم تفسير هذا الشرط على انه باستطاعة المرشح كتابة اسمه فقط، وهذا طبعا غير صحيح.

القاعدة، ان الديموقراطية تساعد على ابراز الكفاءات، وعلى سيادة العدالة والمساواة، لكن التشوهات الناتجة عن العقد الاجتماعية، وعن الاختلالات القانونية، يمكن لهما ان يؤديا الى نتائج معاكسة تماما، بحيث تصبح الديموقراطية غير المنظمة عالة على التنمية، وسبيلا لتكريس بعض الاستبداد.