Beirut weather 13.54 ° C
تاريخ النشر January 23, 2020
A A A
الدولة بحاجة إلى أموال لتغطية إستحقاقاتها في 2020 والسؤال من أين تمويلها؟
الكاتب: بروفسور جاسم عجاقة - الديار

أبصرت حكومة الرئيس حسان دياب النور على وقع الإحتجاجات الشعبية والتي أخذت منذ نهار السبت الماضي أبعادًا أكثر عنفًا مع زيادة المواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية وطابعًا دراماتيكيًا البارحة. الحكومة التي تنتظر بيانها الوزاري قبل التوجه لنيل ثقة المجلس النيابي، أكيدة من حصولها على ثقة هذا الأخير نظرًا إلى أن عدد النواب الذين يدّعمونها كاف. إلا أن المخاوف تبقى بالدرجة الأولى من الشارع الذي ربط المجتمع الدولي إعترافه بهذه الحكومة بنيلها ثقة الشارع.

لذا تأتي حوادث الأمس لتُشير إلى تطور سلبي على هذا الصعيد على الرغم من تطمينات الرئيس حسان دياب الذي قال أنه مع الثوار. وهنا يُطرح السؤال عن قدرة صمود الحكومة في وجه شارع ما زال غاضبًا ولا يتردّد في إظهار هذا الأمر! السيناريوهات المطروحة تتراوح من التفاؤل إلى التشاؤم مع ميل أكثر إلى التشاؤم في ظل حركة الشارع الأخيرة.

سيناريو تفاؤلي
السيناريو الأول ينصّ على أن تعمد الحكومة إلى إنجاز البيان الوزاري ونيل الثقة مع تخطيها مُشكلة رفض المحتجين لها، على أن تقوم في نفس الوقت بتحضير ورقة مالية واضحة ومُبرمجة لمواجهة إستحقاقات الدولة المالية لهذا العام والتي تُشكلّ العائق الأول أمام الحكومة نظرًا إلى تراجع هامش القطاع المصرفي وإستحالة الإقتراض في الأسواق المالية بأسعار مقبولة. وقد يكون تصريح الرئيس دياب أول من أمس أنه وبعد نيل ثقة المجلس النيابي سيتوجه في زيارة إلى الدول الخليجية، مؤشّراً على التوجه الحكومي بطلب المساعدة من هذه الدول. إلا أن مثل هذا الأمر يبقى بحاجة إلى ثمن سياسي في مكان ما وإلا لن يكون هناك من مساعدات خليجية. أيضًا هذا الأمر عبّر عنه الرئيس الفرنسي ماكرون الذي قال أن لبنان يحتاج إلى حكومة تمتلك برنامجًا واضحًا تتقدّم به إلى المجتمع الدولي قبل طلب المساعدة مع تشديده على أن فرنسا ستقوم بكل ما يلزم لمساعدة لبنان.

على هذا الصعيد، كان هناك دعوات من الداخل وعلى رأسها دعوة البطريرك بشارة الراعي الذي طلب من المحتجّين إعطاء فرصة لهذه الحكومة لوضع خطّة إنقاذية.

سيناريو تشاؤمي
السيناريو التشاؤمي وهو سيناريو ينصّ على تصعيد من قبل المحتجّين مع مقاطعة أحزاب سياسية رئيسية في البلد (القوات، المُستقبل، الكتائب، الإشتراكي) وذلك بهدف الذهاب إلى إنتخابات نيابية مبكّرة وهو أمر ترفضه قوى 8 آذار والذي أشار إليه دولة نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي عند تشكيل الحكومة، حيث توجّه إلى الرئيس دياب بالقول «لا يُمكن الإنقلاب على نتائج الإنتخابات النيابية». وهذا الواقع سيواكبه رفض دولي وعلى رأسه رفض الولايات المُتحدة الأميركية لهذه الحكومة والتي عبّرت عن وجهة نظرها الصحف الأميركية مثل صحيفة الواشنطن بوست التي عنونت مقالتها بـ «لبنان يُشكل حكومة جديدة مدعومة من حزب الله على الرغم من الإحتجاجات». بمعنى آخر أن تصنيف الحكومة على أنها حكومة حزب الله سيفرض المزيد من الخطوات التي تذهب بإتجاه سيناريو معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والذي ظهر منذ أكثر من شهر ودعى إلى عزل لبنان على طريقة عزل فنزويلا. وذهب هذا التقرير إلى حدّ تسمية لبنان بـ «فنزويلا الشرق الأوسط».

هذا السيناريو سيجعل حكمًا من لبنان جبّهة مواجهة جديدة بين الولايات المُتحدة الأميركية من جهة وبين إيران من جهة أخرى خصوصًا أن الصراع الأميركي – الإيراني بلغ ذروته في الفترة الأخيرة. وبالتالي يُمكن للأزمة أن تطول لفترة طويلة مع ما لها من تداعيات إقتصادية ومالية كبيرة. من الواضح أن نتاج هذا السيناريو هو فوضى عارمة!

الشق المالي… التحدّي الأساسي
وبغض النظر عن السيناريو الذي سيحصل، هناك تحدّيات تواجه الحكومة العتيدة وعلى رأسها إستحقاقات الدولة اللبنانية إن من الدين العام أو من الإنفاق الداخلي (أجور، نفقات تشغيلية…). هذه الإستحقاقات التي تبدأ بأخذ أبعاد كبيرة إبتداءً من شهر آذار المُقبل (موعد أول إستحقاق دين خارجي بالدولار الأميركي)، تفرض على الحكومة البحث عن كيفية تمويل هذه الإستحقاقات (مساعدات خارجية، صندوق النقد، المصارف التجارية اللبنانية، مصرف لبنان؟).

إلا أن طلب المساعدة من الخارج، يُعيد طرح ثقة المجتمع الدولي بالحكومة اللبنانية. ونظرًا إلى المؤشرات الأولية التي خرجت من الصحف الأجنبية وخصوصًا الأميركية، من المُستبعد أن يكون هذا الخيار مُمكنًا من دون أثمان سياسية في مكان ما!

أمّا فيما يخصّ طلب المساعدة من قبل صندوق النقد الدولي، فهو أمر مُمكن لكن لن يكون بمقدور الحكومة الحصول على كل الأموال التي يطلبها نظرًا إلى رفض الدعم من قبل بعض الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي. لكن هذا الخيار يبقى مُمكنًا مهما كان السيناريو السياسي.

التمويل الداخلي من القطاع المصرفي يبقى الخيار الأخير للحكومة العتيدة، إلا أن هذا التمويل سيفرض إضعافاً للوضع الإقتصادي والوضع النقدي بحكم أن الدولارات التي كانت لتذهب لدعم الإستيراد ودعم الليرة اللبنانية، ستذهب إلى تمويل الدولة التي يُشكّل إفلاسها خطاً أحمر لا يُمكن القبول به!

وإذا كان البعض يُنادي بعدم دفع إستحقاقات الدين العام في شهر آذار المُقبل، إلا أن مثل هذا الطرح يُشكّل «إنتحاراً مالياًَ بتوقيع رسمي» نظرًا إلى أن قيمة الليرة اللبنانية ستنخفض إلى مستويات سيكون بعدها من الصعب على المواطنين تأمين الغذاء. وهذا الأمر إن حصل، سيكون لبنان ساحة حرب حقيقية!

القطاع المصرفي… والودائع
في ظل كل ما يحصل من فوضى على الساحة اللبنانية ما زالت المصارف تتمتّع بملاءة كافية للحفاظ على الودائع. وبالتالي من المتوقّع أن تستمر المصارف بتأمين حاجة المودعين من العملة اللبنانية وقسم من حاجاتهم بالعملة الصعبة. إلا أن حلاً سياسياً يتضمّن حكومة مع ثقة المجلس النيابي وخطّة إنقاذية واضحة ومُبرمجة ستؤدّي إلى حلحلة أكبر على صعيد تخفيف القيود التي تفرضها المصارف والتي تُثير حالة من الهلع والإرباك لدى المودعين الذين يخشون على أموالهم من إفلاس المصارف.

بالطبع وبحسب قانون النقد والتسليف، مهام المصرف المركزي تنصّ على المحافظة على القطاع المصرفي، لذا وبفرضية أن أحد المصارف واجه مُشكلة ملاءة، فإن عملية دمج مع مصرف أخر أو حتى شراء من قبل مصرف لبنان هو أمر مطروح.

على صعيد أخر، تُشير البيانات المالية أن مطلوبات القطاع المصرفي اللبناني توازي موجوداته مما يؤكّد ملاءة القطاع المصرفي (على الرغم من المخاطر التي تحدق بالديون السيادية والتي يتمّ التحوّط منها بزيادة رأسمال المصارف). وبالتالي يُمكن القول أن ودائع المودعين في المصارف اللبنانية لا تزال آمنة.

دولار الصيارفة
قبل إعلان التشكيلة الحكومية بساعات، قامت نقابة الصيارفة في لبنان بوضع سقف لشراء سعر صرف الدولار الأميركي على 2000 ليرة لبنانية للدولار الواحد. هذا القرار جاء بحسب بيان النقابة عطفًا على المشاورات التي أجرتها النقابة مع السلطات المالية والرقابية وبعد موافقة حاكم مصرف لبنان.

وهنا يُطرح السؤال عن أسباب توقيت هذا الإجراء؟ بإعتقادنا هناك إحتمالان: الأول خوف الصيارفة من ملاحقات قانونية من قبل الحكومة الجديدة خصوصًا أن عددًا كبيرًا منهم غير مرخص (300 صيرفي مرخص من قبل مصرف لبنان مقابل الضعف غير مرخص!). والثاني ضغط من قبل حاكم مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف بضرورة خفض السعر نظرًا إلى الضرر الإجتماعي الكبير الناتج عن الفوضى في تسعير الدولار لدى الصيارفة. وهنا يجب معرفة أن سعر البيع لا يُمكن أن يتعدّى بأي شكل من الأشكال الـ 2030 إلى 2100 ليرة للدولار الواحد.

يتوجّب التذكير أن مصرف لبنان لا يُمكنه التدخل في سوق الصيارفة نظرًا إلى أن هذا السوق هو سوق غير مركزي ولا يتمتع بمواصفات السوق. وبالتالي أي رغبة للمصرف المركزي للتدخلّ في سعر الدولار، يجب أن يكون في سوق القطع الرسمي عبر ضخ دولارات إضافية في المصارف التي تُعطيها للزبائن الراغبين بالحصول على دولار أميركي.

أيام مصيرية
الأيام المقبلة هي أيام مصيرية لأنها ستُحدّد مصير الوضع الإقتصادي والمالي والنقدي في لبنان، حيث أن حصول الحكومة على ثقة الشارع كفيلة بحصولها على الثقة الدولية (ثقة المجلس النيابي مضمونة) وبالتالي بدء الخروج من النفق المُظلم الذي يعيش به لبنان منذ بدء الإحتجاجات الشعبية في تشرين الأول 2019.