Beirut weather 16.32 ° C
تاريخ النشر December 2, 2022
A A A
الدولار الجمركي دخل حيّز التّنفيذ والعين على الأسعار… فهل ترتفع؟
الكاتب: سلوى بعلبكي - النهار

أمّا وقد وُضع قرار “الدولار الجمركي” على سعر 15000 ليرة حيّز التنفيذ، فيُفترض ألّا يشهد المستهلكون ارتفاعا دراماتيكيا لأسعار السلع والمواد الإستهلاكية. ذلك ان الأسواق التي احتاطت مسبقا للضريبة الجديدة، إستطاعت امتصاص صدمتها، وأعادت برمجة جداول الرسوم والضرائب مع سعر الكلفة، لتضمن القدرة على المنافسة، والمحافظة على الرأسمال في آن واحد. هذه البرمجة شملت فقط السلع والبضائع التي تطاولها الرسوم الجمركية، فيما لوحظ، أقله حتى الآن، أنه لم ـتُسجل ارتفاعات ملحوظة على المواد الإستهلاكية، المعفاة كليا أو جزئيا من الرسوم الجمركية، وبقيت أسعار الأدوية والمستلزمات الإستشفائية على حالها. أما الإلتباس الذي وقع فيه بعض المتابعين والمراقبين لتطور الأسعار، كما المواطنين الخائفين من الغلاء وتفلّت الأسعار، فمرده إلى ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية ووصوله الى عتبة 41500 ليرة، متسببا بارتفاع أسعار المستوردات التي يُسدد ثمنها بالدولار “الفريش”، وستستمر ملاحظة إرتفاعات بطيئة مادام سعر صرف الدولار يتحرك صعودا.

ولكن، حتى وإنْ لم تشهد الاسواق أي ارتفاعات فاضحة في الاسواق، فإن قرار رفع الدولار الجمركي لا يزال موضع انتقادات من الاقتصاديين، إذ ينتقد الخبير المالي والمصرفي نيقولا شيخاني رفع الدولار الجمركي، كونه وُضع من دون خطة ضريبية واضحة ومتماسكة مع الموازنة، ومن دون أن تواكبه خطة نقدية أو خطة للإنماء االاقتصادي. فالقرار لا يعدو كونه قرارا تكتيكيا غير منتج للاقتصاد، ويقتصر على تمويل الخزينة الى حد ما مع تشجيع للاقتصاد غير الرسمي (اقتصاد الظل)، فيما كان يُفترض قبل الشروع بالقرار ضبط الحدود البحرية والجوية والبرية لتفادي تهريب السلع، علما أن ضبط الحدود يمكن أن يدرّ على الخزينة ما بين مليارين الى 3 مليارات دولار، ويقوّي الناتج المحلي بنحو 20% في سنة واحدة.

وفي بلد يعاني من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، يرى شيخاني أنه كان من الافضل تفعيل الجباية بدل رفع الضرائب بطريقة عشوائية، خصوصا أن اي ارتفاع في الاسعار من خلال الضريبة سيضرب القوة الشرائية للمواطن، بدل أن تساعده على الانفاق، بما يساهم في تفعيل الدورة الاقتصادية، مستندا الى ارقام نسبة الفقر في لبنان الصادرة عن البنك الدولي والتي تشير الى أن 50% من اللبنانيين اصبحوا تحت خط الفقر، ومعتبرا أن “هؤلاء سيتأثرون بارتفاع الاسعار أكثر من غيرهم، لذا كان الاجدى بالمعنيين وضع خطة للمساعدة الاجتماعية وتسريع العمل بالمشاريع التي حُكي عنها سابقا ولم تنفذ حتى اليوم وخصوصا البطاقة التمويلية”.

وإذ لفت الى أن القرار، وكما كل القرارات الاعتباطية، وُضع لتمويل رفع الرواتب للقطاع العام، قال: “كان الاجدى تفعيل خطط اقتصادية مع نمو يقوي القدرة الشرائية في القطاعين العام والخاص”.

ولكن بما ان القرار اتخذ برفع الدولار الجمركي عشرة اضعاف على نحو سيترجم برأي شيخاني “ارتفاعا في الاسعار بين 5 و10%، فإن على وزارة الاقتصاد ضبط الارتفاع عبر المراقبة الفعالة في السوق ومحاسبة المحتكرين علّ القرار يكون أخف وطأة على المواطنين”.

فحيلي: تداعيات دولار الـ 15 الفا خفيفة؟
بدأت مسيرة دولار الـ 15 ألف ليرة بإطلاق إسم “الدولار الجمركي” عليه، “إذ في بداية النقاش في مشروع موازنة 2022، كان الهدف تصويب احتساب وتحصيل الرسوم الجمركية، ولكن بعد إقرار الموازنة، توسعت رقعة هذا الدولار لتشمل الرسوم والضرائب من دون التوقف عند تداعياتها المدمرة”، وفق ما يقول خبير المخاطر المصرفية والباحث في الإقتصاد محمد فحيلي الذي يرى أن “تعديل سعر الصرف من الـ 1507 ليرات إلى الـ 15 ألف ليرة، في الشكل وفي التوقيت، من دون دراسة موضوعية لتداعياته الإقتصادية والمعيشية، هو محاولة إستغلالية وليست تصحيحية، إذ إنه حتى اللحظة ليس واضحا المساحة التي سيطبق عليها السعر الجديد، علما أنه يبدو واضحا أنه سعر صرف للإيرادات والرسوم الجمركية وغيرها، ويطاول الضريبة على القيمة المضافة وليس ضريبة الرواتب والأجور التي وُضعت في حضن منصة صيرفة”. وهنا يقول فحيلي “تقع المفارقة الأليمة، فثمن الاستيراد يدفع بالدولار الفريش، وتحتسب أسعار السلع على الدولار الفريش مع إضافة هامش كبير لتغطية ربح المستورد والتقلبات غير المرتقبة بسعر صرف الدولار، بيد أن الرسوم الجمركية دُفعت على سعر الـ 1507، وحاليا ستُدفع على السعر المدعوم الجديد وهو 15 الف ليرة”.

أمام هذا الواقع، يضيف فحيلي: “إذا كان المستوردون صادقين فعليهم مصارحة المستهلك، فالكلفة الإضافية أُخذت في الاعتبار من مدة ليست بقصيرة، لهذا السبب لم نشهد تقلبات بأسعار السلع مع التقلبات بأسعار صرف الدولار”. وهذا الامر برأيه، “يجب أن يبشر بأن تداعيات دولار الـ 15 الفا على الرسوم الجمركية ستكون خفيفة جدا على أسعار الاستهلاك. ولكن بسبب غياب الرقابة من القطاع العام، أي وزارة الإقتصاد، والأهم غياب الرقابة الذاتية التي يتوجب على القطاع الخاص ممارستها بمهنية وثبات، سيخلق مساحة جديدة متجددة للمحتكرين، كما حصل ايام الدعم العشوائي للإستيراد”.
ويعيب فحيلي على القطاع الخاص إصراره على التمسك بدعم السلطة الفاسدة والافادة منها، بما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. وقال: “الرسوم والضرائب تحدد وتدفع على القيمة الإقتصادية الحقيقية والفعلية للنشاط الإقتصادي سواء كان هذا النشاط إستيرادا، تصديرا، عمالة (أي رواتب وأجور)، إلخ… ولكن التمسك بدولار الـ 1500 ليرة، او حتى الـ 15000 ليرة، له وجه واحد هو التمسك بالإستمرار في طلب الدعم. إذ إن قسما كبيرا من مكونات القطاع الخاص يمسك بالدعم (العشوائي) للإستيراد في العامين الماضيين متحصنا بالمحافظة على مصلحة المستهلك/المواطن، فيما نعلم جميعا أن المتضرر الأكبر من هذا الدعم كان المواطن”.

في ظل غياب الرقابة من السلطات المختصة في الدولة، من واجب القطاع الخاص ممارسة الرقابة الذاتية على المواد وعلى الأسعار وعلى توافر السلع في الأسواق، كما من واجبه تسديد الرسوم الجمركية على القيمة الإقتصادية الحقيقية للإستيراد، فيما تلزمه المسؤولية المهنية والمناقبية تأمين المؤونة الكافية والوافية لتسديد ضرائب الدخل على القيمة الإقتصادية الحقيقية للرواتب والأجور، فالمنطق يفرض إحتساب الضرائب على هذا النحو”.

الجزء الأكبر من التباطؤ في التدهور الإقتصادي والقدرة على الصمود كان، ولا يزال، الاستهلاك. وقد شهدت الرواتب والأجور لدى مكونات القطاع الخاص تحسنا ملحوظا في السنة الماضية، فيما ساهم لبنان الإغتراب في مد يد العون إلى أخيه اللبناني المقيم. وبهذا أصبح ميسرا تمويل فاتورة الإستهلاك. ولكن وفق فحيلي فإن “ما أقدمت عليه السلطة لجهة إقرار ضرائب إضافية وبمفعول رجعي لأول سنة الـ 2022 يعني تشريع قضم قسط كبير من قدرة المستهلك على تمويل الاستهلاك الذي هو اليوم الرافعة الإقتصادية الوحيدة، ولن يفضي الا الى العودة إلى أيام الاختناق الإقتصادي”.

ويرى فحيلي أن آلية تطبيق ضريبة الدخل ستكون معقدة تقنيا ومستحيلة تمويليا”، في حين أن “من غير الممكن تحصيل رسوم وضرائب من إقتصاد الظل (الإقتصاد غير الرسمي – underground economy). وفي ظل عدم تمكن الجهات الرسمية من ممارسة الرقابة الفاعلة والمنتجة، فإن التمسك بتطبيق هذه الضرائب والرسوم سيزيد الاحتكار والمضاربة والتوسع في حجم اقتصاد الظل. وهذا يعني أن الدولة لن تستطيع جباية الرسوم والضرائب بالحجم المتوقع وسوف يكون لبنان، من جديد، هو الخاسر الأكبر من جراء قرارات الطبقة السياسية”.

أخطأت كل مكونات الإقتصاد، من خاص وعام، ولتفادي التداعيات الكارثة يتوجب برأي فحيلي “تطبيق دولار الرسوم الجمركية وتأجيل تطبيق الضرائب على الرواتب والأجور للسنة المقبلة لإعطاء المؤسسات مساحة لإقفال دفاترها لسنة 2022 بالحد الأدنى من المشاكل والهندسات المحاسباتية لإخفاء ارتكاباتها”، محملا الدولة “القسط الأكبر من المسؤولية لأن إقرار موازنة 2022 في أواخر السنة كان سبب كل هذه المشاكل وتداعياتها”.