Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر November 18, 2017
A A A
الدوري الإيطالي أصل المصيبة
الكاتب: شربل كريم - الأخبار

منتخب إيطاليا لم يتأهل إلى كأس العالم. السبب الأول لم يكن المدرب المُقال جانبييرو فنتورا، بل إن الدوري في بلاده وأنديته يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية. فالمصيبة وقعت منذ زمنٍ بعيد، لا في أمسية الصدمة أمام السويد.

لن تكون الحياة طبيعية في ملاعب الدوري الإيطالي مع استئناف نشاطه في نهاية الأسبوع. الجميع يشعر بالسخط ولم تعد نتائج الأندية تهمّ، فكبرياء إيطاليا سقط في أحد أهم معاقلها «سان سيرو». أهين الإيطاليون أمام العالم أجمع، هذا هو الكلام المشترك بين جماهير أندية الـ”سيري أ” التي فاتها ربما أن أنديتها نفسها هي أحد الأسباب الأساسية في المصيبة الكبرى التي ستترك بلا شك أثرها على الدوري، وسط مخاوف من أن يضعف أكثر مما هو عليه حالياً.
الواقع أنه لا يمكن فصل دور أي بطولة محلية عن نجاح المنتخب الوطني من عدمه، فالمنتخب هو من إفرازات البطولة وهو انعكاس لها، لا بل هو واجهتها، فضعفها من ضعفه، ونجاحه يعود بلا شك عليها بالفائدة، وهو أمر لن تعرفه إيطاليا، أقله في المستقبل القريب.
صحيح أن عشاق الدوري الإيطالي هم أوفياء لحبهم الأول، لكن لا بد للواقع من أن يقول كلمته، وهي أن الدوري في بلاد الطليان هو أصل المصيبة، ويأتي عدم تأهل إيطاليا الى مونديال 2018 ليزيد من محنه.
المشكلة بدأت يوم أدار النجوم ظهرهم لهذا الدوري، فخفت الاستثمارات فيه، وبالتالي باتت الأندية تعمل ضمن نطاق تطويري محدد، الأمر الذي أثّر بشكلٍ مباشر على استثماراتها في قطاع الناشئين اولاً، وفي البنى التحتية الخاصة بها ثانياً. وقد يستغرب البعض ذكر النقطة الثانية، لكنها مهمة الى أبعد الحدود، إذ إن جاذبية الملاعب الإيطالية غير موجودة على غرار ما هو عليه الأمر في ملاعب إنكلترا على سبيل المثال. وهذه المسألة مؤثرة في عملية جذب النجوم الكبار الى الـ”سيري أ”، فهناك بعض الملاعب التي تكاد تنهار، وأخرى باتت قديمة أو لم تحظى بعملية تطوير جديّة منذ استضافة إيطاليا لمونديال 1990، ومنها الملعب الأولمبي في روما الذي يمكن لأي زائر أن يلاحظ ما أصابه. كما لا يشذ ملعب “سان سيرو” عن هذا الإطار، ليكاد يكون ملعب يوفنتوس الوحيد الذي يتمتع بحداثة استثنائية في إيطاليا.
إذاً، هجرة النجوم تركت أثرها على النتائج الخارجية للأندية الإيطالية، فكان انخفاض منسوب الأرباح المالية الذي عرقل العمليات التطويرية. لكن أيضاً، فإن عدم قدرة أندية إيطاليا على استقطاب نجوم الصف الأول من الخارج جعلهم يبحثون عن أجانب متواضعين في بعض الأحيان، وهؤلاء أخذوا مكان اللاعب المحلي من دون أن يقدّموا أي إضافة، فكانت استفادة الأندية منهم محدودة، بينما حرق وصولهم بأعداد كبيرة كل طرقات اللاعبين الشبان الموهوبين لأخذ أماكنهم في التشكيلات الأساسية.

سيدفع الدوري الإيطالي الثمن باهظاً بعدما كانت حساباته خاطئة لسنوات عدة

وهذه المسألة عبّر عنها بغضب باولو كانافارو (شقيق قائد إيطاليا السابق فابيو كانافارو) عندما كتب عبر وسائل التواصل الاجتماعي عقب الفشل في التأهل: “لم نخسر كأس العالم اليوم، بل خسرناها منذ 15 عاماً عبر توظيف الأموال في أماكن خاطئة في عالم الفوتبول، حيث استقدمت إيطاليا لاعبين غير أكفاء من كل بقعة في هذا العالم، وبشكل غير عادل أخذوا أماكن شبابنا”. وأضاف: “أعطيناهم المجد بفضل مدربينا الإيطاليين الذين يبقون الأفضل في العالم. آمل أن نكون قد اصطدمنا بالقعر الآن لنعيد تأسيس كرتنا”. وختم: “لنودع هذه المومياءات التي تتحكم بالكرة الإيطالية ونفسح المجال أمام الشبان. اخرجوا من طريقنا”.
كلامٌ معبّر بلا شك، إذ انبهرت إيطاليا بلاعبين أجانب متواضعين، ومنهم من قام الاتحاد الإيطالي بتجنيسهم مثل لاعب نابولي جورجينيو ولاعب إنتر ميلانو إيدير، وهما لا يفوقان لاعباً مثل لورنزو إينسينيي أو فيديريكو برناردسكي مثلاً اللذين لم يأخذا حقهما مع “الآزوري”.
المدربون الإيطاليون الجيدون مثل أنطونيو كونتي وكارلو أنشيلوتي وروبرتو مانشيني فضلوا الهجرة أيضاً، وقبلهم كان فابيو كابيللو الذي قال يوماً إنه لا يفكر أبداً بالعودة الى التدريب في بلاده الأم، لا للإشراف على أي نادٍ أو حتى المنتخب. هم لم يعودوا يؤمنون أصلاً بالـ”سيري أ” التي تسببت أيضاً بأضرارٍ لمنتخبها بفعل تخبطها بملفات الفضائح التي هزتها مراراً، وهي أمور أيضاً جعلت اللاعبين الكبار يهربون من أي عرضٍ إيطالي، بينما وصولهم كان سيؤدي الى تطوير اللاعب المحلي والأندية على حدٍّ سواء، ويبعد فكرة استقدام أجانب لا يصلحون لأي عملية تطويرية. وهذه المسألة باتت معضلة أصلاً، وأصبحت أسوأ مع دخول مستثمرين أجانب الى أكبر الأندية، أمثال: ميلان وإنتر ميلانو حيث يبدو واضحاً أن سياسة الانتقالات تصوّب بوصلتها نحو الخارج قبل النظر الى اللاعب المحلي، بينما كان الرؤساء السابقون أمثال سيلفيو برلوسكوني يؤسسون فريقاً من صلب مجرّة النجوم الإيطاليين، ويضيفون إليهم نخبة لاعبي العالم، فكان ميلان لفترة طويلة أعظم أندية المعمورة.
إيطاليا لن تذهب الى روسيا، وسيدفع الدوري الإيطالي الثمن باهظاً بعدما كانت حساباته خاطئة لسنوات عدة، فالكل هو مجرم بحق “الآزوري” الذي بات الضحية الوحيدة التي ستسقط معها ضحايا كثر من إداريين ومدربين وكيان عام.