Beirut weather 20.21 ° C
تاريخ النشر April 12, 2016
A A A
“الدوخة” تنتشر بين القاصرين فما هو “المدواخ” وما تأثيره؟
الكاتب: زينب سرور ـ السفير

عد أوّل «شفطة»، دخل في «الحالة». أرخى بثقله على الكرسيّ، وابتسم ابتسامةً خفيفةً لمن حوله. لم يعُد يكترث لأيّ جوٍّ سلبيّ يحيط به. أقصى اهتمامه الاستمتاع باللّحظة، أو «عاللّبناني»، عيشها. بعد مرور عشرين ثانية انقشع الغبار. لكنّه لم يُرِد له ذلك. أنزل «المدواخ» من فمه، قلبه رأساً على عقب، وطرق طُرق خفيفة على ظهره. بسرعةٍ لافتة، حضر «جرعةً» جديدةً من «الدّوخة». ملأ مدواخه منها، رفعه إلى فمه. وبولّاعته الّتي لا تُفارق يدَه اليُمنى، أشعل التّبغ، وشفط، وكرّر، ودخل مجدّداً في «الحالة».
على هذا المنوال، أمضى سامي (اسم مستعار)، نصف ساعة: «شفطات» سريعة، دوخات أسرع، نشواتٍ متقطّعة وقصيرة. منذ أربعة أشهر تعرّف صديقه على المدواخ من زملاء له في المدرسة. أخبروه عن تلك الدّوخة السّريعة الّتي يُحدثها، و «الرّاس» الجميل الّذي يقوم به. تحمّس لتجربة ما هو جديد. لم يكترث لسنواته الـ16. واسى نفسه بأنّ الأمر لن يختلف عن السّجائر الّتي اعتاد تدخينها. «دوخة صغيرة ما رح تأثّر»، قال سامي. وبالفعل، حمل الشّابّ عشرين ألف ليرةٍ، وتوجّه إلى «عمّو أبو دخان» في الحمرا. بمبلغ الخمسة عشر ألف ليرة اشترى المدواخ، وبالخمسة آلاف المتبقّية اشترى الدّوخة.
بالنسبة إليه، أصبح الأمر عادةً شبه يوميّة. يُنهي الشّاب دوامه المدرسيّ. يجتمع مع رفاقه. بعضهم يتوجّه نحو مقهًى قريبٍ من البائع، والبعض الآخر يهرع إلى البسطة الصّغيرة. يُزوّد نفسه بالبضاعة المناسبة، من دخانٍ أو دوخة، ليلحق بركب الآخرين.
.. وتبدأ «قعدة» ما بعد الدّوام.

ما هو المدواخ والدّوخة؟
الدّوخة ليست سوى نوعٍ من أنواع التّبغ اختلفت الرّوايات حول مصدره. وعلى الرّغم من الاختلاف، ترجّح أغلب الرّوايات نظريّة ولادته في عُمان قبل انتشاره في الإمارات العربية المتحدة. وبعضهم ذهب إلى الحديث عن دخوله إلى الشّرق خلال الحقبة العثمانيّة. يوضع التّبغ في علبةٍ تُطلق عليها تسمية «المضرب». أمّا المدواخ فهو الأداة الّتي يوضع فيها التّبغ، والّتي تُستخدم لحرقه. والمدواخ يُشبه الغليون لكنّه أصغر حجماً. و»لتخفيف» ضرر الدّخان وتصفيته، تأتي مع العلبتين مجموعة من الفلاتر.
اسم الدّوخة نابعٌ من الحالة الّتي يُحدثها لدى مدخّنيه. بسبب إدخال كمّيّات كبيرةٍ من الدّخان والنّيكوتين دفعةً واحدة إلى الدم، يشعر المدخّن بـ «فتلة رأس» سرعان ما تزول. بناءً عليه، لا يختلف ضرر «التّبغ الخليجي» عن ضرر باقي أنواع التّبغ.
لا يدخل المدواخ ضمن فئة المخدّرات. هو ليس ممنوعاً. هو مجرّد نوعٍ من أنواع التّبغ. أضراره ناجمةٌ عن «كثافة جرعاته». بمعنىً آخر، «الشّفطة» الواحدة تُعادل تدخين نصف سيجارة. وما إذا أراد الشّخص تكرار «الشّفطات»، أو «تطويل القعدة»، سيُعادل ذلك تدخينه حوالي علبة سجائر خلال نصف ساعة. هنا تكمن الخطورة.
لعالم المدواخ شركاتٌ عديدةٌ تهتمّ به وبتسويقه. على الرّغم من أنّه ليس حديث العهد على الإطلاق في البلدان الخليجيّة، إلّا أنّ عالم التّسويق يسعى دوماً إلى تحديثه وتلميعه لجعله ملائماً أكثرَ لعالم الشّباب. المهمّة الأزليّة لشركات التّسويق والاستهلاك. شركة «سكوربيون» إحدى أكبر تلك الشّركات. لها عشرات المراكز: في الإمارات، في السّعوديّة، في الكويت، في البحرين، وأيضاً في أميركا. للمدواخ عددٌ كبيرٌ من الشّركات الّذي تهتمّ به كذلك منها «دوخة يوسف رضا»، وغيرها.

زبائن الـ (18)
ليس المدواخ صديق سامي وحده. العدوى مُنتشرة «عالهدا» في عددٍ من مدارس رأس بيروت. قد يكون الأمر بالنّسبة للمدخّنين «مجرّد تبغ»، إلا أنّ المسألة لمن لم يتخطَّ الثّمانية عشر عاماً أخطر من ذلك. شبّانٌ لم يتعدّوا السّنّ القانونيّة يبحثون عن بدائل. عن شيءٍ لا يترك أثراً على الثّياب. «خفيف، نظيف». يدّخرون شيئاً من مصروفهم. قد يكون متوفّراً لهم أصلاً في أحيان كثيرة. وينطلقون نحو «العالم الدّخاني».
يؤكّد دكتور الصّحّة العامّة زهير برّو خطورة ذاك العالم بالنسبة للشّباب. «قبل سنّ العشرين عاماً وحتّى الخامسة والعشرين تكون خلايا الرّئتين لدى الشّاب لمّا تكتمل بعد»، داعياً المدارس إلى ضرورة «التّصدّي لمسألة التّدخين، سواء المدواخ أو التّبغ المُتداول».
يعتبر، لـ «السّفير»، أنّ «المدواخ» هو «وسيلة لجذب الأطفال نحو التّدخين، فهو وسيلة مُغرية وفيها جاذبيّة»، مشيراً إلى أنّه «وعبر المدواخ يتمّ تدريب الطّفل على التّبغ، فيصبح من الصّعب تركه عندما يتقدّم في العمر».
يُعرّي برّو حقيقة الحديث عن نظافة الدّوخة بالقول: «لا يوجد شيء اسمه تبغ نظيف وآخر غير نظيف، التّبغ تبغ»، موضحاً أنّ هذا ما تسعى إليه شركات التّبغ.

قانون على مين؟
في المسألة خروقاتٌ واضحة لا لبس فيها: أوّلاً، تدخين في الأماكن العامّة. ثانياً: شبه غياب للرّقابة على المحال والأكشاك المتخصّصة ببيع التّبغ. ثالثاً: أصحاب محال يبيعون شباباً تحت السّنّ القانونيّة الدّخان. رابعاً: عدم التزام أصحاب تلك المحال بالقانون الّذي يُجبرهم على طلب بطاقات الهويّة للشّباب عند بيعهم التّبغ. والأمر نفسه ينطبق على بيع النّرجيلة والكحول. خامساً، والأهمّ: انشغال الحكومة اللّبنانيّة عن اتّخاذ القرارات والمُتابعات الحاسمة المتعلّقة بصحّة المواطن.
الخطير في المسألة أنه لا يوجد شيء يتعلّق حصراً بالقاصرين. لا قوانين ولا إجراءات. يقتصر الأمر على مسألتين: حملات التّوعية، وبطاقات الهويّة. الأولى تتعاون فيها وزارة الصّحّة مع الجمعيّات الأهليّة والمدارس. والثّانية، تتعرّض إلى حملة انتهاكاتٍ خطيرة، وهي تُطبّق في أماكن محصورة جدّاً.
الغرامة الّتي تبدأ من 135 ألف ليرة، على سبيل المثال، والّتي يدفعها المدخّن في الأماكن العامّة، لا ترتفع في حال كان المدخّن تحت السّنّ القانونيّة. الأمر نفسه ينطبق على المؤسّسة. قانونياًّ، لا تُغرّم المؤسّسة، مطعماً أو مقهًى على سبيل المثال، بأكثر من مليون ونصف المليون ليرة في حال باعت الدّخان إلى القاصرين. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ القانون يبيح للقاضي زيادة الغرامة بناءً على اجتهاده الخاصّ.
يعتبر رئيس مصلحة الدّيوان بوزارة الصحة فادي سنان أنّ «التّدخين أكثر الأمور الّتي تقتل اللّبنانيّين». يستشهد بالأرقام: أربعة آلاف شخصٍ يموتون سنويّاً بسبب التّدخين، متابعاً: «في حرب تمّوز 2006 استشهد أقلّ من هذا الرّقم».
يعزو، في حديثٍ لـ «السّفير»، التّقصير والتّهاون اللّذين يطالان كافّة القوانين المتعلّقة بالتّدخين، وخصوصاً ما يتعلّق بحماية القاصرين، إلى غياب القرار الحكوميّ بالتّصميم على تطبيق القانون، مبرّراً ذلك بـ «الظّروف الّتي تمرّ فيها البلاد».
يتسلّح سنان في حماية القاصرين من التّدخين بالقانون. «ممنوع بيع الدّخان للقاصرين»، يشرح سنان، موضحاً أنّ ذلك من واجبات وزارة الاقتصاد الّتي تقع عليها مسؤوليّة مراقبة المحال والأكشاك الّتي تُخالف هذا القانون.
بعد آخر شفطة، عاد «رأس» سامي إلى طبيعته. وضع مدواخه والدّوخة في علبةٍ خاصّة. خبّأها داخل المحفظة. ابتسم لفكرة أن لا دخانَ يعلق على ملابسه، وأنّ أهله لن يكتشفوا شيئاً. ذاك أقصى ما عناه. لم يكترث لفكرة وضعه على «لائحة المدخّنين»، ولا لطرده من المدرسة. «عيطة بتفوت وما حدا بموت»..