Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر September 25, 2016
A A A
الخلل الفكري والاستراتيجي لتنظيم «القاعدة»
الكاتب: ناجح ابراهيم - الحياة

مرّت الذكرى الخامسة عشرة لهجمات 11 أيلول التي نفّذها تنظيم «القاعدة»، وهو من أكثر التنظيمات إثارة للجدل ومخالفة لمبادئ الشريعة، سواء من ناحية الفكر أو النظرية أو من زاوية التطبيق، فـ «القاعدة» ابتدع في الإسلام بدعاً غير مسبوقة مثل فتوى القتل بالجنسية أو القتل بالديانة أو تبنّي المواطن المسؤولية عن سياسة دولته، بل محاسبته على سياسة لم يصنعها ولم يشارك فيها. والحجّة الباطلة التي استند إليها في ذلك، أن هذا المواطن يدفع الضرائب للدولة.

ومشكلة «القاعدة» تكمن في فكره قبل تفجيراته، فهذا الفكر كان بداية لتكوين «داعش» وسيكون بداية لمصائب أخرى، ولو تم تفكيك هذا الفكر لدى الشباب وبيان عواره، فسنكون قطعنا معظم الطريق للقضاء على الإرهاب.

«القاعدة» يكفّر جميع حكام المسلمين بلا استثناء ومعاونيهم كافة، فضلاً عن تكفيره الشرطة والجيش وأجهزة الاستخبارات بأنواعها المختلفة في كل بلاد المسلمين وأعضاء البرلمان والنيابة والقضاء، وتعد دائرة التكفير في فكر «القاعدة» من كبرى الدوائر في كل الحركات الإسلامية على الإطلاق حتى المتشدّدة منها، ومن أهم الأخطاء الشرعية التي وقع فيها «القاعدة» ونفّر منه معظم علماء ودعاة وعوام المسلمين هو تكرار استهدافه المدنيين بالقتل، بل إن معظم عمليات «القاعدة» كان يستهدف المدنيين حتى في بلاد المسلمين، فقتل فيها المئات من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال.

أما عن تبني فتوى القتل بالجنسية، فلقد حارب المسلمون أعداءهم قروناً طويلة، لكن لم تصدر عن أحد من علماء المسلمين قديماً أو حديثاً فتوى تبيح قتل كل من ينتمي الى جنسية أو ديانة أو عرق معين، لكن «القاعدة» خرق الفقه الإسلامي خرقاً غير مسبوق حينما أصدر فتوى بقتل كل أميركي، ويهودي. وهي فتوى باطلة من أساسها ولا تستند إلى أي دليل شرعي، ولقد كان القرآن عظيماً حين أشار إلى أهل الكتاب بقوله تعالى: «ليسوا سواءً»، وهي حكمة قرآنية عظيمة نكررها على مسامع قادة «القاعدة» والمقتنعين بفكرهم، كما أن القرآن لم يعمّم الأحكام أبداً مع أهل الكتاب. ولا ينبغي أن يجعلنا الطغيان الأميركي أو الإسرائيلي في المنطقة نحيد عن أحكام الشرع الحنيف.

ومن الأخطاء الشرعية الفادحة لـ «القاعدة»، تبنّي فتوى مسؤولية المواطن عن سياسة دولته، وهو حكم استحدثه «القاعدة» لم يقل به أحد من علماء المسلمين، فقد نسي «القاعدة» أن الشعوب تمكس (تبطن المعارضة) للحكومات منذ قديم الأزل، ولقد ورد عن عمر بن الخطاب القول: «اتقوا الله في الفلاحين الذين لا يناصبونكم الحرب».

كما أن هذا الرأي الغريب والعجيب لـ «القاعدة» يهدم إجماع العلماء والفقهاء والصحابة والتابعين، على حرمة قتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان والفلاحين والصناع، أي المدنيين عموماً، ثم مـن قـال إن المواطن في أي دولة مسؤول عن سياسة دولته؟

أما أهم الأخطاء الاستراتيجية لـ «القاعدة»، فيتمثل في تبنيه نظرية «الهدف المستحيل»، فهو يضع لنفسه أهدافاً شبه مستحيلة وأكبر بكثير من قدراته وطاقاته، من دون أن تكون لديه أية أدوات لتحقيق هذه الأهداف، ولذلك لم يحقّق التنظيم أي هدف منها، بل إن كل ما قصده من أهداف حدث في الواقع عكسه، إذ كان يهدف من وراء أحداث 11 أيلول إلى ضبط سياسات أميركا في الشرق الأوسط، وما حدث كان العكس تماماً، إذ دخلت أميركا بجيوشها إلى المنطقة واحتلّت أفغانستان والعراق.

وحارب «القاعدة» الهند في كشمير فثبّت أقدامه فيها، واستهدف السعودية في تفجيرات الرياض وغيرها، والجزائر، واليمن والأردن وموريتانيا، لتغيير الأنظمة الحاكمة في هذه البلاد، ولم يحدث ذلك بل حدث العكس، فقد اكتسبت هذه الأنظمة كلها دعماً دولياً وإقليمياً وشعبياً قوياً في مواجهة «القاعدة».

وحارب «القاعدة» باكستان لوقف دعمها القوات الأميركية في أفغانستان، فحدث العكس، إذ بات مجالها الجوي مفتوحاً للطائرات الأميركية من دون طيار لضرب قادة «القاعدة» في مخابئهم، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر.

كما تبنى «القاعدة» نظرية غريبة الأطوار يُمكن تسميتها نظرية «تجبيه الأعداء وحشدهم» ليس ضده فحسب، لكن ضد الحركات الإسلامية كلها، فكل دولة في حالة حرب تحاول تفريق شمل أعدائها ومنع حشدهم ضدها، لكن «القاعدة» فعل العكس، إذ إنه قام وفي شكل غير مسبوق بتجميع أعدائه وحشدهم ضده، بل وضد كل الحركات الإسلامية، فقد حشدت أميركا والغرب كله ضده بعد أحداث 11 أيلول وتفجيرات لندن ومدريد، وحشدت الدول العربية ضده بعد قيامه بتفجيرات في معظم الدول العربية، وحشدت روسيا ضده بعد تدخله في الشيشان وداغستان وتفجيرات موسكو.

وتعامل «القاعدة» دوماً كأنه نائب عن الأمة المسلمة، فهو يفرض على الأمة حروباً لم تُرِدها ولم تستعد لها ولا ترغبها، فقد عاش «القاعدة» في دولة أفغانستان التي كانت تقودها «طالبان»، وعلى رغم أنه بايع الملا عمر على الطاعة، فإنه تصرف نيابة عن الشعب الأفغاني والحكومة الأفغانية وهو على أرضها، وقام بضرب أميركا ضربات عدة كان آخرها 11 أيلول، ولم يستشر الشعب الأفغاني ولا حكّامه، ولا أي أحد، على رغم تحذير الملا عمر لـ «القاعدة» من ذلك. والنهج نفسه تكرر في اليمن، فقد وضع نفسه نائباً عن الشعب اليمني والحكومة اليمنية ليتحالف مع آخرين لتغيير مجمل الأوضاع في اليمن والقيام بتفجيرات كثيرة هناك ضد الجيش أو الشرطة أو غيرهما.

ونصّب «القاعدة» نفسه نائباً حتى عن الشعب الفلسطيني ليهاجم السلطة الوطنية تارة ويهاجم «حماس» تارة أخرى، وينكر على الأخيرة دخولها الانتخابات ويرسم لها الطريق الصحيح لتحرير فلسطين، من دون أن يطلق هو طلقة واحدة لتحريرها.
وهذا الداء لا أظن أن «القاعدة» سيتخلّص منه سريعاً، بعد أن ذاق حلاوة هـذا التفويض الوهمي.

ومن يتأمل استراتيجية «القاعدة» التي انتهجها منذ بدايته وحتى اليوم، يجد أنه يعتمد «الجمود» منهاجاً، فطريقه الوحيد استخدام القوة والتفجيرات، وهذا طريق لا ينتهي السير فيه إلا ببذل آخر قطرة دماء لأنصاره، فالتنظيم لا يتمتع بأي مرونة في الأساليب والآليات، ولم يسمح لنفسه يوماً بالنظر في مآلات أفعاله، أو ترتيب أولوياته، أو المواءمة بين قدراته الحقيقية أو طموحاته، أو النظر في فاعليـة استراتيجيته.

ونسي «القاعدة» أن الرسول حارب تارة، وصالح ووادع تارة، ودعا تارة، وصبر على الأذى أخرى، وتحالف مع قبائل مشركة مرة، وتحالف مع يهود المدينة في البداية حلفاً أشبه مثال له في القانون الدولي بـ «معاهدة دفاع مشترك»عن المدينة.
***

* قيادي سابق في «الجماعة الإسلامية» في مصر