Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر October 12, 2019
A A A
الخلافات السياسية تعبث بالأمن الإجتماعي وحالة من الهلع تُصيب المواطنين
الكاتب: بروفسور جاسم عجاقة - الديار

لم يكن يكفي المواطن اللبناني إلا الإعلان الذي أصدرته نقابة أصحاب محطات وموزّعي المحروقات بتوقّفها عن بيع المحروقات بإنتظار صدور قرار خطّي عن «الجهات المختصة الرسمية» بإلزامية بيعهم المحروقات بالليرة اللبنانية. وفي حين إصطفّت طوابير السيارات لملء الخزّانات بالوقود خوفا من إنقطاعها، إمتنعت العديد من المحطات من تلبية طلبات الزبائن مع يافطة كبيرة مكتوب عليها «نعتذر من الشعب اللبناني بسبب عدم توفر الدولار لشراء المحروقات نقفل محطتنا قصرًا لحين توفر البضاعة بالليرة اللبنانية».

مُشكلة محطّات وموزّعي المحروقات هي مُشكلة شرائهم المحروقات بالدوّلار الأميركي وبيعها بالليرة اللبنانية، مما يُشكّل خسائر بحسب تصريح النقابة. وعلى الرغم من تعميم مصرف لبنان الذي صدر منذ أكثر من إسبوع والذي تعهّد من خلاله تأمين الدوّلارات إلى الشركات المُستوّردة للمحروقات لشراء البضائع، إلا أن هذه الشركات ما زالت تبيع المحروقات بالدولار الأميركي للمحطّات وموزّعي المحروقات.

تأمين الدولارات لإستيراد البضائع والسلع لا تدخل ضمن نطاق المصارف المركزية، وعلى الرغم من ذلك، قام مصرف لبنان بإصدار القرار الوسيط رقم 13113 تاريخ 30/9/2019 والذي دخل حيز التنفيذ إبتداء من أول شهر تشرين الأول الحالي. وهذا القرار هو تعديل للقرار الأساسي رقم 7144 تاريخ 28/10/1998 الذي يطال تكوين الهوامش النقدية الخاصة بالإعتمادات المُستندية وكيفية كتابتها الحسابة كما ورفع التقارير إلى مصرف لبنان.

يحوي هذا القرار على آلية تأمين الدولارات من قبل مصرف لبنان بهدف شراء المحروقات، القمح والأدوية بالإضافة إلى الشروط الواجب إعتمادها من قبل المصارف في فتح الإعتمادات لشراء المحروقات، القمح والأدوية.

وتنصّ هذه الآلية على فتح «إعتمادات مُستندية» وهي إعتمادات تُستخدم في التجارة العالمية في كل الدوّل. وبالتفاصيل، يتمّ فتح حساب لكل عملية موضوع الإعتمادات المُستندية في مصرف لبنان (من قبل المصرف التجاري) وبالتالي يؤمّن مصرف لبنان قيمة هذه الإعتمادات بالدولار الأميركي شرط أن تتقيّد المصارف بعدد من الشروط، نذكر منها:

أولا: أن تقدم الى مصرف لبنان نسخة عن المستندات المتعلقة بكل اعتماد مستندي.

ثانيا: أن تودع في كل حساب خاص ولكل اعتماد مستندي على حدة، بتاريخ فتح الاعتماد على الاقل، 15% من قيمة الاعتماد المستندي المطلوب بالدولار الاميركي، و100% من قيمة الاعتماد المستندي المطلوب بالليرة اللبنانية.

ثالثا: أن تتأكد على كامل مسؤوليتها من ان الاعتمادات المستندية المشمولة في هذه المادة مخصصة حصرًا لتغطية استيراد المحروقات، القمح والأدوية

الشركات المُستوردة للمحروقات أثارت تحفّظها على الآلية خصوصًا فيما يتعلّق بوضع 100% من قيمة الإعتماد بالليرة اللبنانية قبل تاريخ العملية نظرًا إلى أن هذه الشركات تُفضّل الطريقة التي كانت تعتمدها سابقا وهي شراء الدولارات مباشرة ودفعها إلى المورّد. إلا أن هذا الأمر لم يعد مقبولا خصوصا أن لا إثبات على وجهة إستخدام الدولارات من هنا أهمّية إعتماد القنوات المصرفية بهدف تحديد وجهة الإستخدام.

بالإضافة تحفّظت الشركات على حجز المبلغ بالليرة اللبنانية وتُريدّ أن يكون التحويل فوّرياً. لكن هذا الأمر هو أمر غير مقبول نظرا إلى وجود المبلغ بيد الشركات يعني تلقائيا إحتمال المضاربة على الليرة اللبنانية وهو أمر لن يقبل به مصرف لبنان!

من هذا المُنطلق، ترفض الشركات المُستوردة التسعير بالليرة اللبنانية وتستمر ببيع المحروقات بالدولار الأميركي إلى المحطات وموزّعي المحروقات، مما دفع هؤلاء إلى التوقّف عن تسليم المحروقات إلى المواطنين.

هذا الوضع فرض تحرّكًا من قبل المسؤولين وعلى رأسهم الرئيس الحريري الذي التقى البارحة في السراي وفداً من الشركات وتمّ بحث الموضوع، ما ادى الى ايجاد حل لاضراب محطات الوقود وبالتالي رفع الاضراب.

في الوقت نفسه، تعلو صرخة أصحاب الأفران الذين يُعانون من نفس المُشكلة التي يُعاني منها أصحاب المحطات وموزّعي المحروقات. وقد إنتشر على مواقع التواصل الإجتماعي أن الأفران ستُعلن الإضراب نهار الإثنين المُقبلّ، إلا أن أخبارا مُضادّة إنتشرت أيضًا سريعًا على مواقع التواصل الإجتماعي تُكذّب خبر الإضراب.

على كل الشائعات إجتاحت مواقع التواصل الإجتماعي وخلقت ذعرا كبيراً بين المواطنين في فترة بعد ظهر أمس الجمّعة. وبالبحث عن أسباب إقتصادية ومالية ونقدية، لم تستطع إيجاد سبب واحد لكل هذه المشاكل التي ظهرت في نفس الوقت. بالطبع هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن لا مشاكل إقتصادية ومالية في لبنان، فالكل يعرف مدى سوء الوضع الإقتصادي والمالي الناتج عن غياب السياسات الإقتصادية والفساد المُستشري.

وبالتالي نعتقد أن الملفات التي يتمّ بحثها حاليًا (موازنة، إصلاحات، عقوبات، النازحون السوريون) هي السبب الأساسي لكل هذه الشائعات التي أصبحت تعبث بالأمن الإجتماعي للمواطن اللبناني.

الموازنة والإصلاحات

مشروع موازنة العام 2020 الذي تقدّم به وزير المال علي حسن خليل أصبح بُحكم المُقرّ مع بعض التعديلات بالأرقام (مثل إعتماد الكهرباء الذي إرتفع من 1500 إلى 1800 مليار ليرة لبنانية، وخفض نفقات المحروقات في بعض المؤسسات كما وبنود الأثاث والمفروشات). هذا المشروع الذي يحوي على بعض الخطوات الإصلاحية مثل إخضاع موازنات بعض المؤسسات لمصادقة وزارة المال، من المتوقّع إقراره نهار الإنثين المُقبل في الجلسة المسائية بحسب الوزير علي حسن خليل.

إلا أن مصير الإصلاحات التي ما زالت في طور النقاشات، ما زال عالقًا وليس من المعروف إذا ما كان سيتمّ وضع هذه الإصلاحات في الموازنة أو ستكون في مشاريع قوانين منفصلة. في كلا الحالتين، ترفض بعض القوى السياسية المصادقة على الموازنة من دون إرفاق الإصلاحات معها، وهذا ما صرّحت به القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ.

الإصلاحات التي تمّ التقدّم فيها هي مشروع قانون ضمان الشيخوخة، مشروع قانون الجمارك، مشروع القانون الضريبي، ومشروع قانون الشراء. وهي مشاريع قوانين تمّ الإتفاق على معظم نقاطها بحسب وزير الإعلام جمال الجرّاح الذي قال أيضًا أنه تمّ أخذ القرار بوضع آلات مسح على المعابر الجمركية بهدف منع التهريب.

ومن المُتوقّع أن تعقد لجنة الطوارىء التي يرأسها الحريري جلسة الإثنين تسبق جلسة مجلس الوزراء، وسيتمّ بحث النظام التقاعدي والحسومات عليه مما يعني أنه وفي حال تمّ إقرار هذه الإقتراحات، سيكون على وزارة المال إعادة إحتساب الأرقام في الموازنة من جديد وهو ما قدّ يؤخّرها يوم أو يومين.

على كل الأحوال، من الواضح أن القوى السياسية واجهت صعوبات في التوافق على الإصلاحات، وإلا لكانت أقرّتها منذ فترة خصوصًا أن ورقة بعبدا المالية الإقتصادية، أقرّت منذ أكثر من شهر! هذا الأمر إستبقه الرئيس نبيه برّي الذي توافق مع رئيس الجمّهورية ميشال عون على دعوة لجنة الطوارىء برئاسة الحريري في حال لم تُرسل الحكومة مشروع موازنة العام 2020، الأسبوع المُقبل.

هذا الضغط الذي وضعه الرئيس برّي على اللجنة أعطى مفعوله حيث خرجّت اللجنة البارحة بتوافق على عدد من الإصلاحات التي سيتمّ ضمّها إلى مشـروع موازنة العام 2020.