Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر November 17, 2022
A A A
الخطة الحكومية تتجاهل الفئات الأكثر تضرّراً من الأزمة
الكاتب: خالد أبو شقرا - نداء الوطن

 

مرّت “خطة التعافي الإقتصادي” لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي سريعاً على الشأن الاجتماعي. التدهور الشامل للأحوال المعيشية لأكثرية الشرائح لم يستأهل أكثر من صفحتين في الخطة الواقعة في 32 صفحة. ليس في الأمر جهل للواقع، إنما وعي كامل لتسخيف المشكلة وحصرها بفئات قليلة، لمعالجتها مستقبلاً بـ”مسكّنات” المساعدات الخفيفة. فأتت الخطة فاضحة إجتماعياً، بعدما ضُربت إقتصادياً من بيت أبيها. ولم يتجرأ واضعوها لغاية اللحظة على تحديد موعد لمناقشتها في مجلس النواب، على الرغم من إقرارها في أيار 2022، وتعديلها مرة جديدة في أوائل أيلول الفائت.

 

 

بعيداً عن أرقام الفجوة الساحقة، والليلرة الفاضحة والتعويضات الناقصة، إتفق المجتمعون في “الورشة التشاركية عن التكامل بين السياسات الاجتماعية والاقتصادية وبرامج الاصلاح المنشودة”، التي عُقدت في “المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي”، بدعوة من شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، على استحالة نجاح أي خطة لا تولي البعد الاجتماعي الأهمية المطلوبة. فـ”خطة الحكومة لا تعبر عن سياسة إجتماعية بقدر ما هي مجموعة من التدابير السريعة المنوي اتخاذها”، بحسب المدير التنفيذي للشبكة زياد عبد الصمد، “ذلك على الرغم من الانفاق الاجتماعي الرسمي الكبير نسبياً إنما المجتزأ، ووجود خطة واضحة يتم تداولها من المبادرات المجتمعية وبدعم من المنظمات الدولية، تعتمد مقاربة مختلفة نوعياً في إطار معالجة التحديات الاجتماعية. ما يحتم الحاجة إلى اعتماد الاستراتيجية الوطنية التي تنطلق من المقاربة الحقوقية، اي الحق بالحماية الاجتماعية. والتي تعالج 3 محاور أساسية هي: الاستجابة السريعة للاحتياجات المتزايدة. المساواة بين المواطنين. تأمين العدالة في الفرص.

إفقار شامل

مشكلة السياسة الاجتماعية في خطة التعافي الحكومية في نسختها الأخيرة، المدرجة تحت عنوان “ملفات الحكومة اللبنانية في سياسات الاصلاح المالي والاقتصادي” تاريخ 9 أيلول 2022، أنها تعالج الأزمة الاجتماعية من زاوية الفقر. وهذا ما لا ينطبق اليوم على الواقع ولم يكن ينطبق في السابق”، بحسب الخبير في التنمية أديب نعمه. فـ”نسبة الفقر في لبنان كانت في العام 1998 تقدر بـ 35 في المئة. وبعد 3 سنوات على انفجار الأزمة في العام 2019 لم يعد يجوز الحديث عن فئة فقيرة تحتاج إلى المساعدة إنما عن تدهور في الاحوال المعيشية للمواطنين اللبنانيين وإفقار شامل”.

يظهر بحسب الأرقام بوضوح أن نسبة الأسر التي تتقاضى دخلاً يقل عن 600 دولار أميركي ارتفعت من 18 في المئة في العام 2019 إلى 84 في المئة في العام 2022. ويبين الجدول المرفق أدناه أن 3 في المئة فقط من العائلات يزيد دخلها الشهري عن 600 دولار. (رسم رقم 1)

%62 عمالة غير نظامية

من المؤشرات الخطيرة التي سجلها لبنان في العام 2022 بالمقارنة مع العام 2019 استناداً إلى الاحصاء المركزي، هي:

– إنخفاض نسبة السكان المؤمّنين صحياً من 55 في المئة إلى 49 في المئة.

– تراجع نسبة التأمين الصحي الخاص من 22 في المئة إلى 14 في المئة (طبقات وسطى).

– تراجع معدل النشاط الاقتصادي من 49 في المئة إلى 43 في المئة.

– إرتفاع معدل البطالة من 11.4 في المئة إلى 30 في المئة (بحسب الترعيف الضيق) وارتفاع البطالة الجزئية في أوساط الشباب من 29 في المئة إلى 64 في المئة.

– إرتفاع نسبة العمل غير النظامي من 55 في المئة من القوى العاملة إلى 62 في المئة، وتراجع نسبة العاملين النظاميين في القطاع النظامي من 45 في المئة إلى 35 في المئة.

– إرتفاع نسبة الاعتماد على المساعدات الحكومية من 5 في المئة إلى 11 في المئة.

– إرتفاع نسبة الأسر التي تتلقى تحويلات من أفرادها المسافرين من 10 في المئة إلى 15 في المئة.

المعالجات الإجتماعية أولاً

كل هذه المؤشرات السلبية تعتبر بحسب نعمه “عملية إفقار شامل، مقابل وجود قلة قليلة لم تستطع المحافظة على وضعها السابق فحسب، إنما استفادت وزادت ثرواتها”. ولهذا الامر تبعات معاكسة تماماً للتركيز الاحادي الجانب في المعالجات الذي يرتكز على سياسات الحماية الاجتماعية ومكافحة فقر نحو 17 في المئة من السكان. من هنا يرى نعمه “ضرورة إعادة الاعتبار للمكون الاجتماعي للتنمية والسياسات الاجتماعية بمعناها العام، وفي صميمها الحماية الاجتماعية. وعلى المعالجات أن تبدأ بالبعد الاجتماعي، ومن بعده الاقتصادي ومن ثم السياسي. وهذا هو المسار الطبيعي الذي يجب أن تكتب على أساسه خطة التعافي، وهو المسار المنسجم مع توقيع لبنان على أهداف الالفية للتنمية المستدامة، التي تركز على تحقيق التنمية بمفهومها الاقتصادي والاجتماعي الشامل.

في الوقت الذي تركز فيه خطة التعافي للدولة على برنامج ESSN أي “مشروع شبكة الأمان الاجتماعي المخصص لـ 147 ألف عائلة بكلفة 246 مليون دولار، فان البديل برأي نعمة يتمثل في الانتقال إلى نموذج بديل شامل يمكن تنفيذه في لبنان. وقد جرى وضعه بالتعاون بين منظمة العمل الدولية ILO واليونيسف UNICEF. (رسم رقم 2) هذا بالاضافة إلى انه لا معنى لأي إجراء إجتماعي ما لم يجرَ ضبط الانهيار النقدي وتدهور سعر الصرف مع القدرة على تأمين الخدمات العامة للمواطنين وفي مقدمها الكهرباء والنقل العام.

الخطة والضرائب

ضرب المضمون الاجتماعي يظهر بوضوح في السياسة الضريبية المنوي اتباعها. حيث سترتفع الضرائب غير المباشرة بمقدار تسعة أضعاف بين العامين 2021 و2026، بمالمقارنة مع زيادة بأقل من 4 أضعاف للضرائب المباشرة للفترة نفسها (رسم رقم 3).

في الوقت الذي سيُعمل فيه على زيادة نسبة الضريبة على القيمة المضافة من 11 إلى 15 في المئة ستبقى ضريبة الشركات عند حدود 17 في المئة. وهذا ما يمثل انحيازاً اقتصادياً بحسب نعمة. لان هدفهم ليس زيادة رفاهية المواطنين، إنما مراعاة بعض المصالح الخاصة”.

خطة مفككة

اللقاء الحواري التشاركي ضم مجموعة من الخبراء وواضعي السياسات، كان قد افتتحه رئيس المجلس شارل عربيد باعلانه عن تبلغ المجلس الخطة من دون المشاركة بوضعها. مع العلم أن استطلاع رأي المجلس أصبح الزامياً بكل ما يتعلق بالخطط والرؤى ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. أما في ما يتعلق بالخطة فهي أقرب للمفاهيم منها إلى خطة متكاملة. واللافت في رأي عربيد أن أرقام الخطة هي عبارة عن إسقاطات تطرح أسئلة أكثر مما تقدم أجوبة وتحديداً في الشق المالي والنقدي. وهي اعجز عن إعادة تفعيل الاقتصاد وإطلاق عجلتي النمو والتنمية، خصوصا مع عدم أخذها بالاعتبار التغيرات المجتمعية التي حصلت مع بدء الأزمة. وعليه على الخطة أن تكون أكثر شمولاً وأكثر تشاركية منبثقة من القاعدة التي تضم كل أصحاب المصلحة.

لا شبيه لإهمال الحكومة في خطة التعافي وسياسات معالجة الفقر إلا دفن النعامة رأسها في الرمال. وكما لن تختفي النعامة، ستبقى المشاكل الاجتماعية وفي مقدمها الفقر علة المجتمع وسبباً لعدم ازدهاره و تعافيه مهما زينت الارقام والمؤشرات الاقتصادية بالايجابية.