Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر May 5, 2020
A A A
الخطة الإصلاحية: نقاش في الموضوع الضريبي والقطاعات المنتجة
الكاتب: محمد الجوزو - الجمهورية

كثيفة وغنية مجموعة الأفكار والنيات التي أعدّتها الحكومة، لكن مجموع هذه «الفرضيات» لم يرتق إلى مستوى الخطة الإصلاحية الشاملة، لأنّ الخطة الشاملة، والتي كان ينتظرها اللبنانيون، من المفترض أن تعالج أسباب ما وصلنا إليه لا نتائجه فحسب.

ما يُطرح اليوم، ليست الخطة الأولى لحكومات ما بعد «اتفاق الطائف»، فقد سبقتها برامج وخطط عدة من خطة «آفاق 2000» التي وضعها مجلس الإنماء والإعمار عام 1993، إلى دراسة شركة «بكتل» الأميركية (93 ـ 94) والتي قدرت كلفة تأهيل البنى التحتية بنحو 3,5 مليارات دولار أميركي إلى برامج باريس الثلاثية وخطة النهوض الاقتصادي للرئيس الشهيد رفيق الحريري، إلى الخطة التي وضعت عام 1998 (حكومة الرئيس سليم الحص)، وبرامج وخطط ودراسات «ماكينزي» ومؤتمر «سيدر» التي وضعت بإشراف حكومات الرئيس سعد الحريري وتوجيهها.

لم نلحظ في «خطة الحكومة الإصلاحية» رؤية شاملة للإقتصاد اللبناني وبالتالي لبنيته المالية والمصرفية، بل بَنت الإفتراض والتوقعات الخارجة عن المسار الواقعي للتطورات الاقتصادية في العالم، قبل جائحة كورونا وبعدها.

لقد وصّفت «الخطة» الأزمة الاقتصادية «غير المسبوقة» التي يشهدها لبنان توصيفاً دقيقاً، وقدمت سلّة تعهدات والتزامات لصندوق النقد الدولي في اعتباره الملجأ الأخير وفقاً للحكومة وخطتها.

دستوريّاً، تحتاج بعض هذه الإلتزامات إلى نقاش وحوار مع قوى الإنتاج وسائر منظمات المجتمع الأهلي. وعليه، فإنّ «الخطة» تحتاج إلى إجماع وطني يوفّر المناخ الشعبي لتَقبّل بعض الإجراءات المؤلمة، رغم الحديث عن صندوق مواز يعوّض على العائلات الأكثر فقراً عن بعض خسائر التضخّم والبطالة، وكذلك بعض موظفي القطاع العام!

نقطتان أساسيتان في سياق الحوار الوطني ـ الاقتصادي الذي من المفترض أن يواكب إقرار الخطة وتنفيذها يجب الاضاءة عليهما: الأولى ما يتصل بالموضوع الضريبي، والثانية يرتبط بالتوجه لدعم القطاعات المنتجة.

ـ في الموضوع الضريبي:

تحت عنوان «تدابير تعزيز الايرادات» توقعت «الخطة» أن تحقق الواردات ما يصل إلى 3.6 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي بحلول سنة 2024.

وجاء فيها أنه في السنوات الأولى من تنفيذ خطة تصحيح أوضاع المالية العامة، ستركز الحكومة على توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين معدل الإمتثال، وعدّدت بعض الاجراءات التنفيذية منها: تحسين الإجراءات عند المعابر الشرعية، إغلاق المعابر غير الشرعية، مكافحة التهريب عبر تعزيز الرقابة من خلال نشر العسكريين، اعتماد المساحات الضوئية والبيانات الالكترونية للسلع المستوردة، تحسين مستوى تحصيل الضريبة على القيمة المضافة، زيادة الضريبة المقطوعة على الشركات القابضة وشركات الأوفشور، إحداث أدوات ضريبية بيئية جديدة لخَلق حوافز جديدة ومعاقبة الملوّثين، إلغاء بعض الإعفاءات الضريبية الأخرى.

وأشارت «الخطة» إلى أنّ الحكومة ستعمل على زيادة التدقيق الضريبي وتعزيز تحصيل الديون الضريبية ومقاضاة المتخلّفين عن دفع الضريبة.

أما في المرحلة الثانية ستنفذ الحكومة «إصلاحاً شاملاً للنظام الضريبي بهدف جَعله أكثر عدالة وكفاءة، وستشمل الاجراءات التالية:

– زيادة معدل الضريبة تدريجاً على الشركات (من 17 إلى 20 %)

– زيادة الضريبة على دخل الفوائد على الودائع التي تزيد عن مليون دولار من 10 الى 20 % وإعمال نظام الضرائب التصاعدية للودائع ما فوق 255 مليون دولار أميركي.

– زيادة ضريبة الدخل على الأجور المرتفعة (من 25 إلى 30 %)

– زيادة ضريبة الدخل على أرباح رأس المال (من 10 إلى 15 %)

– زيادة الضريبة على القيمة المضافة للكماليات (من 11 إلى 15 %)

– تحديد سعر الحد الأدنى لصفيحة البنزين عند 25000 ليرة لبنانية، ورفع الدعم البالغ 3000 ليرة لبنانية ودرس إمكانية الانتقال نحو مساعدة عامة أكثر استهدافاً لوسائل النقل العام…

– إدخال ضريبة الانفاق الاستهلاكي بقيمة 1000 ليرة لبنانية على المازوت.

– زيادة القيمة الاسمية للغرامات بعد انخفاض قيمة العملة.

إنّ مجموع هذه الإقتراحات يتناقض كلياً مع مبدأ إعادة تنشيط الإقتصاد اللبناني الذي يشهد اليوم أسوأ حقباته، وبدلاً من إقرار مجموعة حوافز مدروسة لإعادة القطاعات الإنتاجية الى دائرة العمل، يبدو أنّ هذه السلّة من الضرائب الجديدة ستشكّل الضربة القاضية للقطاعات الإنتاجية التي تقول الحكومة انها ستعطيها الأولوية!

فزيادة الضرائب على الشركات ستقضي على ما تبقّى من شركات عاملة حتى الآن، أمّا الحديث عن ضريبة على دخل الفوائد فإنّ مثل هذا الأمر كان ممكناً في المرحلة السابقة حيث كانت الفوائد مرتفعة، أمّا اليوم فهي انخفضت الى الحدود الدنيا ولن تساهم في بلوغ طموحات الحكومة.

لقد رفعت الحكومة بموجب الموازنات السابقة، ومنها موازنة 2020، ضريبة الدخل على الأجور المرتفعة الى 25 في المئة، وهي تنوي اليوم زيادتها الى 30 وسط تضخم أكل نسبة 80 في المئة من قيمة الرواتب !!

كنّا نتوقع أن تتحدث الحكومة عن حوافز مهمة في المرحلة الأولى، لضمان عودة الحياة الاقتصادية الى طبيعتها، كإعفاءات ضريبة للشركات التي تعاود نشاطها في المدن والأرياف، علماً انّ التشجيع على قيام شركات وصناعات جديدة لا يكون برمي أثقال ضريبية على كاهلها.

والغريب في خطة الحكومة حديثها عن زيادة الضريبة على شركات الأوفشور ( لم تحدد قيمة الضريبة)، وهذا يعني مباشرة التفكير الجدي لهذه الشركات بمغادرة لبنان والإنتقال الى بلدان مجاورة تقدّم حوافز استقطابية هائلة، ما يعني ايضاً أنّ آلاف الوظائف ستخسرها اليد العاملة اللبنانية!

فهل مثل اقتراحات كهذه تشجّع على ذلك؟

ـ في القطاعات الإنتاجية:

تفتقد «الخطة» إلى رؤية متكاملة للطريقة التي ستعمل عليها لتشجيع الإستثمارات في القطاعات الإنتاجية، ولا سيما منها الصناعة والزراعة والسياحة.

تتحدث «الخطة» بالعموميات المفرطة، وذكرت انها «ستخصّص 200 مليون دولار من الحكومة كضمان نقدي من خلال المصارف المحلية لاستيراد المواد الأولية، خصوصاً للصناعات التي تقوم بتصدير السلع». وفي مكان آخر تحدثت عن تخصيص 200 مليون دولار للشركات التي لا تصدّر ما يكفي من السلع لتعويض القرض بأموال جديدة… وفي مكان آخر عن تطبيق آلية الترويج للصادرات المدرجة في ميزانية 2020.

إنّ مثل هذه الأفكار لا توحي بأنّ الحكومة على دراية كافية بما تواجهه القطاعات الإنتاجية. وكنا نتوقّع كلاماً صريحاً عن حوافز جدية لتشجيع قيام صناعات نوعية جديدة ودعمها في المرحلة الأولى، وتخفيض الأكلاف من خلال توفير الكهرباء «بالكلفة» وتخفيض رسوم الضمان في السنوات الأولى، وتأمين أراض لقيام المعامل في الأطراف، واتخاذ إجراءات تساهم في حماية الصناعات اللبنانية ومنع إغراقها ووقف استيراد كثير من السلع التي يمكن صناعتها في لبنان…

يبقى أنّ القضية هي في خواتيمها، وأنّ الرأي النهائي ربما سيكون لصندوق النقد الدولي الذي قد يحدّد اتجاهاً لتطور الإقتصاد اللبناني لا يناسب الحكومة والأطراف السياسية الحاضنة لها، فنعود إلى نقطة الصفر، وربما إلى ما دون الصفر!