Beirut weather 13.41 ° C
تاريخ النشر January 19, 2017
A A A
الحياة تعود إلى أحياء الموصل المحررة من قبضة داعش
الكاتب: فلوريان نويهوف - موقع D W

بعد تحرير أحياء في الموصل من قبضة تنظيم داعش تعود الحياة بسرعة إلى ثاني أكبر المدن العراقية. لكن المدينة لا تزال في حاجة إلى كثير من الخدمات التي حرمت منها منذ سيطرة التنظيم عليها.
*

في أحد الشوارع قبالة الطريق الرئيسي المؤدي إلى آخر الأحياء التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في شرقي الموصل يحتشد الناس حول عربات تجر باليد وتباع عليها منتجات ومواد غذائية. تتساقط قذائف الهاون بوتيرة مرعبة في المنطقة، فالتنظيم المتطرف اعتاد على قصف المناطق التي لم تعد تحت سيطرته، ويعتبر أي شخص تركه وخرج عن سيطرته كافرا يستحق الموت.
المتسوقون لا يعبأون بالأمر فهم منشغلون بشراء حاجياتهم من السوق، وتتصدر الفواكه والخضروات والبيض وغاز الطهي لائحة التسوق، ضروريات بسيطة لسكان الموصل، الذين يعانون من ضائقة مالية.

بدأ الجيش العراقي منذ 17 تشرين الأول الماضي حملة لاستعادة الموصل، ودخلت الدفعة الأولى من القوات شرقي المدينة، في الجزء الواقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة، في وقت مبكر من تشرين الثاني. ومنذ ذلك الحين، توالت خطوط المواجهة في النصف الشرقي من الموصل، ويتعرض السكان للقتل خلال عملية دحر مقاتلي داعش. ومنذ بداية العام الحالي، سارعت تعزيزات وتكتيكات جديدة من وتيرة الهجوم، وبدأت سلسلة لتحرير أحياء الموصل بسرعة من أيدي الإرهابيين.
ومن بين تلك الأحياء، حي الزهور، حيث عادت الحياة مجددا إلى الأسواق بعد أيام من التحرير. ونظرا لفشل الحكومة وهيئات المساعدات الدولية في توفير إمدادات كافية من المواد الغذائية والوقود لأهل المدينة، يقوم التجار بجلب تلك المواد وبيعها. بسرعة وسهولة نشأت سلسلة توريد رائدة في المنطقة الكردية المجاورة امتدت إلى قلب المدينة وأعادت ربطها مع العالم خارج الموصل، بعد أكثر من عامين من سيطرة تنظيم داعش.

* سكان شرقي الموصل يفعلون كل شيء لوقف تقدم قوات داعش.

يبعد حي الزهور أقل من كيلومتر واحد من خط جبهة القتال مع داعش، حيث تقع أرض “الخلافة” المزعومة، والتي تقلصت حاليا أكثر من أي وقت مضى. هذا المسافة القصيرة لم تمنع الحي من العودة إلى الحياة. فالسيارات بدأت تنتشر على الطرقات التي ما زالت عليها أثار الحفر والمتاريس الترابية وتم دهان جدران المنازل على عجل، وتقوم جرافات بردم حفر في مدرج المطار نتجت عن هجمات بسيارات مفخخة أو ألغام عبوات ناسفة زرعها مقاتلو “داعش”. ويلعب الأطفال أمام واجهات عليها أثار إطلاق النار، وبجوار المنازل المنهارة مازالت أكوام الأطلال والتراب في أماكنها، وهنالك رجال حليقو اللحى يدردشون مع جيرانهم، واختفى من المشهد صورة رجال بلحى كثيفة كان التنظيم الإرهابي يجبرهم على تربيتها.

عودة إلى السجائر والهواتف المحمولة
الزهور ليس هو الحي الوحيد الذي عاد له شبابه، فمنطقة أو حي “كوكجلي” هو المنطقة الأولى التي استعادة قوات الجيش العراقي السيطرة عليها، وقد نشأت فيه سوق منذ فترة طويلة يتم فيها بيع البضائع للأشخاص القادمين من المناطق المحررة.
على ساحة غير مرصوفة بجانب الطريق، يعاود سكان الموصل إمتاع أنفسهم بسلع كمالية حرموا منها منذ أن اقتحمت عناصر “داعش” المدينة في حزيران عام 2014. أكوام من علب السجائر وهواتف محمولة وشرائح الهواتف موضوعة للعرض على صناديق خشبية، وتحولت حاوية إلى مقهى بدائي حيث يجلس الرجال ويدخنون النرجيلة.
كان التدخين ممنوعا منعا باتا من قبل تنظيم داعش، الذي فرض على السكان صيغة متشددة للإسلام، وتمت مصادرة الهواتف لمنع تسريب المعلومات إلى خارج المدينة. الآن لم يعد مقاتلو التنظيم قادرين على إطلاق قذائف الهاون على منطقة كوكجلي، الواقعة على الضفة الأخرى من نهر الفرات، ولذلك فسكان المنطقة يشعرون بالاسترخاء ويجوبون السوق بحثا عما يشرونه بثمن مناسب.

* سكان شرقي الموصل يحاولون العودة للحياة في ظل النقص الشديد في المواد الغذائية وغيرها من الخدمات.

فالاقتصاد في الموصل أصيب بالجمود في ظل سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وحرم الكثير من الموظفين الحكوميين في المدينة من رواتبهم. وتسبب ذلك في عدم استطاعة الناس ادخار ولو القليل من المال.
“الحياة عادت إلى وضعها الطبيعي، لكننا لم نتلق أي راتب تحت حكم داعش، وحتى الآن لم نحصل على رواتب”، يقول زياد أحمد، وهو موظف حكومي يبلغ من العمر 41 عاما، بينما كان يحمل مشترياته من السوق في كوكجلي إلى حي القدس المجاور. ويلاحظ الباعة ضعف قدرة السكان على الشراء.
“الناس ليس لديهم الكثير من المال، لذلك يشترون الهواتف الرخيصة”، يقول جاسم محمد، الذي يدير “كشك” لبيع الهواتف النقالة وشرائح الهواتف وبطاقات الشحن.
تفرغ الشاحنات القادمة من المناطق الكردية حمولاتها في حي كوكجلي، حيث يشتري التجار بكميات كبيرة، ثم يقومون بالتوزيع إلى باقي المدينة. وبعد بداية معركة تحرير الموصل أصبحت المواد الغذائية شحيحة بشكل متزايد. وبمجرد تحرير أجزاء من حي السومر، مشى السكان إلى منطقة فلسطين المجاورة بحثا عن الطعام. وعند العصر سار رجال لم يجدوا الوقت لحلاقة لحاهم، عائدين مرة أخرى على طول الطريق الذي يربط بين المنطقتين، وكانوا يحملون أطباقا كبيرة عليها بيض وأكياس من خضار.

37160520_403

نقص الأدوية ومواد البناء والطاقة
مازالت الموصل تفتقر إلى كثير من الخدمات في حي الشقق على الحدود مع كوكجلي، وقف عبده أحمد في منزل عائلته. المنزل المجاور له استخدم كقاعدة من قبل “داعش” وأصيب في قصف جوي للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. اخترق الصاروخ السقف ودمر البيت من الداخل، وتنبعث من الأنقاض رائحة الموت.
اكتشف عبده أن الانفجار قد دمر أيضا الجزء الخلفي من منزله، بعدما عاد هو وأسرته ليقيموا فيه بعد أن كانوا يعيشون لدى أقارب لهم أثناء القتال. الأسرة لا تملك المال لإصلاح المبنى، كما أن هناك نقصا حادا في المعروض من مواد البناء.
ويأمل عبده في الحصول على دعم الحكومة العراقية لإعادة بناء منزله، لكن ما تزال لديه مخاوف أكبر. فقد تدهورت الحالة العقلية لابنه المعاق علي، ومازال عبده غير قادر على شراء الدواء، الذي يحتاجه علي البالغ من العمر 11 عاما. “ازدادت حالته سوءا بعدما أصبحنا غير قادرين على شراء الدواء له عندما سيطر داعش على المدينة. كما أننا لم نتمكن من أخذه إلى طبيبه المعالج، فقد فر ذلك الطبيب من المدينة. كما زاد الأمر سوء مرة أخرى بسبب الضغوط عندما بدأت المعركة”، يقول عبده.

سكان الموصل يظهرون مرونة في مواجهة الظروف المعاكسة
السلطات الكردية لا تسمح لسكان الموصل بالسفر إلى منطقة الحكم الذاتي الكردية، كما أن الأدوية لا تصل المدينة حتى الآن. وما زالت هناك عقبات أخرى أيضا في طريق العودة إلى الحياة الطبيعية: فلم تعد إمدادات الكهرباء، والمولدات هي المصدر الوحيد للطاقة، كما أن خطوط المياه الرئيسية في الضفة الشرقية لنهر دجلة قد دمرت تماما. ورغم أن الموصل كمدينة تظهر مرونة، إلا أنها أيضا مدينة يعوزها الكثير.