Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر October 21, 2023
A A A
الحلم بالنفط بعد الترسيم… ماء ورمل بانتظار الحلّ الأمني؟
الكاتب: سابين عويس - النهار

كما أُقفل ملف التنقيب عن النفط في البلوك رقم ٤ قبل نحو عامين على زغل، كذلك يقفل التنقيب في البلوك رقم ٩، بالطريقة عينها ومن دون موقف رسمي واضح بعد عن الحكومة، استناداً الى خلاصة شركة توتال الفرنسية المشغلة لائتلاف “توتال، إيني وقطر للبترول”.

رغم الآمال الكبيرة التي كانت معلقة على عمليات التنقيب والاستكشاف المتعلقة بالبلوك رقم ٩ لكونها تأتي ثمرة لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل المنجز في السابع والعشرين من تشرين الأول الماضي، أي للمفارقة على مسافة أسبوع من حلول الذكرى الأولى للتوقيع، فإن إعلان شركة توتال عن عدم وجود الغاز في بقعة الحفر التي امتدّت الى عمق ٣٨٦٥ متراً وفق ما وردته في كتابها الموجّه الى وزارة الطاقة قبل أيام وفيه أنها اخترقت بالكامل التكوين الجيولوجي ولم تجد سوى الماء، يطرح علامات استفهام كبيرة حيال مدى صحة عدم وجود النفط والغاز في البلوكين ٤ و٩ رغم تأكيدات مسبقة مبنيّة على دراسات تعود الى عقود من الزمن تخالف هذه الخلاصة وتؤكد أن لبنان يعوم على ثروة نفطية. فأين الصدقية في النتائج والى أي حد تصح التحليلات وربما المعطيات المتوافرة لدى بعض الجهات السياسية القائلة بأن ملف الترسيم عموماً وما يتصل بعمليات التنقيب لا ينفصل عن الأحداث التي تشهدها المنطقة من بوابة الحرب في غزة، والمناوشات الحدودية بين لبنان وإسرائيل، خصوصاً أن توقيع اتفاق الترسيم بموافقة “حزب الله” قبل عام عزز الانطباع بأن الحزب سار في التسوية، واستبعد كل المخاوف من احتمال نشوب صراع أو مواجهة مع إسرائيل.

لم تنجح جلسة لجنة الأشغال والنقل والطاقة والمياه النيابية التي انعقدت أول من أمس للبحث في تطورات ملف التنقيب في رفع الضبابية والشكوك المحيطة به، بل لعلها زادت الشكوك لكونها لم تخلص الى نتيجة أو توصية بل قرّرت عقد جلسة ثانية لاستكمال البحث والاستماع الى أكثر من ١٠٠ سؤال ربما وجهتها الى وزير الطاقة والهيئة الناظمة لقطاع البترول للإجابة عنها، فيما بيان الهيئة جاء ليدحض ضبابية بيان توتال ويفتح بارقة أمل حيال إمكان وجود الغاز بل في رقع أخرى مختلفة، علماً بأن القراءة المتأنّية لبيان المشغل الفرنسي تظهر بوضوح أن الشركة لم تقفل الباب أمام إمكان الانتقال الى التنقيب في بقع أخرى.

وفي المعلومات المتوافرة، إن الشركة أبلغت المعنيين نيتها استكمال الأعمال في بقع أخرى في البلوك رقم ٩، فضلاً عن رغبتها في التنقيب في البلوكين ٨ و١٠. ولكن الشركة ضمن تحالفها مع إيني وقطر للبترول لن تقدم على أي عمليات في المرحلة الراهنة نظراً الى المخاطر والأكلاف المترتبة، أولاً بسبب مخاطر الحرب وعدم وضوح آفاق المرحلة، وثانياً بسبب الكلفة الباهظة للإبقاء على منصّة التنقيب التي تفوق المليون دولار يومياً. وانتقالها الى قبرص لا يعني أنه لا يمكن استقدامها ثانية عند تحسّن الأوضاع.

لم يخف رئيس اللجنة النائب سجيع عطيّة هواجسه التي جاء توقيتها مع الاعتداءات الإسرائيلية والهاجس السياسي فضلاً عن النتائج المتصلة بالنواحي التقنية والفنية في البلوك رقم ٩ ورفض المبالغة بالقول إن الوضع ممتاز، مشيراً الى أن التقييم النهائي لن يكون قبل نهاية السنة عندما تكشف توتال عن الجوانب التقنية. أما وزير الطاقة وليد فياض فلا يحمّل الشركة الفرنسية أي مسؤولية، كاشفاً أنها عملت باحترافية وفي وقت قصير، مذكراً بأن اتفاق الترسيم هو إنجاز تاريخي لأنه وضع التزاماً أمام الشركات وهي تقوم به، وأن وجود الرمل يؤكد حظوظ وجود الغاز تحته. أما هيئة قطاع البترول فكانت أكثر تحفظاً وواقعية لجهة دعوتها الى وضع دراسة موسعة من أجل فهم أعمق لعمليات التنقيب التي حصلت ولاختيار بقع الاستكشاف من أجل تحديد مستقبل العمليات لجهة تأكيد أو نفي وجود مكامن وبأي جودة أو نوعية.

في الخلاصة، وبغض النظر عن البعد السياسي الذي يتحكم حالياً بملف التنقيب، وهو قائم ولا يمكن إغفاله أبداً، فإن الجانب التقني يؤكد أن احتمالات وجود الغاز قائمة، وأن مسار التنقيب هو مسار طويل، ويمتد لسنوات عديدة، ولا يمكن الجزم به من اليوم الأول للحفر، وتجارب دول مماثلة كثيرة جداً مثل النروج أو السعودية أو مصر، وهي دول شهدت على دخول وخروج شركات عالمية كبرى قبل أن تستخرج ثروتها. لذلك، فإن السؤال عن سبب توقف أعمال التنقيب مشروع ومبرر في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة، ولكنه ليس معياراً لعدم وجود ثروة نفطية أو غازية، بل عنصر مرتبط بالأوضاع السياسية والأمنية.

أما ربط التنقيب بملف الترسيم للقول بأن لبنان خرج خاسراً، فهو كلام غير دقيق بحسب توصيف مصدر سياسي مواكب لهذا الملف، لأن الإنجاز الأبرز من الترسيم تمثل في انتزاع لبنان اعترافاً دولياً وأممياً بحدوده البحرية ومنطقته الاقتصادية الخالصة.