Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر May 23, 2020
A A A
الحكومة: «الحشيشة» نفط لبنان!
الكاتب: راكيل عتيّق - الجمهورية

في 21 نيسان الماضي وصل إقتراح القانون الرامي الى ترخيص زراعة نبتة القنب للإستخدام الطبي والصناعي الى خواتيمه السعيدة في مجلس النواب، بعد أن أقرّته الهيئة العامة للمجلس، بإجماع كلّ الكتل النيابية، بإستثناء «حزب الله»، وذلك بعد درس وتمحيص في لجان نيابية عدّة. لكن مرور هذا القانون، الذي من المُتوقّع أن يدرّ على لبنان مليار دولار سنوياً، بنجاح في مجلس النواب، لا يعني أنّه دخل حيّز التنفيذ، وأنّه لن يبقى حبراً على ورق، ولن يشهد مصير 55 قانوناً سابقاً، امتنعت الحكومات المتعاقبة عن تطبيقها.

ينظّم القانون، الذي شرّع نوعاً محدّداً من زراعة نبتة القنّب، لا يُمكن تحويلها الى مخدّرات أو الى «حشيشة الكيف»، وإنتاجها وتصديرها. وينصّ القانون على تشكيل هيئة ناظمة لإدارة القطاع، يحقّ لها حصراً الترخيص بهذه الزراعة ومراقبتها. كذلك، يحدّد هذا القانون سلطة الوصاية على الهيئة الناظمة وهي رئاسة مجلس الوزراء.

وبالتالي، بعد نشر القانون في «الجريدة الرسمية»، تصبح كرة هذه الزراعة في ملعب رئيس الحكومة الحالية حسان دياب، وعلى الحكومة إجراء الخطوة التالية لإدخال القانون حيّز التنفيذ وبدء العمل في هذه الزراعة الصناعية الجديدة، عبر تعيين هيئة ناظمة للقطاع وتأمين إمكانات لها ووضع هيكليتها وإصدار مرسوم نظاميها الداخلي والمالي، ثمّ استقدام خبراء من الخارج لتحديد المواصفات التي سترخّص زراعة القنب وإنتاجه وتصديره على أساسها.

لكن هناك تخوّفاً من ألّا تُعيّن هيئة ناظمة لهذا القطاع، مثلما لم تُعيّن هيئات ناظمة لقطاعات الإتصالات والكهرباء والطيران، وأن لا يُطبّق هذا القانون مثل قوانين كثيرة، ومنها قانون سلامة الغذاء، الذي لم يُطبّق بعد مرور 5 أعوام على إقراره، على رغم من أهميته وانعكاسه على صحة اللبنانيين وعلى جودة الصادرات اللبنانية الى الخارج وخصوصاً الى أوروبا.

وعلى رغم من أنّ دياب «تفاجأ» من كمية القوانين غير المُطبّقة، خصوصاً عندما زاره رئيس لجنة متابعة القوانين النيابية ياسين جابر بعد تأليف الحكومة بأيام، وتسليمه رئيس الحكومة لائحة طويلة تتضمّن تفاصيل المراسيم والتعيينات المطلوبة لكلّ قانون ووزارة، إلّا أنّ حكومة دياب لم تُصدر حتى الآن أيّ مراسيم تطبيقية لأيّ قانون، ولم تعيّن الهيئات الناظمة المطلوبة.

وانطلاقاً من أنّ جابر يرأس اللجنة النيابية الفرعية التي خُصصت لدرس قوننة زراعة القنب، سيزور دياب مجدداً بعد عطلة عيد الفطر لمتابعة تنفيذ هذا القانون. ويأمل في ألّا يجري «تطييف» تطبيقه مثلما جرى تطييف قوانين وملاحظات أخرى، الأمر الذي فرمل العمل بها».

بدوره، يعتبر عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب أنطوان حبشي، الذي سبق أن قدّم إقتراح قانون في هذا الشان، أنّه سيكون أمراً خطيراً ألّا يدخل هذا القانون حيّز التنفيذ، ويكون مصيره مثل قوانين كثيرة سابقة، مشدّداً على وجوب أن تضع السلطة الإجرائية المراسيم التطبيقية له. وفي إطار الضغط لتحقيق هذا الأمر سريعاً، يبحث حبشي مع مجموعة متخصصين في شكل هذه المراسيم التطبيقية ومضمونها، لمواكبة الحكومة ومساعدتها في إدخال زراعة القنب لإستخدامات طبية وصناعية، مرحلة التطبيق.

التشديد على ضرورة إدخال لبنان الى نادي منتجي هذا النوع من القنب ومصدّريه، ينطلق من أسباب وفوائد عدّة، أبرزها أنّه من المُقدّر، أن تُدخل هذه الزراعة مليارات الدولارات الى لبنان، في زمنٍ تبحث الدولة واللبنانيون عن «دولار». وكانت مؤسسة «ماكينزي» الدولية أوصت في الخطة الإقتصادية التي أعدّتها للبنان عام 2018 بتشريع هذه الزراعة، التي من المُقدّر أن تدرّ سنوياً نحو مليار دولار على البلد.

خطة «ماكينزي» هذه عرضها مجلس الوزراء في جلسته أمس الأول في السرايا الحكومية برئاسة دياب، وذلك للإستفادة منها في خطة الحكومة الاقتصادية. وأوضحت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد بعد انتهاء الجلسة، «أننا في إطار خطة ماكينزي التي أُقرّت في الحكومة السابقة، أرادت الحكومة الحالية الاستفادة منها ومن المشاريع التي تشملها، وهي 60 مشروعاً، تبيّن أنّ هناك 10 الى 11 منها قابلة للتنفيذ في الوقت الراهن، وفي الظروف التي نمرّ فيها»، مشيرةً الى «أننا نستند إلى مشروع الإنفاق الاستثماري، لكي نستطيع إدراجها ضمن الخطة الاقتصادية، ونكون قد استفدنا منها على أصعدة عدة، زراعية وصناعية وتجارية وسياحية».

وعلمت «الجمهورية»، أنّ وزير الزراعة والثقافة عباس مرتضى تحدّث في جلسة المجلس الأخيرة، عن أهمية تنفيذ قانون زراعة القنّب، وقال: «إنّ هذه الزراعة تشكّل إمكانات وقوة عالية للبنان وأنّها بمثابة نفط لبنان».

وتقول مصادر وزارية لـ»الجمهورية»، إنّه يجب تشكيل هيئة ناظمة للقطاع، وأن تبدأ الإجراءات التنفيذية لقانون تنظيمها في الحكومة، بالإضافة الى وضع ضوابط ورقابة على هذا القطاع المهمّ والخطير في آن، ولذلك يجب أن تكون إدارته مضبوطة. وأشارت الى أنّ الحكومة تُشارك رأي مرتضى، وهي في وارد تطبيق قانون زراعة القنّب، ويجري وضع تصوّر معيّن للبدء بإجراءاته التنفيذية.

ويظهر أنّ هناك إهتماماً لدى مزارعين ومؤسسات وشركات تجارية عدة للدخول في هذه التجربة. إذ يتلقّى جابر وحبشي ونواب آخرون، اتصالات وإستفسارات عن طريقة الحصول على رخصة لزراعة هذه النبتة أو تصديرها في ما بعد.

ويقول حبشي: «بمجرّد أن تصدر المراسيم التطبيقية لهذا القانون، نكون عملياً نساعد المزارع ليخرج من تحت رحمة التاجر، ويبدأ بالدخول في إقتصاد شرعي ومنتج. وهذا الأمر يسمح في الحدّ من زراعة «الحشيشة». وحين ينتقل جزء كبير من المزارعين الى زراعة القنّب الشرعية سيصبح أسهل على الدولة أن توقف من يعمل خارج القانون وتمنع الزراعة غير الشرعية».

وسبق أن تلقّى مسؤولون مراجعات ونصائح من خبراء وجهات معنية محلية ودولية، للإسراع في إقرار تشريع زراعة القنّب لدواعٍ طبية وصناعية، «قبل أن يفوت القطار لبنان»، إذ إنّ ما ينتج من هذه الزراعة الصناعية الجديدة في لبنان مطلوب عالمياً، وإنّ لبنان يتمتّع بميزتين تفاضلية وتنافسية في هذا الإطار، لجهة طبيعة الأرض والمناخ المُثبت أنّهما ملائمان لـ»الكانابيس» خصوصاً في البقاع، ولجهة الكلفة المتدنية لزراعة وإنتاج هذه النبتة.

وفي حين تقود حكومة دياب «القطار»، يبقى التعويل على البدء بزراعة القنّب الشرعية على «همّة» هذه الحكومة.