Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر September 30, 2021
A A A
الحكومة الجديدة في خِضمّ التحديات والمجابهات
الكاتب: المحامي محمد أمين الداعوق - اللواء

مرحلة جديدة وصلت إليها الوزارة الجديدة بعد نيلها الثقة، وبعد أن وضع رئيسها نجيب ميقاتي نفسه وتاريخه وخبرته وإمكاناته المختلفة، بما فيها علاقاته الدولية، في موضع دقيق وحساس وحافل بعناصر المغامرة والمخاطرة. مما لا شك فيه أن انطلاقة الحكومة الجديدة بعضوية أربع وعشرين وزيراً بذلت جهودٌ مهمة لانتقائهم من أوساط شهدت لمعظمهم بكفاءات متميزة لكل منهم في مجال اختصاصه، وفي مجالات «الإنقاذ المستعجل» لمنع السقوط النهائي للبلاد في مهاوي الدمار والخراب، بعد أن أخذت مدى طويلا من الوقت الثمين على مدى ثلاث وزارات متلاحقة وتحت «المطمطة» غير المعقولة وغير المقبولة في أوقاتها التي ناهزت السنة والثلاثة أشهر، ومن بينها تسعة أشهر متعلقة بالوزارة التي حاول تشكيلها الرئيس سعد الحريري، فجوبه بحرب ضروس من قبل العهد وأركانه مما اضطره على سبيل الوقاية والحرص والتنبه الشديد إلى ممارسات المخاطرة بمصير لبنان دون احتساب واتقاء لهول المعاناة التي تم جرّ الوطن إلى مهالكها، وصولا إلى سقوطٍ مذهل لكلّ مقومات الدولة وركائز وجودها وحياتها. يضاف إلى ذلك تدهور الأحوال السكانية والحياتية إلى درجات مخيفة من الفقر المدقع، لم يسبق لهذا الوطن المغلوب على أمره أن وصل إليها في أحلك ظروفه الحياتية والإجتماعية والأمنية بكل ما حفلت به من منازعات وحروب داخلية وتحديات طاولته صعوباتها ومطباتها من خلال ظروف الداخل وأوضاع الخارج الإقليمي والدوّلي.

وها هي الوزارة الجديدة، تبذل جهودا إستثنائية في كل مجالات الحكم والإدارة والحياة العامة، علّها تتمكن من وقف الإنهيارات الحاصلة ولو بحدود دنيا تقي هذا الوطن المنكوب من مخاطر الزوال والإضمحلال.

بكل ما ذكرناه أعلاه عن بعض إيجابيات الوزارة الجديدة، هل تُمكّن الأوضاع القائمة في الداخل، بدءاً بتركيبة الوزارة التي بُذلت جهود كبرى لوضعها مجددا في إطارات المحاصصات السابقة، وأمام جملة من التحديات والمحاولات لجرّ الحكم وحكومته إلى إطارات يحاول العهد ولواحقه تثبيت أصولها وفصولها، فإذا بها ممثِلة لجهات وفئات وأحزاب متناقضة ومتناهضة، وبالرغم من كثير من الكفاءات الإيجابية التي تضمها الحكومة الجديدة العتيدة من خلال وزرائها وبعض توجهاتها، إلاّ أنه لا يسعنا إلاّ أن لا نحسد الرئيس ميقاتي على أوضاعها الرئاسية والقيادية التي تنتظره، خاصة بعد أن تألفت وزارة بأغلبية عهدوية واضحة، صرّح الرئيس عون بعد تشكيلها أنه نال ما أراده منها، وها هي زيارة الرئيس ميقاتي إلى فرنسا قد شكّلت الإطلالة الأولى له ولها على المحيط المحلّي والدوّلي، بما يناقض التوقعات التي كان يرضيها دون شك أن تبدأ هذه الإطلالة، بالعالم العربي، وفي طليعته المملكة العربية السعودية، مع ملاحظات متلاحقة ومتكررة، بأن المملكة خاصة قد حيّدت نفسها عن كل ما يجري ويتداول في لبنان بعد أن جوبهت بمواقف الأيادي القابضة على أعناق هذا الوطن المنكوب ومجابهات عهده المضمخة بروح المناطقية والمذهبية، والمتحفظة على انتماء لبنان العربي بما هو ثابت من مواقف سابقة للتيّار الوطني الحر في داخل لبنان وخارجه وبشكل خاص في مواقفه في المؤسسات الإقليمية والدولية بما هو معروف ومعلن من المواقف.

وبعد: هل ستتمكن حكومة الرئيس ميقاتي من الإستجابة المعقولة والمقبولة لمتطلبات المجتمع الدولي من لبنان ومؤسساته ومتطلباته الحازمة بوجوب مباشرة أعمال الإصلاح والإنقاذ قبل أن يُسمح بدخول أية أموال إلى الداخل اللبناني ومتطلباته وفي إطاراته الرسمية والمؤسّساتية، وبالتالي، هل تسمح المنظومة الحاكمة لهذه الحكومة الوليدة بالقيام بمهامها المستعجلة في الإنقاذ والخلاص ولو بمباشرتها العجولة خلال الأشهر القليلة المتبقية من ظلام هذه الأيام وظلمها.

وبالتالي، هل تتابع الجهود الفرنسية – الإيرانية توافقها على إيجاد حلحلة ما للوضع اللبناني الغارق في أوحال الخراب والدمار، أم أن ما تم حتى الآن بهذا الصدد، يستبطن تمرير ما أمكن من مصالح الفريقين في زمنٍ تسعى فيه القوى العالمية الكبرى، ومن ضمنها بدون شك، الولايات المتحدة الأميركية، إلى تحقيق اقتسامات جديدة على مدى مصالح إقليمية واقتصادية ترى في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، مرتعا لها ومجالا فسيحا لتحقيق مصالحها وطموحاتها.

في كلّ الأحوال القائمة أو التي قد تستجد، نتمنى للرئيس ميقاتي، إنطلاقة موفقة في وزارته الجديدة، يتمكن من خلالها إبعاد هذا الوطن المنكوب عن معاناته القائمة والمستمرة والمهدّدة لاستمراريته في الوجود على خريطة العالم بكل دوله وأركانه، كما نتمنى أن تتغير ظروف وتوجهات القيادات اللبنانية ومنظومتها الحاكمة، بما يتيح لعملية الإنقاذ والخلاص أن تجد سبيلها القويم والسليم نحو تحرير هذا الوطن من كل دواعي الإنحدار والإنحلال التي تمسك بخناقة على النحو الذي تعاني منه غالبية الشعب اللبناني المنكوب بجيل قديم من القيادات التي آن أوان إنقاذ البلاد من براثنها التي تكاد أن تقضي على ما تبقى من أنفاس اللبنانيين وقدرتهم على الصمود في وجه المآسي التي تطاولهم من كل حدب وصوب.