Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر July 17, 2016
A A A
الحزام الناسف طريق داعش إلى لبنان لبناء الإمارة الموعودة!
الكاتب: علي الحسيني - الأفكار

حلم داعش بإمارة على البحر المتوسط لا ينفك يراوده منذ أن أُعلن عن تأسيسه بعد فترة زمنية وجيزة على اندلاع الثورة السورية، وفي ظل هذا الحلم الدائم، يبقى لبنان في نظر الدواعش، المكان الأبرز والأسهل لإنضاج هذه الفكرة خصوصاً وانه منذ القدم، ترى الحركات الاصولية في لبنان تربة خصبة لزرع بذور أفكارها وحصدها لاحقاً بين الشباب اللبناني الفاقد أساساً للعاملين الامني والاجتماعي.

وبما ان اقامة امارة في لبنان شبه مستحيلة خلال هذه الفترة والفترات التي سبقتها، عمد تنظيم داعش منذ اسبوعين الى زعزعة الامن في لبنان وارباك الساحة الامنية فيه وذلك من خلال مجموعة انتحاريين قاموا بتفجير انفسهم بين الناس في بلدة القاع البقاعية حيث اسفرت العملية عن سقوط شهداء وجرحى بالاضافة الى احداث نوع من الخوف في نفوس اهالي البلدة الذين رأوا في التفجيرات طريقة جديدة تُمارس عليهم من أجل تهجيرهم وبالتالي افساح الساحة لمؤيدي داعش بالسيطرة على القاع وتحويلها الى قاعدة ثابتة لهم ومنها ينطلقون لاحقاً من اجل تثبيت مخططهم الرامي الى وصل السلسلة الشرقية في البقاع بمناطق في عكار كمنفذ لهم للاطلالة على البحر الابيض المتوسط، وبذلك يكون لبنان بالنسبة الى هؤلاء اشبه بمحافظة الرقة في سوريا والتي اصبحت تُسمى الولاية الاولى للدولة الاسلامية في العراق والشام. والملاحظ هنا ان إحياء حلم اقامة امارة في لبنان، عاد ليظهر مجدداً مع بداية الهدنة التي انطلقت في سوريا منذ شهرين تقريباً بين النظام السوري من جهة والفصائل المقاتلة من جهة أخرى خصوصاً بعد استبعاد تنظيمي داعش و جبهة النصرة عنها، ويومئذٍ تصاعدت موجة الخوف من عودة الحدود اللبنانية الشرقية الى مسرح عمليات حرب مجدداً خصوصاً مع اطباق النظام وحلفائه الاسبوع الماضي السيطرة على مدينة تدمر التي تتبع لمحافظة حمص وهو ما لوحظ من خلال فرار مجموعة عناصر من تنظيم <داعش> باتجاه جرود عرسال التي عادت لتتحول بدورها الى نقطة تجمع للجماعات الارهابية.

من اين دخل داعش الى القاع؟
بعد تفجيرات داعش في القاع، اضطر كل من حزب الله وحركة امل الى الغاء الاحتفالات الجماهيرية والاستعاضة مكانها بكلمات وخطابات توزعت بين بيروت والجنوب والبقاع، وفي هذا المجال كان للامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كلمة لمناسبة يوم القدس العالمي والذي اعتاد فيه الحزب القيام بعروض عسكرية ومناورات حيّة في الضاحية الجنوبية، فقال لاهالي القاع (نحن معكم وراء الدولة وأمامها إن أرادت، وإن لم تقم الدولة بما عليها فنحن لن نتخلى عن مسؤولياتنا، والرسالة هي: سنحميكم برموش العيون، فتلك رسالة السيد عباس الموسوي مؤسس المقاومة والسيد موسى الصدر إمامها). وأجرى نصر الله عملية ربط بين التفجيرات في القاع وما أسماه بالثقافة الوهابية التي اعتبرها الدافع خلف هذه الأعمال، وانطلق من معلومات ميدانية للرد بشكل غير مباشر على وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي حاول تبرئة مخيمات النازحين السوريين، فصوب نصر الله الى أن الحاضنة الفعلية التي أوصلت الانتحاريين الى مشاريع القاع هي جرود عرسال ومصدر انطلاقهم لتنفيذ العمليات الانتحارية السابقة في الضاحية الجنوبية والبقاع. وبرأيه ان (الاحتضان الوسيط بين العمق السوري والعمق اللبناني هي الوصلة العرسالية بمعناها الميداني والعاطفي والمظلة السياسية التي يوفرها فريق سياسي في أرضية عرسال وجرودها لتغطية الإرهاب).

لكن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق كان أشار من القاع التي زارها عقب التفجيرات الانتحارية، الى ان الإنتحاريين الذين نفّذوا الهجمات، جاءوا من سوريا وليس من مخيمات اللاجئين. وقال: سبق ان قلت اننا في الأجهزة الأمنية من الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام استطعنا ان نحقق عدداً كبيراً من العمليات الاستباقية بأن نمنع المجرمين من القيام بأعمالهم، ولكن لا يمكن ان يكون المنع مئة في المئة ولسنا أكثر قدرة من عواصم اوروبية شهدت عمليات أسوأ بكثير من الذي حصل هنا. واكرر ليس في العالم مكان آمن مئة في المئة بما فيه البيت الأبيض. وفي السياق اكدت مصادر امنية أن التفجيرات الإرهابية التي أجهضها الجيش وألقى القبض على رؤوسها المدبرة لم تكن ستستهدف منطقة أو طائفة معينة، بل كانت ستطال مختلف المناطق اللبنانية والطوائف والمستويات وأساليب متعددة منها سيارات مفخخة وانتحاريين وأحزمة ناسفة، وعلمت المصادر ان الغرفة التي تحضرت فيها الأحزمة الناسفة والمتفجّرات التي دخلت الى القاع موجودة في مشاريع القاع، أما المخططون ففي جرود عرسال وانتقل المنفذون من الجرود الى مخيم مشاريع القاع ثم القاع البلدة.

عادت واشتعلت بين داعش و النصرة
وقد عادت الجرود الاسبوع الماضي لتتحول مجدداً الى ساحة حرب بين تنظيمي النصرة و داعش الذي تمكن من خلال هجوم مضاد، استعادة مواقعه في مرتفع قلعة الحصن وسهل عجرم والمخيم العسكري ومنطقة الملاهي في شرق بلدة عرسال، و تمكن من اسر عناصر من النصرة جرى نقلهم الى مراكزه الخلفية. ومقابل هذه المعلومات جرى الحديث عن ان السبب الاساس في وقوع الاشتباكات تعود إلى رغبة داعش بالسيطرة على منفذ حيوي بسبب حصاره في الجرود وسط ظروف صعبة وأن التحضيرات لهذه المعركة كانت قائمة منذ أشهر طويلة حيث كان من المتوقع أن تحصل بأي لحظة بسبب الخلافات القائمة بين الجانبين على أكثر من مستوى، وربما يكون التنظيم قد استغل الهجوم على مواقعه في جرود القلمون لتنفيذ هذا المخطط المُعد مسبقاً، خصوصاً وان النصرة من خلال سيطرتها على المعابر المؤدية إلى عرسال كانت تستطيع الحصول على ما تريده من امدادات لا سيما بعد صفقة تبادل العسكريين اللبنانيين التي تضمنت ايصال المساعدات بشكل دائم الى مخيمات النازحين التي تسيطر على أغلبها، في حين ان داعش كان يفتقد إلى مثل هذا المنفذ في ظل الإجراءات الأمنية المتخذة في المنطقة، وكان من المستبعد أن يبقى إرهابيوه فترة طويلة من دون القيام بأي تحرك لتدارك الموقف، ومن هنا اجتهد كثيراً لايجاد منفذ يدخل منه الى بلدة القاع واحداث مسلسل رعب علّه يتمكن من اكمال سيره باتجاه مناطق شمالية، كان موعوداً من حلفاء له بملاقاته عند اقرب نقطة بهدف وصل خط السير ببعضه البعض وجعله حزاماً آمناً لتنقلات عناصره من جهة الى اخرى من دون اي خطر.

من أين يدخل الارهاب الى سوريا؟
وصول المقاتلين الى سوريا هو امر تتشارك فيه دول عدة وبمعرفة من اسرائيل التي لا تتوانى عن تقديم التسهيلات واللوجستيات والاستشفاء لمقاتلي داعش و النصرة . كما لا تزال تعتبر تركيا اللاعب الابرز في الحرب الدائرة في سوريا فهي لا تكتفي بتأمين الممرات واماكن للمعارضين فقط، بل تضيف الى خدماتها وسائل نقل جوية حيث تقوم بمساعدة المقاتلون الاجانب الذين يأتون من دول عدة وينتمون الى تنظيمات وبلدان مختلفة منها اليمن وليبيا، الى داخل اراضيها ومن ثم يُصار الى نقلهم جواً الى القواعد الاميركية والبريطانية في الاردن وتحديداً في منطقة الزرقاء على ان تلي هذه المرحلة مرحلة التدريبات العسكرية على يد جنود اميركيين وبريطانيين قبل البدء بالتسلل الى سوريا فلبنان عبر الممرات غير الشرعية. وبعد عمليات التدريب يتوجه العناصر الى الجولان وامامهم مسلكان الاول من الزرقاء في الاردن ثم الى الجولان مباشرة حيث يكون ممرهم من الجهة التي يسيطر عليها العدو الاسرائيلي، والثاني كما هو معروف يكون عادة من البوابة التركيا باتجاه الحدود السورية.

.. وكيفية وصوله الى لبنان
تقول مصادر امنية ان الخطوط الممتدة من اماكن تجمع الارهابيين وصولاً الى الحدود اللبنانية قد تبدو مستحيلة من حيث المنطق خصوصاً وان المناطق التي يجري اجتيازها تقع تحت سيطرة النظام السوري لكن هذا لا يعني استحالة عبورهم كونه يوجد خطين في الحكومة تقريباً للوصول الى النقاط المحددة. الخط الاول هو الذي جرى تداوله بين الاجهزة الامنية والسياسيين والذي يبدأ بتوجه المقاتلون من محافظة الرقة وهي المنطقة التي يسيطر عليها داعش وفيها العدد الاكبر من مقاتليه الى منطقة خناصر ثم الى طريق السلمية في محافظة حماه وصولاً الى بلدة سكرة في حمص سالكين واحدة من هذه البلدات في حمص القريتين او مهين او صدد وتؤدي جميعها الى بلدة دير عطية وهي بلدة حدودية تقع بين جبال القلمون وسلسلة جبال لبنان الشرقية وهناك خمس نقاط مقسّمة بين جيش الدفاع السوري وقوات المعارضة ومن هناك الى سلسلة لبنان الشرقية.

أما خط الامداد الثاني الذي قد يكون سلكه المسلحون هو الحدود العراقية السورية ويبدأ من معبر البوكمال حيث يسيطر داعش على هذه النقطة وهنا لا بد من الاشارة الى ان توافدهم جرى منذ اسابيع اي قبل قصف الجسر الذي يربط العراق بسوريا ثم توجهوا الى البادية السورية على اطراف تدمر وصولاً الى درعا في محافظة حوران فعدرا العمالية التي تقع على تخوم الغوطة الشرقية وهي كانت تقع تحت سيطرة المعارضة قبل ان يعود الجيش السوري سيطر عليها، فوصولاً الى داريا المنقسمة تحت سيطرة النظام و داعش ومن داريا الى وادي بردى في دمشق ومنها الى سلسلة لبنان الشرقية. والجدير ذكره ان كل الخطوط هذه سواء من الرقة او البوكمال جميعها تؤدي الى الحدود اللبنانية وان استغرقت عملية الانتقال اسابيع وهي الممرات المتاحة الوحيدة التي يستطيع المقاتلون ان ينتقلوا عبرها في امان وها هم اليوم الاف مؤلفة اصبحوا امراً واقعاً على حدودنا وداخلها.

15333

ماذا عن حزب الله في الجرود؟
المتابع لسير المعارك التي كان يخوضها حزب الله في الجرود قبيل سقوط معظم قرى القلمون بيده ويد النظام، يمكن ان يلاحظ مدى التقدم الملحوظ في ادائه وكيفية انتشار وحداته العسكرية والتنظيم الذي طرأ على عناصره، لكن الدخول في الاسباب المستجدة يظهر ان الامر يعود للتبديلات التي اجراها في العديد من مواقعه التي تعتبر متقدمة نوعاً ما خصوصاً وان ما يفصل بين نقاطه او نقاط وجود الجيش اللبناني ونقاط المسلحين، لا يتجاوز الـ500 متر في اقصى الحالات حتى انه يمكن لأي طرف ان يرى بشكل واضح من خلال المناظير، الدشم والتحصينات التي يبنيها كل طرف.

أما في عدد من قرى القلمون في الداخل السوري، فقد باتت حركة المسلحين شبه محصورة هناك والاكثر تحديداً ان هؤلاء المسلحين هم بمعظمهم يتألفون من النصرة و داعش بعد انسحاب بقية الفصائل الى اماكن اكثر اماناً بالنسبة اليهم على غرار حركة احرار الشام وجيش الفتح و لواء الغرباء و كتائب السيف العمري و لواء نسور دمشق ورجال من القلمون، وهؤلاء جميعهم اصبحوا يتمركزون في ريف ادلب وبعضهم تمكن من النفاد الى العاصمة دمشق في ما استطاع البعض الآخر العبور الى حلب اما عن طريق صفقات او من خلال العبور الى لبنان بطرق غير شرعية ومن ثم الى تركيا والدخول من هناك الى حلب. لكن وبالرغم من كل هذا الحصار، فقد تمكنت بعض مجموعات مسلحة الاسبوع الماضي في القلمون، من توجيه ضربة قاسية للجيش السوري ومجموعات من حزب الله وتحديداً في بلدة رنكوس، وقد اصدرت النصرة بياناً قالت فيه انها تمكنت من اسر مقاتلين من النظام والحزب وقتل عدد كبير منهم في حين لم يصدر عن حزب الله ولا عن النظام اي تعليق يؤكد بيان النصرة او ينفيه.

الجيش يعزل عرسال عن جرودها
مصادر مقربة من الجيش تؤكد انه وبعد اشتداد المعارك الأخيرة بين النصرة و داعش وبعد تفجيرات القاع، استهدفت مدفعية الجيش اللبناني التابعة للكتيبة 65 في اللواء السادس والمتمركزة في مرتفعات الطيبة بالقصف المدفعي الفعال عند مراكز داعش في جرود عرسال وهي من المرات النادرة التي تشارك فيها تلك المدفعية، وذلك خشية من التقدم نحو مراكز الجيش في المنطقة الفاصلة بين بلدة عرسال وجرودها. ولفتت الى ان الامور عادت وتطورت ليلاً في الجرود وقد انتشر عناصر حزب الله بكثافة في الجهة السورية مقابل مناطق الاشتباكات كما من الجهة اللبنانية خشية من تطور الامور الميدانية، مشدداً على أن قوة كبيرة من الجيش اللبناني إتجهت من ثكنة الشيخ عبد الله في بعلبك الى جرود عرسال وعلى متنها مدفعية وعناصر مقاتلة لدعم المراكز وتعزيزها، بسبب سيطرة داعش على مراكز متقدمة للنصرة مقابل مراكز الجيش اللبناني وسط خشية من تقدم النصرة نحو بلدة عرسال بما ان لا طريق لها سوى نحو الأمام، ولكن الجيش اللبناني عزل البلدة عن جرودها وهو جاهز لصد اي تحركات أو عمليات تسلل.

ويبلغ عدد المسلحين في الجرود نحو ثلاثة آلاف مسلح يتوزعون بين داعش والنصرة، أما البقية فهم اما مبايعون للاول او للثاني ومنها: كتائب الفاروق و لواء فجر الاسلام و الكتيبة الخضراء و لواء الحق و لواء التركمان، هؤلاء جميعهم بايعوا داعش. أما  الفرقة 11 و لواء الغرباء و مجموعة العمدة، فقد بايعوا النصرة. وفي المقابل، تمتد خطوط التماس بين داعش والجيش اللبناني من اعالي حاجز الحصن على اطراف عرسال مروراً بمنطقة وادي حميد بعد حاجز الجيش وقرون صيدة في عرسال المواجهة لحاجز المصيدة غرباً وصولاً الى تلة البعكور في جرد رأس بعلبك، فخربة الدمينة في جرود القاع، اما سيطرة النصرة فتمتد على جرد عرسال وصولاً الى بركة الفختة الواقعة في الجرد نفسه على الحد مع رأس المعرة في سوريا ومنطقة الكيشك على حدود جرود عرسال مع نحلة.

وتتواصل سيطرة المسلحين بعد الحدود اللبنانية السورية الى جرود عرسال الورد على الحد مع بلدة الطفيل اللبنانية. أما خطوط المسلحين من نصرة و داعش مع مناطق انتشار الجيش السوري وحزب الله، فتمتد من الجنوب بعد الطفيل من ضهر العريض في جرود عسال الورد الى جرود رأس المعرة وفليطا ثم قرنة البستان بالقرب من الجراجير، تليها خربة الحمرا أو تل المصيدة شمالاً بالقرب من البريج وصولاً إلى جرود قارة وجوسيه. وبعد جرود قارة وجوسيه، تبدأ خطوط تماس المسلحين مع حزب الله وحده وبالتحديد من بعيون في جرود القاع إلى خربة الدمينة شمالاً في الجرود نفسها. وتبدأ خطوط تماس أخرى بين المسلحين وحزب الله في اعالي جرود يونين ونحلة وبعلبك وصولاً إلى بريتال وطفيل.