Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر January 16, 2020
A A A
الحريري يفتتح عودته بالدفاع عن السياسات الماليّة وحاكم المصرف
الكاتب: البناء

مع عودة رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري لم يسمع اللبنانيون ما يُطمئنهم لسعي الرئيس المستقيل لتفعيل حكومة تصريف الأعمال في مواجهة التحديات المالية والاجتماعية الضاغطة، سواء ببحث حال التعامل المصرفيّ مع المودعين واتخاذ الإجراءات التي تخفّف من معاناة المواطنين، فسمع اللبنانيون على هذا الصعيد ما هو أكثر من تنديد بالتظاهرات التي استهدفت المصارف ومصرف لبنان وما رافقها من شغب، إلى حد الدفاع عن السياسات المالية وتبريرها، وربط الأزمة بالإنفاق على الكهرباء، وعدم تقديم أي التزام مطمئن في تخفيف وطأة تحكم المصارف بودائع اللبنانيين؛ ومثلها في الشأن الأمني رفع الرئيس الحريري وتيرة الهجوم على متظاهري شارع الحمراء، مقابل تغاضيه عما يفعله متظاهروه الذين يقطعون الطرق خصوصاً في البقاع، وتمّ تداول مقاطع مسجلة لاعتداءاتهم التي ترافقها شتائم مذهبية تكفي لإشعال فتنة، بحيث بدا الحريري وقد جاء ليخوض معركته السياسية بلا ضوابط، بما فيها التغاضي عن العبث المذهبي وما يحمل من مخاطر، وردّ على مطالبيه بتفعيل حكومة تصريف الأعمال وفي طليعتهم رئيس مجلس النواب بقوله «أنا مش موظف عند حدا»، متجاهلاً أن كل عامل في الشأن الحكومي هو موظف عند الشعب اللبناني.

هذه السلبيّة العدائيّة وجدت صداها في مواقف الحريري من الرئيس المكلف والحكومة الجديدة، وجاءت تعليقاته المستفزة عن «شكّلوا حكومتكم» لتعكس العدائية التي عبّر عنها الحريري بمواقفه مع قوى الغالبية النيابية والرئيس الذي كلفته تشكيل الحكومة بعد انسحاب الحريري، الدكتور حسان دياب، وهذا منح الجهود التي يتولاها رئيس مجلس النواب نبيه بري لتسهيل عملية تأليف الحكومة الجديدة مزيداً من الدفع، لأن هناك مَن لا يبني قرار المواجهة على المواقف ولا على الوقائع، بل نيات مسبقة تفرض جعل مهمة تأليف الحكومة بأسرع ما يمكن، لأن لبنان يواجه فوق الأزمة الاقتصادية مسعىً سياسياً تصعيدياً يعبّر عنه عزم الحريري على فتح جبهة مواجهة بمعزل عن سعي الغالبية حتى اللحظة الأخيرة لترك مقعد رئاسة الحكومة شاغراً بانتظاره.

اليوم يفترض أن يستقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري الرئيس المكلف حسان دياب، وأن يبحث معه الملف الحكومي، ووفقاً لمصادر سياسية متابعة للملف الحكومي فإن الأولوية التي تتصدّر البحث هي حجم الحكومة بين صيغة الـ 18 وزيراً وصيغة الـ 24 وزيراً، خصوصاً مع السعي لتمثيل درزي يغطي الثنائية الدرزية التي يمثلها النائب طلال إرسلان والنائب السابق وليد جنبلاط، الذي كان قد طرح ترشيح رجل الأعمال وليد عساف للحكومة، قبل أن يعتذر عساف؛ أما الملف الثاني الذي لا يقلّ أهمية فيطال هواجس التيار الوطني الحر التي عرضها رئيس التيار وزير الخارجية جبران باسيل في لقائه مع بري، سواء بالنسبة للحقائب وتناسبها مع ما كان قائماً في الحكومة السابقة، أو بالنسبة لبعض الأسماء التي تثير حساسية التيار، بينما قالت المصادر إن الرئيس المكلف سيعرض أيضاً هواجسه تجاه توسيع الحكومة وفتح الباب لوضع فيتوات على اسماء يطرحها الرئيس المكلف ورفض أن يمتلك الرئيس المكلف هذا الحق، وهو ما لا يمكن أن يقبل به دياب. وتوقعت المصادر أن تنتهي جلسة بري ودياب لرسم مخطط توجيهي للحكومة يستوعب التفاهمات السابقة ويدوّر زوايا الخلافات بخيارات وبدائل تتيح جولة تشاور يفترض أن تنتهي مع نهاية الأسبوع ليتبلور المشهد النهائي للحكومة الجديدة.

في الشارع كانت تظاهرات بيروت تتجدّد بين واجهات المصارف وملاحقة موقوفي مواجهات أول أمس، وتتحوّل إلى مواجهات استمرّت حتى الليل بين المتظاهرين والقوى الأمنية، بينما كانت عمليات قطع الطرقات تتجدّد خارج العاصمة بصورة أثارت حالة من الرعب مع المشاهد المسجلة لما جرى في البقاع من تصرّفات وكلمات نابية مؤذية تحمل مشروع فتنة مذهبية، في غياب تام للقوى الأمنية التي تركت المواطنين رهائن لمزاج قطّاع الطرق.

وعلى وقع ارتفاع أسهم إعلان ولادة الحكومة خلال أيام قليلة الاثنين كحد أقصى، كما رجّحت مصادر عين التينة لـ”البناء”، تصاعدت وتيرة الاحتجاجات في الشارع في مختلف المناطق اللبنانية لا سيما في بيروت، تتطوّر بعضها الى اشتباكات ومعارك حية بين المحتجين والقوى الأمنية ومحاولات لاقتحام عدد من المؤسسات العامة والخاصة لا سيما مبنيي مصرف لبنان في بيروت وصيدا، وعدد من واجهات المصارف في مشهد بعيد عن المنطق، بحسب أوساط مطلعة لـ”البناء”، متسائلة ما الرابط بين انفجار الشارع بهذا الشكل العنفي وبين عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت وبين عودة المناخ الإيجابي على صعيد تأليف الحكومة؟ كما تساءلت عن مدى علاقة قرب ولادة الحكومة بتراجع سعر الدولار أمس، الى 2200 للشراء و2350 ليرة لبنانية للدولار الواحد للمبيع؟ فيما ربطت مصادر أخرى هذا الانخفاض التدريجي السريع لسعر الدولار باجتماع لجنة الاقتصاد النيابية مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة واجتماع الأخير مع نقابة الصرافين في لبنان، واللغط الشعبي الكبير والاحتجاجات على المصرف المركزي والمصارف ما يدعو للتساؤل: لماذا تأخر اجتماع لجنة الاقتصاد مع سلامة؟ ولماذا لم يبادر الحاكم سلامة بالاجتماع مع الصرافين منذ وقت سابق؟ ولماذا لم يستخدم صلاحياته بناء على قانون النقد والتسليف بإصدار تعليمات للصرافين بلجم ارتفاع سعر الصرف ومحاسبة المخالفين كما يخوّله القانون؟ ومَن تعمّد التلاعب بأسعار الدولار لاستخدامه سياسياً وحكومياً وتحقيق أرباح مالية كبيرة؟

أما المستغرَب فهو مواقف الرئيس الحريري أمس، الذي تغيّب بشكل متعمّد عن مسؤولياته الحكومية والوطنية، فبدلاً من أن يساهم في تخفيض حجم الأزمة ومعاناة المواطنين بتفعيل حكومة تصريف الأعمال يمارس سياسة الهروب إلى الأمام بتحميل مسؤولية الوضع السياسي والمالي والاقتصادي وتعطيل عمل الحكومات إلى التيار الوطني الحر، وأكثر من ذلك يقود حملة دفاع عن حاكم مصرف لبنان وسياساته وسياسة المصارف! أما الهدف بحسب مصادر نيابية لـ”البناء” فهو عرقلة تأليف الحكومة وتحريك مجموعاته من تيار المستقبل في الشارع لإحداث فتنة تدفع الرئيس دياب للاعتذار. وهذا ما حصل أمس في البقاع باعتداء بعض مجموعات المستقبل على سيارة فان لنقل الركاب، ما أثار توتر واستنفار لدى عائلات في البقاع.

وأوضح خبراء دستوريون لـ”البناء” أن “على حكومة تصريف الأعمال بموجب الدستور تصريف الأعمال بالمفهوم الضيق في الظروف الاستثنائية وما يمرّ به لبنان هو ظروف أكثر من استثنائية تستوجب توسيع المفهوم الضيق، وبالتالي على رئيس حكومة تصريف الأعمال عقد اجتماعات دورية للحكومة واتخاذ قرارات لمتابعة عمل الوزارات والمرافق العام والمؤسسات وتفعيل عمل أجهزة الرقابة لضبط أسعار السلع والدولار وضبط الوضع الأمني وغيرها من الإجراءات التي تخفف من وطأة الأزمة على البلد والمواطنين”. وأشارت معلومات “البناء” الى أن “رئيس حكومة تصريف الأعمال لم يوقع منذ استقالته في تشرين الاول الماضي حتى الآن إلا عشرة مراسيم وهذه فضيحة دستورية وسياسية”، مشيرة الى أنه للمرة الأولى في تاريخ لبنان تنصرف الحكومة عن مسؤوليتها في تصريف الأعمال”.

وعن طلب رياض سلامة صلاحيات استثنائية للمصرف لتنظيم العلاقة بين المصارف والمودعين أو ما يسمى بـ Control Capital، لفتت مصادر “البناء” الى أنها “محاولة من سلامة لمنح تغطية قانونية لممارسات المصارف في حجز أموال المودعين و”التشحيل” من أرباح الفوائد والدفاع عن المصارف بوجه الدعوى القانونية التي تُقام ضدها من قبل المودعين في الداخل والخارج”. وتضيف مصادر دستورية الى أن “مجلس النواب أو الحكومة الجهة المخولة منح الصلاحيات الاستثنائية للمصرف المركزي بموجب مشروع قانون بهدف حماية المصارف والمودعين من التعرّض لدعاوى ولحجز أموالهم خارج لبنان”، علماً أن الدعاوى القضائية تزايدت على المصارف في الآونة الأخيرة. فيما يرفض رئيسا الجمهورية والمجلس النيابي منح أي صلاحيات استثنائية لسلامة، فيما تحدثت معلومات عن اتجاه لدى أكثر من طرف سياسي لإقالة سلامة في الحكومة المقبلة، معلومات نفتها لـ”البناء” أوساط نيابية مقرّبة من مرجعية سياسية أساسية، مشيرة الى أن “لا اتجاه في الوقت الحالي لمثل هذا الإجراء وعند تأليف الحكومة ستحلّ نصف الأزمة ويتراجع سعر الدولار ويُعاد النظر ببعض السياسات المالية والنقدية والمصرفية”، إلا أن مصادر مصرفية أوضحت لقناة الـ”ال بي سي” أنّ السياسات المصرفية ليست بوارد أن تتغير حاليًا باعتبار أن الوضع ما زال على ما هو عليه، والمصارف بانتظار التعاميم التي ستصدر عن حاكم مصرف لبنان بعد الاتفاق عليها مع جمعية المصارف.

وكان محيط كورنيش المزرعة – ثكنة الحلو في شارع مار الياس في بيروت شهد معركة حقيقية بين المتظاهرين الذين تظاهروا لإخلاء سبيل الموقوفين بأحداث مصرف لبنان أمس الأول، وبين القوى الامنية، وحصلت عمليات كر وفر وأطلقت مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين أمام الثكنة. وسجّلت إصابات خلال الإشكال، كما أوقفت مكافحة الشغب بعض الشبان، وأُصيب عنصر أمني إصابة في الرأس. ورشق المحتجون مكافحة الشغب بحجارة كبيرة وبالمفرقعات.