Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر August 9, 2018
A A A
الحريري يجمّد مساعيه لتشكيل الحكومة… الرياض تدعو لانتظار الحكومة العراقية
الكاتب: البناء

التجاذب الحاد بين واشنطن ومَن يقف بوجه غطرستها من الخصوم والحلفاء بات عنوان المشهد الدولي والإقليمي، حيث السعودية وأموالها عصا تستخدمها الإدارة الأميركية لمعاقبة مَن يعترض الطريق، هكذا الحكومة معطّلة في لبنان والعراق، وهكذا ذهبت السعودية لسحب أموالها وطلابها ومرضاها من كندا، والسبب الظاهري هو «الرد السيادي» على مواقف كندية تتهم حكام الرياض بانتهاك حقوق الإنسان وتدعو لإطلاق معتقلين يتم احتجازهم بدون توجيه تهم وإحالتهم إلى القضاء، بينما كان تقرير حقوق الإنسان الذي تصدره وزارة الخارجية الأميركية كل سنة في نسخته الأخيرة قبل ستة شهور، وفي عهد الرئيس دونالد ترامب، قد وجّه اتهامات أشد قسوة للحكم السعودي، ولم يلق الضجة التي أثارها الكلام الكندي، وابتلع السعوديون ألسنتهم في الرد مكتفين بالقول إن التقرير ظالم. وكان التقرير الأميركي قد خصص عشرات الصفحات للتحدّث عن انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان بالحديث عن «عمليات القتل غير القانوني وعمليات الإعدام في غير الجرائم الأكثر خطورة ودون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، والتعذيب، والاعتقال والاحتجاز التعسفي للمحامين ونشطاء حقوق الإنسان والإصلاحيين المناهضين للحكومة والسجناء السياسيين، والتدخل التعسفي في الخصوصية».

مصادر على صلة بخفليات الأزمة الكندية السعودية ربطت بينها وبين التهديدات الأميركية لكندا بجعلها تندم لفرض رسوم موازية على البضائع الأميركية، وقيادة دعوات شعبية لمقاطعة البضائع الأميركية بعد فرض ضرائب أميركية على المستوردات الكندية من الحديد والصلب والألمنيوم، وردود رئيس وزراء كندا جانستن ترودو على كلمات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تطاول فيها على كندا مهدداً.

في العراق تسببت الضغوط الأميركية على رئيس الحكومة حيدر العبادي لإعلان التزام حكومته بالعقوبات الأميركية على إيران باستبعاده من لائحة المرشحين لرئاسة الحكومة الجديدة، بعدما نتج عن تصريحاته بالالتزام بالعقوبات خروج العديد من النواب والكتل الصغيرة من تكتل النصر الذي يترأسه، وتصدّع هذا التكتل، وصدور تصريحات من كتل نيابية وازنة أهمها كتلة الفتح التي يترأسها هادي العامري تدعو لاستبعاد العبادي عن لائحة مرشحي رئاسة الحكومة المقبلة، والذي فجّر بوجه العبادي غضب العراقيين هو الحاجة العراقية لاستجرار الطاقة الكهربائية من إيران، خصوصاً لمناطق جنوب العراق وقد توقفت منذ شهور لالتزام العبادي بعدم تحويل المستحقات المتوجبة لإيران بداعي العقوبات الأميركية، بينما يرى العراقيون كيف يبادر الرئيس التركي رجب أردوغان العضو في حلف الأطلسي إلى إعلان التمسك باتفاقيات استجرار الغاز الطبيعي من إيران وإبلاغ الرئيس الأميركي بعزمه على عدم الانصياع للعقوبات الأميركية..

لبنانياً، كشفت مصادر متابعة للملف الحكومي عن معطيات تقول بتوقف مساعي الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري للتواصل مع الكتل النيابية المعنية وتقديم المزيد من التصورات والسعي لبلورة حلول للعقد التي تمنع تشكيل الحكومة الجديدة. وقالت المصادر إن الحريري يعلم وجود نصائح سعودية بالتريث، ريثما تتبلور العقوبات الأميركية على إيران وتظهر تأثيراتها، وأن إشارة الانطلاق لتشكيل الحكومة اللبنانية، هي تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، بمثل ما تمّ تمديد ولاية المجلس النيابي بصورة ربطت الانتخابات النيابية اللبنانية بمثيلتها العراقية. ففي العراق يتمركز الأميركيون والإيرانيون وجهاً لوجه، والحكومة العراقية الجديدة ستعبّر عن التوازن الحاكم طرفي الصراع الذي سيحكم ملفات المنطقة حتى وقت غير قصير.
بات شبه مؤكد أن تأليف الحكومة مؤجل الى أجلٍ غير مُسمّى، هذه الأجواء التي خيّمت على المقار الرئاسية الثلاثة والتي يؤكدها العاملون على مسار التشكيل، إذ إن ليس الخارج من يتدخّل في المسار الحكومي فحسب، بل إن بعض الداخل يعمل على استدراج واستجرار تدخل الخارج الى مستنقع التأليف كما نقل زوار رئيس المجلس النيابي عنه أمس. وما شروط القوى السياسية إلا واجهة للتعطيل، فبينما حافظت بعبدا على موقفها من أزمة التأليف وتعمل لجنة دستورية – سياسية على درس كافة الخيارات المتاحة للتعامل مع الواقع الحكومي، بحسب ما علمت «البناء»، رغم أن الرئيس ميشال عون لا يزال متمسكاً بالتسوية الرئاسية ويسعى قدر الإمكان لإنجاح مهمة الرئيس المكلف، ولم يلحظ جدول مواعيد الرئيس المكلف أي لقاءات مع القوى السياسية خلال اليومين المقبلين بحسب معلومات «البناء»، رغم تأكيد أوساط بيت الوسط أن أبواب دارة سعد الحريري لم ولن تُوصد في وجه أحد، بل مفتوحة لمن يودّ زيارتها، لكن الرئيس المكلّف لن يُبادر للاتصال برئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، بحسب ما قالت الأوساط لـ»البناء»، «فهو لم يلتقِ بغيره من القوى كي يلتقيه»، فالحريري تضيف المصادر: «قام بأكثر من واجبه وتواصل مع كافة الكتل السياسية أكثر من مرة وعلى الآخرين مسؤولية أيضاً. وهو قدم أكثر من فكرة ورؤية لرئيس الجمهورية ولم تلقَ موافقته بسبب تمترس القوى السياسية خلف مطالبها وشروطها، فهل المطلوب أن يُقدِّم الحريري كل يوم مسودة الى رئيس الجمهورية؟ تجيب مصادر الحريري! وتضيف بأن «رئيس حكومة تصريف الأعمال لن يعتذر ومن يراهن على ذلك تحت ضغط خيارات تحرجه فتُخرِجه فلينتظر طويلاً»، مشددة على أن «تصعيد الأجواء لا يفيد والرئيس الحريري مستمرّ باعتماد سياسة الاحتواء والهدوء ولن ينجرّ الى السجالات»، ونفت الأوساط أن «يكون الحريري قد قصد فرنسا في إجازته الأخيرة التي استمرت يومين»، مشيرة الى أنه «ذهب في اجازة عائلية الى ايطاليا وما الهدف من إشاعة سفره الى فرنسا إلا اتهام السعودية بالتعطيل». كما لفتت الأوساط الى أن «حكومة الوفاق الوطني هي الخيار الأفضل لا الوحدة الوطنية التي تتطلب تمثيل جميع مكوّنات المجلس النيابي وهذا متعذّر».