Beirut weather 13.54 ° C
تاريخ النشر June 20, 2025
A A A
الحرب في خدمة التفاوض أم العكس؟
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

– عندما يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تأجيل اتخاذ قراره بالانضمام إلى الحرب الإسرائيلية على إيران أفسح في المجال أمام التفاوض واستكشاف وجود فرصة لحل دبلوماسي، لا يمكننا تجاهل أن التفاوض كان قائماً وأن المسار الدبلوماسي كان مفتوحاً عندما حدث ما يستدعي الحذر من حدوثه مجدداً، بعدما كشف ترامب نفسه ما كان سراً من أسرار الحب الإسرائيلية، وهو أنها كانت حرب ترامب نفسه، وهذا ما قاله بلسانه عندما اعتبر الحرب الإسرائيلية مجرد ترجمة عملية لمهلة الستين يوماً التي منحها ترامب لإيران للتوصل إلى اتفاق، وبقيت برأيه تمانع في قبول شروطه رغم انتهاء المهلة، بحيث كان التفاوض مجرد غطاء لاستكمال الاستعدادات لجولة الحرب الأولى التي نفذتها “إسرائيل”، فما الذي يمنع أن تكون مهلة التفاوض الجديدة مجرد غطاء لاستكمال الاستعدادات لجولة الحرب الثانية التي يفترض أن تنفذها أميركا؟

– التعقيدات التي منعت جولة المفاوضات السابقة من التوصل إلى اتفاق لا تزال قائمة، وإيران لا تزال تتمسّك بما تعتبره حقوقها الثابتة وفي طليعتها حقها بتخصيب اليورانيوم، وترامب لا يزال يرفض ذلك قطعاً، هذا إذا افترضنا أن ترامب عاد إلى شروطه السابقة بالامتناع عن تخصيب اليورانيوم في إيران، وهو رفع سقف شروطه خلال الحرب بالحديث عن استسلام غير مشروط، حده الأدنى تفكيك كامل البرنامج النووي لإيران، وربما يتصاعد نحو تفكيك البرنامج الصاروخي وقطع العلاقات بقوى المقاومة أيضاً، ما يعني بين الحد الأدنى الأدنى والحد الأدنى الجديد وصولاً إلى الحد الأقصى لا أفق لإحداث اختراق تفاوضي، فلماذا المهلة إذن والنتيجة معلومة من الآن، إن لم تكن مهلة لجهة غير إيران، مهلة للقوات الأميركيّة لاستكمال استعداداتها التي تصل إلى المنطقة تباعاً وتحتاج مزيداً من الوقت، ومهلة للمؤسسات السياسية الأميركية لتأمين تغطية كافية للحرب التي تثير انقسامات عميقة حتى داخل الإدارة والحزب الجمهوري والشارع.

– لكن بالمقابل أليست هي مهلة للمزيد من التدقيق بفرص خوض جولة رابحة من الحرب، وإعادة حسابات الكلفة والعائدات، بعدما استنفدت الضربة الأولى رغم كل ما أنجزته من إلحاق الأذى المادي والمعنوي بإيران، فرص إطلاق كرة ثلج أمنية وعسكرية وسياسية، والذي يجري يقول العكس تماماً فقد نجحت إيران باحتواء الضربة الأولى واستعادت تماسك مؤسساتها العسكرية والأمنية والسياسية، استنهضت وضعها الشعبي، ووحدتها الداخلية، ونقلت الأزمة إلى الضفة الإسرائيلية عبر استهدافات وازنة ومؤلمة ومدروسة وألحق إصابات بالغة بالمؤسسات العسكريّة والأمنيّة في كيان الاحتلال ومنشآت هذه المؤسسات، وأثارت الرعب في قلوب المستوطنين وزرعت الدمار في شوارع تجارية في قلب تل أبيب وأحياء العاصمة الفخمة، وقد أحالت بعضها الى دمار قارن كثير من المستوطنين بينه وبين حال جباليا الفلسطينية المدمّرة شمال غزة، بما يرسم علامات استفهام كبرى حول ما تستطيع الحرب الأميركية فعله.

– أقصى ما تستطيع الحرب الأميركية فعله هو إخراج بنيامين نتنياهو من مأزق الطريق المسدود لحربه، ونقل هذا المأزق إلى الكاهل الأميركي، والنقاش لا يدور حول قدرة أميركا على إلحاق الأذى بإيران، وهذا مُسلَّم به، بل حول إمكانية تحويل الأذى في السياسة إلى منجزات، سواء بتدحرج أزمة الحرب على شكل كرة نار إيرانية داخلية تضعضع النظام الإسلامي وتطرح مصيره على بساط البحث، كما فعلت ثنائيّة الحرب والعقوبات في سورية، أو تؤدي إلى إضعاف النظام إلى الحد الذي يُجبره على قبول شروط الاستسلام التي طلبها ترامب، وكل ما يدور في الحرب يقول إن مثل هذه الرهانات قد أصبحت وراء ظهر إيران، فهل يدخل ترامب الحرب ليتلقى الضربات بدلاً من نتنياهو؟

– ما كان بيد إيران فعله وهي تدرك أن أميركا صانعة قرار الحرب عليها، أرجأت فعله وربطت ذلك بانخراط أميركا في الحرب، من استهداف القواعد الأميركيّة وتعريض حياة 40 ألف جندي أميركي ومعداتهم وأساطيلهم للخطر، إلى إغلاق مضيق هرمز وسائر الممرات المائية في المنطقة والتسبب بأزمة طاقة عالميّة يرتفع معها سعر برميل النفط إلى ما فوق الـ100$ وربما الى الـ 400$، هذا عدا عن فرضية إعلان تغيير العقيدة النووية والذهاب لإنتاج سلاح نوويّ.

– واقعياً يبدو تريّث ترامب تحت عنوان إعادة حساب، وإعادة تقييم لمساري الحرب والتفاوض، وتوظيف كل منهما في خدمة الآخر، وصولاً إلى ترجيح كفة على كفة، وهذا ما لا يبدو أنه حُسم حتى الآن، وربما يصبح أكثر وضوحاً بعد انتهاء المفاوضات الأوروبية مع إيران والمقرّرة اليوم.