Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر October 11, 2019
A A A
الحدث في شمال سوريا… والنحيب في تل أبيب!
الكاتب: علي حيدر - الأخبار

يأتي موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المتعاطف مع القوى الكردية في شمال شرق سوريا، امتداداً للرهان الإسرائيلي التقليدي على الورقة الكردية كخيار تقسيمي للبيئة الإقليمية، بهدف إعادة إنتاج خارطة سياسية جديدة، ومعادلات تستند إلى تحالفات تُعزّز فيها إسرائيل موقعها الاستراتيجي في المنطقة. كذلك، تعكس ردود الفعل الإسرائيلية التي غلبت عليها الخيبة إزاء نتائج تخلّي الولايات المتحدة عن حليفها الكردي، مستوى القلق الذي بات يهيمن على المشهد السياسي الإسرائيلي حيال مستقبل التطورات على الساحتين السورية والإقليمية، إذ تبدو تل أبيب كما لو أنها في سباق مع تسارع هذه التطورات في الاتجاه المعاكس لمِا كانت تسعى إليه، الأمر الذي يدفع مسؤوليها إلى رفع مستوى التحذيرات من التعرض لضربات قاسية، والحثّ على رصد المزيد من الموازنات استعداداً للسيناريوات الأشدّ خطورة.

لم تُخفِ إسرائيل تبنّيها الخيار الكردي الانفصالي منذ ستينيات القرن الماضي. وقد شكّل هذا الموقف جزءاً أساسياً من «استراتيجية دول الطوق» التي رسمها مؤسس إسرائيل ديفيد بن غوريون. وتقوم هذه الاستراتيجية على التحالف مع الأطراف المحيطة بالعالم العربي، مثل: إيران الشاه، وتركيا، والأكراد. واستمر القادة الإسرائيليون في تبنّي هذه العقيدة في كلّ التحولات التي شهدتها البيئة الإقليمية، وصولاً إلى نتنياهو الذي قدم صورة مفصّلة عن عقيدته الاستراتيجية، في كلمة له أمام «معهد أبحاث الأمن القومي» عام 2014، حيث أعرب بشكل صريح عن أن إسرائيل تؤيد تطلّع «كردستان» نحو الاستقلال السياسي، ثم ترجم هذا التوجه بالإعلان عن تأييد استفتاء الانفصال في «كردستان العراق» عام 2017. وقد عمد المسؤولون الإسرائيليون في حينه إلى إجراء اتصالات دولية بهدف بلورة موقف دولي داعم للانفصال.

تدرك تل أبيب أن مشاريع التقسيم في المنطقة تحتاج إلى احتضان إقليمي ودولي، وإلا فلا أفق لها في المدى المنظور. وبحكم الخارطة السياسية الإقليمية الحالية، فإن مثل هذا الاحتضان غير متوافر، أو بعبارة أدق فإن التوازنات تحدّ من مفاعيل أيّ دعم قد تتلقاه هذه المشاريع. ولعلّ أبرز مثال على تلك الحقيقة هو فشل المشروع الانفصالي الكردي في شمال العراق قبل أكثر من سنتين، على رغم ما جنّدته إسرائيل من علاقات لصالح هذا المخطط. كذلك، شكّل الانكفاء الأميركي عن الساحتين السورية والإقليمية ضربة قاصمة للمخططات التقسيمية، في وقت تشتدّ فيه حاجة إسرائيل إلى النفوذ الأميركي في ضوء تصاعد قوة محور المقاومة الذي يزداد ترابطاً. وعلى وقع تلك التطورات، تبلور اقتناع في تل أبيب بأن المستجدّ السوري ــ الكردي ــ التركي يأتي في سياق تشكل شرق أوسط جديد، تبدو فيه الولايات المتحدة كأنها غير موجودة. وعلى هذه الخلفية، توالت ردود الفعل الإسرائيلية التي أجمعت على خطورة المشهد الإقليمي الراهن.
ولعلّ من أبرز من عكسوا تلك الصورة عضو «الكنيست» عن كتلة «أزرق أبيض»، عوفر شيلح، الذي رأى أن الأحداث التي يشهدها الشمال السوري تشير إلى أن الولايات المتحدة تواصل الهروب من الشرق الأوسط، غامزاً من قناة نتنياهو بالقول إن «ترامب وبوتين يأخذان الصور معه، ولكنهما يرتّبان سوريا مع أردوغان وروحاني». وأضاف شيلح أنه نتيجة فشل نتنياهو سيتبلور «محور شر» يحيط بإسرائيل من الشمال، معتبراً أنه لو نشبت حرب ولم يقتصر الأمر على الفشل السياسي لكانت تشكّلت لجنة تحقيق حكومية منذ فترة طويلة. في السياق نفسه، وصف عضو «الكنيست» يائير غولان، ونائب رئيس أركان الجيش السابق، ما يجري بأنه «تطور سلبي جداً» بالنسبة إلى إسرائيل، موضحاً ذلك بالقول إن الأكراد هم «قوة إيجابية لنا في مقابل النظام السوري والوجود الإيراني، وثقل مضاد في مواجهة الأتراك»، مستنتجاً أن الضربة التي تتلقاها الأحزاب الكردية تعني «زيادة قوة النظام السوري، وحلفائه، أي إيران». وبمنتهى الصراحة، لفت غولان إلى أن «وجود جسم كردي، قسم في العراق وقسم في سوريا، يشكّل ثقلاً مضاداً لكل الجهات الأخرى»، لكن في أعقاب ما يجري «سنحصل على أكراد أضعف، وليس هناك فراغ في الطبيعة». وتابع أن هذه التطورات ستزيد بشكل غير مباشر من أهمية تنسيقنا مع روسيا. وأما بخصوص الدعوات إلى دعم الأكراد، فنبّه إلى أن إسرائيل «دولة صغيرة»، وليست لديها القدرات لتقديم دعم مهم للقوات الكردية، وأن أي دعم قد تقدمه لن يغير الصورة.
ولم تقتصر ردود الفعل المؤيدة للأحزاب الكردية على المستويين السياسي والإعلامي، بل امتدّت إلى قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، حيث أرسل أكثر من 100 ضابط احتياط رسالة إلى نتنياهو ورئيس الأركان أفيف كوخافي، دعوهما فيها إلى عدم اتخاذ موقف المتفرج، وبذل كل جهد مستطاع من أجل «منع وقوع مذبحة بحق الشعب الكردي» في شمال سوريا. ورأى الضباط أن بمقدور إسرائيل اتخاذ العديد من الخطوات من أجل مساعدة المقاتلين الأكراد، ومنها ممارسة الضغوط الدولية، وتزويدهم بالمعلومات الاستخبارية، وأن بإمكان إسرائيل القيام بذلك من دون تعريض حياة الجنود الإسرائيليين للخطر.