Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر May 23, 2018
A A A
الحائط المسدود: أزمة تأليف أم أزمة حكم
الكاتب: د. عامر مشموشي - اللواء

اليوم الأربعاء يلتئم مجلس النواب المنتخب من الشعب اللبناني، وينتخب بأكثرية كبيرة الرئيس نبيه برّي المرشح الوحيد لرئاسة المجلس، وينتخب معه النائب ايلي الفرزلي الذي بات يحظى بتأييد الثنائي الشيعي وتكتل لبنان القوي التابع للتيار الوطني الحر ومعظم النواب المستقلين والذين هم خارج 8 و14 آذار، نائباً له، كذلك ينتخب أميني السر وأعضاء مكتب المجلس وفق التوزيع الذي تمّ الاتفاق عليه مسبقاً، لتبدأ بعدها مرحلة تسمية الرئيس الذي سيُكلف بتشكيل حكومة العهد الأولى.

وكما أعلنت مصادر القصر الجمهوري، تبدأ استشارات التكليف يوم الاثنين المقبل، ويبدو حتى الآن أن المرشح الوحيد لتشكيل الحكومة هو رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الذي يحظى بتأييد معظم الكتل الكبيرة في المجلس النيابي ككتلة الوفاء للمقاومة وكتلة حركة أمل وكتلة الجمهورية القوية، إضافة إلى كتلة المستقبل وحتى كتلة اللقاء الديمقراطي التي يتزعمها النائب تيمور جنبلاط وتضم تسعة نواب.

إذن هناك شبه إجماع على تكليف الرئيس الحريري تشكيل حكومة العهد الأولى، ولكن لا شيء ينبئ بأن هذه الكتل الطامحة في الحصول على حصة وازنة في الحكومة العتيدة مستعدة للتنازل عن طموحاتها لتسهيل مهمة الرئيس الحريري في تشكيل حكومته بالسرعة التي يريدها هو ورئيس الجمهورية لتحصين لبنان في وجه التحديات الكثيرة والكبيرة التي تواجهها المنطقة كلها من دون استثناء بعدما رفعت الولايات المتحدة سقف العقوبات على إيران وعلى ذراعها العسكري في لبنان حزب الله وتجاوبت معها المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج، وكيف يُمكن للرئيس المكلف الذي ترشح لرئاسة الحكومة على أساس واضح وهو اعتماد سياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة قولاً وفعلاً، كيف يمكنه ان يتعاون في حكومة واحدة مع حزب لبناني موضوع على لائحة الإرهاب الدولي من قبل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومعها دول الخليج الأخرى، من دون أن ينسف مبدأه القائم على سياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة قولاً وفعلاً؟

وإذا كان هذا الواقع يُشكّل أكبر عقدة في طريق تشكيل حكومة العهد لا يستطيع الرئيس الحريري تجاهلها أو القفز فوقها نظراً لعلاقاته العميقة مع المملكة العربية السعودية ومع الدول الخليجية الأخرى، فهو أيضاً لا يستطيع بأي حال من الأحوال تلبية شروط حزب الله ومعه حركة أمل في الاحتفاظ كبند أول بحقيبة وزارة المال ليكون للطائفة الشيعية حق التوقيع الثالث خلافاً لاتفاق الطائف الذي قسم السلطات بين الطوائف الثلاث بحيث كرّس رئاسة الجمهورية للمسيحيين ورئاسة مجلس النواب للطائفة الشيعية ورئاسة الحكومة للطائفة السنية ولم يأت من بعيد أو من قريب على ذكر توزيع الوزارات على الطوائف، فماذا يعني كل ذلك فضلاً عن التمسك بشرط الجيش والشعب والمقاومة؟

أول ما يتبادر إلى ذهن المواطن هو ان رحلة التأليف هي أصعب مما يتصورها الرئيس الحريري وبعض القوى الأخرى كالتيار الوطني الحر وحزب الله، بقدر ما هي محفوفة بالصعوبات والعراقيل والمطبات والشروط المضادة، فضلا عن الحسابات الإقليمية والدولية التي دخلت على خط التأليف، الأمر الذي يجعل المتابعين لمسار تشكيل الحكومة يميلون إلى التشاؤم بإمكانية التشكيل ويعتقدون بناء على ما سبق ذكره ان رحلة العذاب ستكون طويلة وقد تبقى بضعة أشهر إذا لم يكن أكثر من ذلك بكثير، ولا يستبعد هؤلاء إمكانية اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة ودخول البلاد في الفراغ المميت.