Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر December 13, 2025
A A A
الجبال اللبنانيّة: ثروة بيئيّة في خطر بين استغلال غير مسؤول وتشريعات غائبة
الكاتب: شانتال عاصي - الديار

تحظى جبال لبنان بأهمية استثنائية على صعيد البيئة والهوية الوطنية. فهي ليست مجرد مساحات طبيعية يمكن زيارتها في عطلة نهاية الأسبوع، بل تمثل هوية لبنان ذاته؛ ثلوجها تغذي مصادر المياه، وهي منقٍ طبيعي للهواء، كما تحمل ثروة جيولوجية وبيئية لا تُقدر بثمن. ومع ذلك، تشهد هذه القمم في السنوات الأخيرة انتهاكات وتعديات متزايدة، من مقالع وكسارات إلى مشاريع استثمارية وعمرانية، وصولًا إلى ممارسات بشرية مضرة مثل الصيد العشوائي والتحطيب الجائر والسياحة غير المنظمة، ما يضع مستقبل هذه البيئة الغنية في خطر حقيقي.

التداعيات البيئية للانتهاكات والتعديات

تؤدي الانتهاكات والتعديات على قمم الجبال اللبنانية إلى سلسلة من التداعيات البيئية السلبية التي تهدد النظم البيئية المتكاملة وتؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في حياة الإنسان والكائنات الحية. فعلى سبيل المثال، استمرارية عمليات الكسارات والمقالع تسبب تدمير الغطاء النباتي الطبيعي الذي يؤدي دورًا حيويًا في تثبيت التربة ومنع انجرافها، مما يؤدي إلى زيادة تآكل التربة وانجراف الرواسب إلى الأنهار والجداول. هذا التآكل يؤثر بشكل مباشر في نوعية المياه السطحية والجوفية، ويزيد من احتمالية تلوث مصادر المياه التي يعتمد عليها السكان المحليون والزراعة.

إضافة إلى ذلك، فإن المشاريع العمرانية والاستثمارية غير المنظمة تشكل تهديدًا للنظم البيئية الحساسة، حيث يتم تحويل الأراضي الطبيعية إلى مناطق مبنية، ما يؤدي إلى فقدان الموائل الطبيعية للكائنات الحية. هذا الأمر يتسبب بتهجير العديد من الحيوانات والنباتات التي تعتمد على هذه البيئات للبقاء على قيد الحياة، ويؤدي إلى تراجع التنوع البيولوجي الذي يعد عنصرًا أساسيًا لاستقرار البيئة وصحة النظم الإيكولوجية.

كما أن هذه التعديات تؤثر في دورة المياه الطبيعية في الجبال، حيث يساهم الغطاء النباتي في امتصاص مياه الأمطار وتنظيم تدفقها نحو الوديان والأنهار. تدمير الغطاء النباتي يرفع خطر حدوث الفيضانات والسيول المفاجئة، ويزيد من هشاشة التربة أمام الانهيارات الأرضية، ما يهدد البنى التحتية والمجتمعات القريبة. وعليه، فإن الانتهاكات لا تقتصر على فقدان المناظر الطبيعية فقط، بل تمتد لتشمل تهديد الأمن المائي والغذائي واستقرار النظم البيئية بأكملها.

التأثيرات المناخية والجيولوجية

لا تقتصر أضرار الانتهاكات على التغيرات البيئية فحسب، بل تمتد لتشمل تأثيرات مناخية وجيولوجية خطرة، تهدد التوازن الطبيعي للجبال والمناطق المحيطة بها. فالقضاء على الغطاء النباتي في قمم الجبال لا يؤدي فقط إلى فقدان الجمال الطبيعي، بل يساهم أيضًا في زيادة درجات الحرارة المحلية. النباتات والغابات تؤدي دورًا حيويًا في تنظيم المناخ المحلي من خلال عملية التبخر ونقل الرطوبة إلى الغلاف الجوي، وبالتالي فإن تدميرها يقلل قدرة البيئة على تبريد الهواء، ما يؤدي إلى موجات حر أكثر حدة وتأثيرات مناخية غير مستقرة.

إضافة إلى ذلك، يؤدي إزالة الغطاء النباتي إلى ضعف التربة وجعلها أكثر عرضة للانهيارات الأرضية والسيول المفاجئة، خاصة بعد الأمطار الغزيرة أو الثلوج الذائبة. هذه الظواهر لا تهدد البيئة الطبيعية فحسب، بل تشكل خطراً حقيقيًا على المجتمعات السكنية والبنية التحتية الواقعة أسفل المنحدرات الجبلية، مما يزيد من احتمالية حدوث كوارث طبيعية قد تكون مدمرة.

كما أن الصيد العشوائي والتحطيب الجائر لهما تأثير طويل الأمد في القدرة المناخية للغابات. الغابات تعمل كمصارف طبيعية للكربون، إذ تمتص ثاني أكسيد الكربون من الجو وتقلل من آثار الاحتباس الحراري. وعندما تُستنزف هذه الغابات، تتراجع قدرتها على امتصاص الكربون، ما يساهم في زيادة تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وبالتالي يفاقم ظاهرة التغير المناخي على نطاق محلي وعالمي.

بالإضافة لذلك، فإن التعديات البشرية تؤدي إلى تغييرات في الدورة الهيدرولوجية للجبال، حيث تتأثر كمية ونوعية المياه المتدفقة إلى الأنهار والوديان، ما يزيد من تكرار الفيضانات والجفاف في المناطق المحيطة، ويضعف قدرة البيئة على التعافي الذاتي. هذه التغيرات المتراكمة تشير إلى أن الانتهاكات البشرية ليست مجرد مشكلة محلية، بل تشكل تهديدًا واسع النطاق لاستقرار البيئة والمناخ في لبنان.

الحاجة الماسة لتشريعات حماية الجبال

في ظل تزايد الانتهاكات والتعديات على قمم الجبال اللبنانية، تبرز الحاجة الماسة إلى وضع تشريعات واضحة وملزمة تحمي هذه البيئات الحساسة. فقد أكدت جمعية الأرض لبنان على أن حماية قمم الجبال ليست مجرد مسألة تنظيمية، بل واجب وطني وبيئي لا يمكن تأجيله. إن استمرار التعديات من مقالع وكسارات، والطموحات العمرانية غير المنظمة، والصيد العشوائي، والتحطيب الجائر، يجعل التشريع القانوني ضرورة قصوى لضمان استدامة الموارد الطبيعية والحفاظ على التنوع البيولوجي في لبنان.

تأتي أهمية مشروع قانون حماية قمم جبال لبنان، الذي أعدته الجمعية منذ آذار 2024، من كونه يضع إطارًا قانونيًا لحماية هذه القمم من التعديات البشرية، ويحدد العقوبات والإجراءات القانونية اللازمة لمنع أي انتهاك قد يلحق ضررًا بالنظم البيئية. كما يضع القانون ضوابط للاستثمار والتنمية في المناطق الجبلية، بما يضمن توافق المشاريع مع المعايير البيئية ويحمي الموائل الطبيعية للكائنات الحية.

إضافة إلى ذلك، فإن وجود قانون ملزم يساهم في تعزيز قدرة لبنان على مواجهة التحديات المناخية والبيئية المستقبلية، مثل التغير المناخي، والسيول المفاجئة، والانهيارات الأرضية، وغيرها من الظواهر التي تهدد استقرار البيئة والمجتمعات المحلية. التشريع ليس فقط أداة حماية للطبيعة، بل أيضًا وسيلة لضمان استدامة الموارد المائية والغابات، والمحافظة على هوية لبنان البيئية والتراثية للأجيال القادمة.

إلى ذلك، تُظهر الانتهاكات المستمرة لقمم الجبال اللبنانية حجم الخطر الذي يهدد البيئة والطبيعة، بدءًا من التعديات العمرانية والمقالع وصولًا إلى الصيد العشوائي والتحطيب الجائر والسياحة غير المنظمة. هذه الانتهاكات لا تؤثر فقط في المناظر الطبيعية، بل تمتد لتشمل التنوع البيولوجي، وجودة المياه، والاستقرار المناخي والجيولوجي للمناطق المحيطة.

من هنا، يصبح من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة وملزمة لحماية هذه القمم، عبر تشريعات وقوانين واضحة، مثل مشروع قانون حماية قمم جبال لبنان، لضمان استدامة الموارد الطبيعية وحماية النظم البيئية الحساسة. حماية الجبال ليست رفاهية، بل استثمار في مستقبل لبنان البيئي والاجتماعي، وصون لهويته الطبيعية وتراثه للأجيال القادمة.