Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر January 21, 2025
A A A
الثنائي لجمهوره: لماذا الإحباط؟ موازين الداخل لم تتغير
الكاتب: ليندا مشلب

كتبت ليندا مشلب في “لبنان الكبير”

“الجميلُ أن تجدَ الأزماتُ حلولاً. السيِّئُ ألّا تجدَ الأزماتُ حلولاً. الأسوأ أن تَجدَ الأزماتُ حلولاً ولا تُطَبّقُ. والكارثةُ أن تُغتالَ عَمداً جميعُ الحلولِ ما إِن تلوحُ في الأفْقِ. لبنان اجتاز الحالاتِ الثلاثَ الأولى واستقرَّ للأسفِ في الحالةِ الرابعة”.

الكلام للوزير الراحل سجعان قزي في افتتاحيّة جريدة “النهار” في 22 أيلول 2022، تحت عنوان: “الاعتراف بنهائيّة الخصوصية اللبنانيّة”.

كان لبنان آنذاك يستعد للدخول في الفراغ الرئاسي من دون أي أفق، والأزمات تتقاذفه من كل حدب وصوب من دون أن تجد أي من أزماته الجرارة بوادر حل نتيجة الكباش السياسي الداخلي واضطرابات المنطقة.

اليوم وبعد ما حصل من أحداث ضخمة غير مسبوقة وتحولات سريعة، هل لا زال لبنان مستقراً في الحالة الرابعة، وماذا عن خصوصيته العصية على فرض واقع يتماشى مع التحولات؟

فرضت الحرب على لبنان ونتائجها المعطوفة على سقوط النظام في سوريا وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مشهداً داخلياً أوحى بتغيير موازين الداخل وبدء مرحلة أنهت عشرين عاماً من معادلات سياسية كانت فيها الشيعية السياسية هي المهيمنة. ومع بدء التحول الكبير في المشهد السياسي كثر الحديث عن تراكم خسارات للثنائي، بلغت ذروتها في يوم تكليف الرئيس نواف سلام الاثنين ١٣ كانون الثاني ليعمّ جو من الإحباط الشيعي انتشر كالنار في الهشيم.

مصدر رفيع في ثنائي “أمل” – “حزب الله” أشار لموقع “لبنان الكبير” إلى أن الجو العام لا يعبّر عن الواقع، فمن المبكر جداً تقييم المرحلة وإدخالها في مقارنة مع ما سبقها، لجهة تأثير الثنائي بالخيارات في تشكيل حكومة وسلطات، وهذا لا يعني وسط هذه التبدلات الكبرى أن القوة التمثيلية للثنائي ضعفت إلى حد أن المطلوب منها الالتحاق أو الانعزال، هذا الشعور غير صحيح وهناك موجة هادفة ومغرضة تقصدت ترويج هذا الجو، والاعلام دخل اللعبة وفرض مناخاً له تأثير نفسي غير عقلاني وللأسف حتى الاعلام الموالي استدرج اليه، لكن الواقع مختلف تماماً هناك معادلات سياسية تفرض نفسها، وهناك فرق بين نوايا الطرف الآخر والحقيقة، ففي لبنان لا يمكن الاحتكام أبداً إلى النوايا التي قلما تصل إلى التجسيد على الأرض.

وفنّد المصدر عدم التغيير في صناعة الواقع السياسي بالتالي:

أولاً: تمثيل هذا البلد حسب تركيبة نظامه السياسي، فيه معادلات، مركبة من التوازنات الطائفية وضمن الطائفية المذهبية، وعلى حسابات سياسية تتوزع فيها ائتلافات مختلفة.

ثانياً: نحن كخيار سياسي مرتبط بالمقاومة ومواجهة الهيمنة ورفض الوصايات والتبعية للخارج، نحتكم الى قواعد أساسية في خياراتنا، ومع التغيرات التي حصلت وانعكست على الداخل أصبحنا متفردين، ولم يعد يجرؤ أحد في الداخل على القول إن قراره حر إلا نحن، ولنعد إلى الأيام العشرة الأخيرة من انتخاب رئيس للجمهورية وصولاً إلى اختيار رئيس حكومة، ماذا كانت مواقف الفرقاء السياسيين وكيف تبدلت، وما هي الأسباب؟ خصوصاً من يتحدث دائماً بالسيادة ويرفض التدخلات الخارجية والوصاية. فيصبح السؤال الموجه اليهم: من فرض عليهم انتخاب العماد جوزاف عون وكيف حصلت الضغوط لتغيير المواقف والخيارات؟ وهذا ليس تحليلاً، بل وقائع لا يمكن لهم نكرانها. لم يعد باستطاعة أحد أن يرفع راية حرية قرار أو رفض وصاية أو سيادة.

ثالثاً: نحن لنا تحالفاتنا وخياراتنا الداخلية ولم تملَ علينا، ولكن عندما وجدنا أن البلد سيصل إلى أزمة بتعذر الانتخاب تصرفنا بطريقة مرنة، وحسابات مصلحة وتجاوزنا اعتبارات دستورية ولم نقبل الفرض نتيجة إملاء خارجي، وأكدنا أن لا مشكلة لدينا بالشخص لكن رسمنا مساراً سياسياً معه، مسار له علاقة بتشكيل حكومة وبشخص رئيس حكومة جديد… ومرحلة جديدة لها علاقة باستكمال المواجهة مع اسرائيل لجهة استكمال انسحابها وإعادة الإعمار وعدم السماح بالدخول إلى المعادلة الداخلية انطلاقاً من تفاهم وقف إطلاق النار.

رابعاً: لا أحد يفكر أن تفسير الاتفاق يغني عن استراتيجية دفاعية ويضع موضوع سلاح المقاومة ضمن الاتفاق، هذا البند مختلف وهو داخلي لا علاقة لاسرائيل به… والـ ١٧٠١ تنفيذه فقط جنوب الليطاني والدول الراعية وافقت على هذا الأمر.

نحن في لبنان، يقول المصدر، ولا أحد يستغبي الآخر، كل المنازل من زجاج، والأمور مكشوفة فكلنا يعرف بعضنا البعض، نعرف من تدخل والسر وما أخفى، لا بأس التعليمة جاءت لكن يمكن استثمارها لمصلحة البلد، شرط احترام قواعد النظام السياسي، والتمثيل والميثاقية، الأحجام والأوزان السياسية في البرلمان الذي تتمثل فيه الطائفة الشيعية بكتلتي “التنمية والتحرير” و”الوفاء للمقاومة” ومن يقول غير ذلك ملتبسة عليه الأمور، أما من يريد غير ذلك فلينتظر الانتخابات المقبلة قبل أن يحكم، إذاً لماذا الإحباط؟ يسأل المصدر جمهور المقاومة.

صحيح الحرب ثمنها كان مؤلماً، لكن إذا نظرنا إلى نتائجها، خصوصاً بعد غزة، أثبتنا للعالم أننا نصارع عدواً، لا يخفي حقيقته ولا مشروعه، وكشفنا للعالم أجمع طبيعته الاجرامية، توحشه والوسائل التي يعتمدها وتتجاوز القوانين والأنظمة والانسانية وحقوق الإنسان، كما كشفنا من يروّج لنفسه على المستوى العالمي أنه حامٍ لكل هذه القيم، كما أننا أفشلنا الأهداف التي وضعها العدو لنفسه من الجنوب إلى غزة، وبمقارنة بسيطة القضية التي استشهدنا من أجلها كسبت وهو خسر أهدافه، لا حروب من دون أثمان ونحن دفعنا أثماناً باهظة لكن الحروب تقاس بالنتائج وليس بالأثمان، فقدنا ما لا يعوض لكننا أثبتنا قوة المقاومة في الحضور والمصداقية في إسناد القضية الفلسطينية. وما كان يعده الاسرائيلي لنا لا علاقة له بغزة، غزة كشفته ولو ترك بما كان يعده بانتظار لحظة ما يفاجئ بها المقاومة في لبنان، لكانت النتائج كارثية أكثر، وكان يمكن أن تقضي على المقاومة، أما الآن فالمعادلة هي أن لا أحد يستطيع إسقاط خيار المقاومة طالما هناك احتلال وأطماع، والتطرف الذي عبّر عنه قياديون في اسرائيل يمثل ثقافة المشروع الصهيوني، ومرتكزاته الأيديولوجية ونظرته المستقبلية.

وبما خص خسارة سوريا، فهذا الموضوع له علاقة بصراع كبير، أكبر من المعادلات الداخلية ولا يعني أبداً أنه قابل للاستثمار في الداخل. دورنا في سوريا كان دفع الأخطار عن لبنان، وما زلنا نشكل ضمانة في أي تطورات قد تحصل لأن سوريا وضعها مفتوح.

وخلص المصدر الى القول: في الداخل وضمن التركيبة لا يمكن تجاوزنا ولا مشروعية لحكومة ولأي سلطة سياسية من دوننا، ولا يمكن معالجة مشكلات البلد من دوننا، اختلطت الأوراق صحيح لكن الموازين هي هي، خصوصاً أن من اجتمعوا بوجهنا هم مختلفون أصلاً بين بعضهم البعض. وشعور الإحباط ناجم عن ضغوط نفسية وليس عقلانياً، نحن خارجون من حرب قاسية لكن لا أحد يتآمر علينا، لا السعودية ولا فرنسا ولا الولايات المتحدة والاتصالات الأخيرة مع الدول الراعية لتفاهم وقف إطلاق النار، لم يلمس فيها المفاوضون ولا الوسطاء أي إشارة تصب في مشروع تجاوز قوتين تمثيليتين وازنتين في الطائفة، ضمن النظام السياسي القائم. مررنا بمحطات صعبة كثيراً وبنية النظام وتركيبة المجتمع فرضتا أن نكون شركاء أقوياء. اما سلاحنا فلا نقاش فيه حالياً لأن من المبكر رسم سياسة التعاطي مع التطورات، ولن نبني على فرضيات.

وكشف المصدر أن قرار الثنائي هو التعاطي بروح الايجابية مع العهد طالما التوازنات لا مساس فيها ولا بتركيبة النظام والميثاق والطائف. المهم أن ما اعتبرناه خللاً بالالتزامات التي أعطيت لنا والذي نتج عنه انطباع سلبي، يجب أن يتم تصحيحه من خلال التشاور والالتزام بالمضمون والعودة إلى المسار السياسي الذي رسم عشية انتخاب الرئيس.

ولنعتبر هذه المرحلة مرحلة اختبار… وسيبنى على الشيء مقتضاه.