Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر May 10, 2018
A A A
التيار الوطني الحر تراجع متنياً وفوجئ بتدني نسبة الاقتراع
الكاتب: محمد شقير - الحياة

أظهرت نتائج الانتخابات النيابية في دائرة المتن الشمالي (جبل لبنان) تراجعاً ملحوظاً لـ «التيار الوطني الحر» قياساً إلى ما كان عليه وضعه في دورة الانتخابات السابقة، وهذا ما تبين جلياً من خلال خسارته مقعدين مارونيين على رغم أن تحالفه وحزبي «الطاشناق» و «السوري القومي الاجتماعي» بقي ثابتاً مطعماً هذه المرة برجل الأعمال سركيس سركيس.

فاللائحة التي تزعمها «التيار الوطني» حصدت 4 مقاعد نيابية: الماروني إبراهيم كنعان والأرمني هاغوب بقرادونيان والأرثوذكسي الياس بو صعب والكاثوليكي إدي معلوف، في مقابل 4 مقاعد: مارونيين لـ «الكتائب» هما رئيسه سامي الجميل والياس حنكش وماروني ثالث لمرشح حزب «القوات اللبنانية» إدي أبي اللمع، والأرثوذكسي لنائب رئيس الحكومة السابق النائب ميشال المر الذي خرق اللوائح الثلاث وحل ثانياً بالصوت التفضيلي بعد الجميل على رغم أنه خاض المعركة على رأس لائحة غير مكتملة.

ويكون «التيار الوطني» خسر هذه المرة مقعدين مارونيين كان شغلهما سليم سلهب ونبيل نقولا، إضافة إلى أن لائحته نالت 38 ألف صوت، أي بأقل من عشرة آلاف صوت مما نالته في الدورة السابقة، بينما نالت لائحة «الكتائب» أكثر من 17 ألف صوت ولائحة «القوات» أقل من 14 ألف صوت ولائحة المر أكثر من 14 ألف صوت.

كما أن اللائحة التي نافست «التيار الوطني» في الدورة السابقة نالت نحو 45 ألف صوت هي حصيلة تحالف المر و «الكتائب» و «القوات» وسركيس، إضافة إلى أن عدد المقترعين في الانتخابات الحالية تجاوز الـ92 ألف صوت، أي بأقل من 6 آلاف صوت عن الدورة السابقة، هذا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن عدد الناخبين سجل زيادة ملحوظة مع انضمام آلاف الشبان والشابات إليهم ممن لم يشاركوا في الانتخابات السابقة وبات يحق لهم الاقتراع لبلوغهم السن القانونية.

وعلمت «الحياة» من مصادر سياسية متعددة محسوبة على القوى والشخصيات التي ترشحت لخوض الانتخابات، بأن «التيار الوطني» كان يتوقع أن يقترع نحو 115 ألف مقترع وهذا ما لم يتحقق، على رغم أن انضمام المتمول سركيس إلى لائحته أمن له أكثر من 4500 صوت هي الأصوات التفضيلية التي حصل عليها.

وأكدت المصادر السياسية نفسها أن «التيار الوطني» بنى تقديراته على مجموعة من «الحواصل السياسية» التي يمكن، بحسب اعتقاده، أن تشكل دفعاً له يترجم في صناديق الاقتراع ومنها أن لائحته تخوض الانتخابات باسم العهد، وهذا ما تصدر لوحاته الترويجية لتأييد لوائحه في الدوائر التي خاض فيها الانتخابات وكتب عليها «صوتك للعهد ليتحقق الوعد».

ولفتت المصادر إلى أن إصرار رئيس «التيار الوطني» الوزير جبران باسيل على تطعيم لائحته برجل الأعمال سركيس لم يلق تجاوباً من جمهوره ومحازبيه التواقين للإصلاح والتغيير، وهذا ما انعكس مقاطعة شريحة واسعة منهم للانتخابات، وقالت إن ماكينته الانتخابية أخطأت في تقدير الحجم الانتخابي للمر واعتقدت أنها قادرة على محاصرته وإلغائه في صناديق الاقتراع من خلال الضغط على رؤساء بلديات في المتن وتهديدهم بفتح ملفاتهم، لكنها لم تتوقع أن يحدث رد فعل لمصلحته.

واعتبرت المصادر عينها أن استعمال نفوذ «التيار الوطني» في داخل السلطة وبعض مؤسساتها لم يكن في محله. وعزت السبب إلى أن الناخبين قرروا الانتصار للديموقراطية في مواجهة المظلومية التي لحقت بقوى سياسية. وقالت إن باسيل دفع ثمن تشتت الأصوات «القومية الاجتماعية» التي توزعت بين 3 مرشحين على لائحته هم المرشحين من أصول وجذور قومية الياس بو صعب وكورين قبلان الأشقر ابنة رئيس بلدية ضبية، ومرشح الحزب غسان الأشقر، إضافة إلى أن مرشح القومي الاجتماعي ميلاد السبعلي (يرأس الحزب علي حيدر) حصد أصواتاً لا بأس بها، وبادر أثناء العملية الانتخابية إلى الطلب من ناخبيه بتجيير أصواتهم التفضيلية لمصلحة المر.

وكشفت المصادر أنه كانت هناك فرصة لمنع تشتيت الصوت «القومي الاجتماعي»، وقالت إن السبعلي بادر عن حسن نية للقاء قيادة الحزب برئاسة حنا الناشف في حضور النائب أسعد حردان، مبدياً استعداده للعزوف عن خوض الانتخابات لمصلحة غسان الأشقر على أن يترشح الأخير على لائحة المر لأن بانضمامه ستتمكن لائحته من تأمين أكثر من حاصلين وبالتالي فإن فوزه سيكون مضموناً إلى جانب المر.

لكن الناشف وحردان لم يأخذا – كما تقول المصادر – بنصيحة السبعلي بذريعة أن لدى الحزب القدرة على تجيير 7 آلاف صوت لمصلحة الأشقر ويمكن أن يرتفع الرقم إلى 9 آلاف من خلال تنشيط الماكينة الانتخابية للحزب.

وقالت المصادر في معرض تحليلها لموقف الناشف وحردان إن قيادة الحزب كانت تميل، بطلب من بو صعب، ترشيح الوزير السابق فادي عبود بديلاً عن الأشقر لكن كبار المسؤولين فيه أصروا على ترشيح الأخير وهذا ما أدى إلى بلبلة في صفوف «القوميين الاجتماعيين»، وبعضهم عبّر عن احتجاجه بعدم الإقبال على صناديق الاقتراع، رافضين الانتقال إلى الضفة الأخرى المناوئة للائحة التيار.

وكشفت أن جورج جرداق مدير مكتب بو صعب، وهو متزوج ابنة النائب حردان تمكن من اجتذاب أصوات «قومية اجتماعية» للاقتراع لمصلحته وهذا ما أدى إلى خفض الصوت التفضيلي للأشقر الذي نال نحو 2700 صوت.

أما على صعيد «الطاشناق»، فإن توقعاته بأن يقترع حوالى 12 ألف أرمني في المتن لم تكن في محلها، وقد اقترع أكثر من 7 آلاف لمصلحة اللائحة المدعومة منه في مقابل تأييد أقل من ألفين للمر، والبقية كانت من نصيب اللوائح الأخرى وأبرزها اللائحة التي تضم مرشحين عن المجتمع المدني.

وتردد أن نسبة الاقتراع الأرمني تراجعت بسبب اضطرار أكثر من ألفي أرمني كانوا ينتقلون من حلب في سورية للاقتراع لمصلحة «الطاشناق» للهجرة بسبب الحرب الدائرة في سورية.

وفي المقابل، فإن «القوات» سجل تقدماً ملحوظاً في كسب المزيد من المقترعين لمصلحة لائحته. وعزت السبب إلى جملة عوامل أبرزها أن اللائحة ضمت مرشحين هما من رحم «الكتائب» الكاثوليكي ميشال مكتف والماروني رازح وديع الحاج ابن شقيق الرئيس السابق لـ «الكتائب» منير الحاج، إضافة إلى أنه نجح في كسب مؤيدين جدد معظمهم من الشبان والشابات، بينما كان يتوقع «الكتائب» حصول لائحته على 22 ألف صوت لكن الرقم تراجع إلى 17 ألفاً ما مكنه من تأمين حاصلين.

لذلك، لم يكن من سبب لتراجع «التيار الوطني» في المتن الشمالي سوى أنه اعتمد على «الحواصل السياسية» التي يمكن، مع وصول مؤسسه العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة، أن ترفع من حجمه الانتخابي بدلاً من أن يركز على «الحواصل الرقمية» التي كانت وراء خسارته مقعدين مارونيين، إضافة إلى تذمر محازبين له من شعاراته الإصلاحية والتغييرية التي بقيت مجرد أقوال ولم تأخذ طريقها إلى التنفيذ. وربما يكمن أحد الأسباب أيضاً في عدم تبرير جمهور التيار تطعيم لوائحه بمتمولين ورجال أعمال على حساب مشاركين في تأسيس «التيار» وممن تعرضوا إلى الملاحقة والسجن إبان عهد الوصاية السورية.