Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر June 28, 2019
A A A
التقارير الدولية جرس إنذار أو رفع مسؤولية؟
الكاتب: سابين عويس - النهار

محقّ وزير المال علي حسن خليل في قوله إن التقرير الاخير لوكالة التصنيف الدولية “موديز” يحتاج الى قراءة متأنية، ذلك ان التقرير المفصل الذي أصدرته الوكالة أول من أمس، بعد أقل من أربعة أشهر على تقريرها السابق الذي خفضت فيه تصنيف لبنان الى درجة غير مسبوقة هي “ccc-1″، يأتي بمثابة جرس إنذار أخير توجهه الوكالة الدولية الى السلطات اللبنانية، لاستدراك ما يمكن استدراكه ومنع الوصول الى الخيارات الموجعة التي تودي بالبلاد نحو الافلاس او ما سمته التخلف عن السداد. علما ان وكالات التصنيف ترمي من وراء تقاريرها الى إطلاع المستثمرين وحملة الأسهم والسندات اللبنانية على حقيقة الاوضاع المالية.

في أول تعليق له على التقرير الذي أوصى بإعادة جدولة الدين تحت طائلة تخلف لبنان عن السداد، قال وزير المال ان “الامور تحت السيطرة”.

هو نفسه وزير المال الذي كان كشف في كانون الثاني الماضي عن خطة لوزارة المال “للتصحيح المالي الطوعي، تشمل اعادة هيكلة الدين العام”، عاد فصححها بالقول “اعادة جدولة الدين”.

فهل تأتي نصيحة “موديز” بناء على كلام خليل او ان الامور باتت فعلا تحت السيطرة ولا حاجة بالتالي الى إعادة الجدولة؟

ليس في تسارع وتيرة التقارير الدولية المحذرة من المخاطر المالية المحدقة بلبنان في ظل استمرار التأخر في اقرار موازنة 2019، وتخلف لبنان عن تنفيذ تعهداته الاصلاحية، إلا مؤشر حقيقي للمخاطر التي بلغتها المالية العامة من جهة والقطاع المالي من جهة أخرى. وإذا كانت تلك الوتيرة المتسارعة تهدف الى أن تشكل جرس إنذار للسلطات اللبنانية للتعجيل في اتخاذ القرارات المطلوبة، فإن هذه السلطات تبدو كأنها في حال من السبات، غير مدركة أو غير مقدرة لحجم تلك المخاطر التي تكشفها الأرقام والمؤشرات المالية والاقتصادية، رغم عمليات التجميل التي تمارسها السلطات لإخفاء حقيقة الواقع. والحال أنه كان يمكن لبنان تجنب كل تلك التقارير لو تم إنجاز مشروع موازنة 2018 بسرعة، بدلا من الإفراط في الدرس والتمحيص لمشروع لم يبق أمام تنفيذه إلا خمسة أشهر، سيكون متعذرا التزام أرقامه في ضوء ما تحقق في النصف الاول من السنة، من جهة، وفي ظل التوقعات الواقعية بنمو لا يتجاوز الصفر. ذلك ان نموا يوازي صفرا يعني تعذر تحقيق نمو في الايرادات او في الاستثمارات التي تولد النمو، ما يعني استطرادا تعذر تحقيق خفض لنسبة العجز الى المستوى المقدر في مشروع الموازنة والبالغ 7,6 في المئة.

والواقع أن الخطر الاساسي لا يكمن فقط في نسبة العجز المرتفعة المحققة في 2018، بل في عجز ميزان المدفوعات الذي سجل رقما غير مسبوق عام 2018 بلغ 4,8 مليارات دولار. وجاءت أرقام العجز في الاشهر الاربعة الاولى من السنة غير مسبوقة بدورها، إذ بلغت 4 مليارات، أي أن العجز المحقق في 4 أشهر يوازي ما تحقق في 12 شهرا! فيما تراجع صافي الموجودات الخارجية للمصارف المحلية (وفق موديز) بما مجموعه 22 مليار دولار.

وسط هذا المناخ المأزوم، لا تخفف تطمينات المسؤولين، وأبرزها على لسان وزير المال وحاكم المصرف المركزي من قلق المستثمرين واللبنانيين عموما في ظل استمرار حال المماطلة والتراخي في المصادقة على موازنة 2019 والشروع في مشروع 2020، والافراج عن ارقام المالية العامة في الاشهر الخمسة الاولى من السنة، بما يعطي الاشارات الجدية المطلوبة الى الاسواق والمانحين ويسمح بتقويم وضع المالية العام لما تبقى من السنة في ظل ما تحقق، علما أن حاكم مصرف لبنان كان أعلن أن الارقام مقبولة لكنه لم يفصح عنها. وكانت وزارة المال كشفت أخيرا أرقام شهر كانون الاول الماضي بما أتاح إجراء التقويم النهائي للعام المنصرم. لكن كانت المفارقة ان الايرادات استمرت في منحاها التراجعي فيما تراجع الانفاق في مكمنين، هما الكهرباء حيث بلغت التحويلات 195 مليار ليرة مقابل 278 مليارا في الشهر عينه من العام 2017، و374 مليارا في تشرين الثاني 2018، وهذا يعني أمرين: اما التزام الحكومة قرارها خفض السلف لمؤسسة الكهرباء واما إخفاء حجم هذه السلف. والامر الثاني هو خفض كلفة خدمة الدين العام ليبلغ في كانون الاول الماضي 419 مليارا، مقابل 1423 مليارا في تشرين الثاني 2018. وهذا يعود في شكل أساسي الى موعد استحقاقات السداد التي قد تختلف بين موعد وآخر.