Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر July 20, 2016
A A A
التصدّي للارهاب يصطدم بمصالح الدول الكبرى
الكاتب: صونيا رزق - الديار

لا شك في ان ملف الارهاب بات يشكل خطراً جسيماً على كل المجتمعات العربية والغربية، بعدما اصبح يتنقل من بلد الى آخر تحت عناوين دينية متطرفة، لا تحوي إلا القتل بأبشع انواعه  ليحصد الضحايا البريئة. وكان المشهد الذي عاشته بلدة القاع البقاعية الحدودية قبل فترة وجيزة خير مثال على ذلك، من خلال تكرار العمليات الانتحارية خلال ساعات معدودة. اما على الصعيد الغربي، فقد عاشت فرنسا بدورها اصعب لحظات الموت منذ ايام، من خلال عمليات الدهس التي طالت ابرياء في مدينة نيس خلال احتفالهم بالعيد الوطني الفرنسي، وكان سبق ذلك سلسلة اعتداءات شهدتها بلدان في العالمين العربي والاوروبي، وعلى ما يبدو فإن الارهاب مستمر حتى بات هاجسه مسيطراً على العالم بأسره، لانه يتنقل من دون أي رادع له، لان عنوانه عمليات انتحارية لا يستطيع احد ايقافها…

وللاطلاع على مفهوم الارهاب وهواجسه، اجرت «الديار» حديثاَ مع استاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة القديس بولس والباحث في مركز دراسة الصراعات في اوتاوا ـ كندا الدكتور مارك ابو عبدالله،  فأشار الى ان الإرهاب ليس ظاهرة جديدة او حتى غريبة عن تاريخ الإنسانية، فهو إحدى أهم وسائل القتال التي يلجأ إليها شعب ما او دولة ما. اما اليوم فتتبنى العمليات الارهابية كما هو معروف  مجموعات إسلامية متطرّفة. لكن السؤال البديهي الذي يُطرح هو مَن ساهم في ظهور تلك المجموعات؟، ويقول: «هناك عدة عوامل وراء ذلك، تبدأ اولاً في التفسير الخاطئ لعدد كبير من الآيات القرآنية، والتي غالباَ ما توضع خارج إطارها الزماني والمكاني. اما العامل الثاني فيتمثل في وجود أنظمة استبدادية قائمة على التسّلط والعنصرية وتكريس الانقسامات العرقية والمذهبية والطبقية.  أي أنظمة لم تحقق أي شيء يُذكر في مجال الإنماء وتأمين مستلزمات العيش الكريم من ماء وكهرباء وفرص عمل وحرية فكرية وشخصية. يُضاف إلى ذلك عامل ثالث يتمثل بالصراع الفارسي – العربي الذي يعود في تاريخه الى القرن السادس ميلادياً، والذي يُساهم اليوم بصورة أساسية في وجود ونموّ  تلك المجموعات».

ويرى ابو عبدالله بأن دور ايران في منطقة الشرق المتوسط واستخدامها للأقليات الشيعية لتنفيذ مشاريعها التوسعية، ساهم في تغذية المشاعر المذهبية من جهة، وفي تهديد العديد من الانظمة التي تسكن دولها غالبية سنيّة. وامام عجز تلك الانظمة ولأسباب بُنيوية عديدة عن استيعاب حالة الغضب الشعبي والمواجهة، نمت على أطراف تلك الانظمة فطريات المجموعات الارهابية. وأضحت بالتالي كل محاولة جدّية لمحاربة تلك المجموعات الإرهابية تمثل تهديداَ محورياً  لتلك الأنظمة. يُضاف إلى هذه العوامل الدور المتعدد الأوجه للدول الكبرى التي تحاول الاستفادة قدر المستطاع من تلك المجموعات، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.

وفي هذا الإطار يتابع ابو عبدالله: «بأننا نرى الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لتنظيم القاعدة، وكان ذلك من أجل تحقيق هدفين رئيسييّن: الهاء الاتحاد السوفياتي وتأمين مصالحها النفطية في منطقة الخليج. وعلى الرغم من تبدّل المصالح الاستراتيجية مع سقوط الاتحاد السوفياتي، لم تتبدل كثيراً السياسة الاميركية تجاه هكذا نوع من المنظمات. ولكن لا يمكننا القاء كامل المسؤولية على الولايات المتحدة ومن ورائها الغرب، فكل دولة ولتأمين مصالحها تلجأ الى كامل الوسائل المتاحة والممكنة، من دون أي اعتبار للمبادئ والقيم الإنسانية، والأمثلة على ذلك كثيرة، أكانت من الغرب ام من الشرق. ومن اوجه دور الدول الغربية في تعاظم دور الإرهاب هو في طريقة تعاطيها مع الجاليات المسلمة في الغرب. فنظراً لمبادئ فصل الدين عن الدولة ولحرية المعتقد، تركت تلك الدول كامل الحرية للمسلمين لتنظيم شؤونهم الدينية، ما جعل عملية اندماج ابناء تلك الجاليات المسلمة بالمجتمعات الغربية صعبة جداَ. فلم يبق  امامهم سوى الرجوع والتطرّف في تطبيق شعائرهم، من أجل مواجهة النتائج السلبية لعدم الاندماج.

ورداً على سؤال حول كيفية التصّدي للمجموعات الارهابية المنتشرة، قال ابو عبدالله: «انطلاقاَ من تعدّد الأسباب نرى أنه ومن أجل القضاء على تلك المجموعات والأفكار المتطرّفة يجب أن تتعدد الوسائل، ولكن هذا لا نراه للأسف اليوم. فالمؤسسات الدينية الإسلامية لا تقوم بدورها المطلوب في هذا المجال، وهي المطالبة اصلاً بلعب دور محوري في هذا الشأن. فلا يكفي توصيف ما هو الاسلام الحقيقي وما هو الاسلام الخاطئ، فلا أحد على وجه الأرض يملك صفة تخوّله القيام بذلك. فعلى تلك المؤسسات العمل على تفسير الآيات القرآنية التي تتخذ منها الجماعات المتطرفة اساساً شرعياً لها، وعليها الاجابة عن اسئلة جوهرية. أضف الى ذلك وقوف تلك المؤسسات عاجزة عن فعل اي شيء عملي، في حين نرى الكنيسة في الغرب وتحديداً الكاثوليكية منها، تقوم بمبادرات عملية كإستقبال بعض اللاجئين كي لا تأخذ الحرب طابعاَ دينياَ وتجعل المسيحيين في العالم فريسة سهلة، نرى في المقابل وكأن المؤسسات الدينية الإسلامية قد استقالت من مهامها. أما الأنظمة الاستبدادية فنرى استعدادها الدائم للاستفادة من المجموعات المتطرّفة. نظراَ للتشابه القائم بينهما، مستمدة بذلك شرعية لوجودها واستمراريتها من خلال وجود واستمرارية تلك المجموعات. وبالتالي ترفض تلك الانظمة القضاء نهائياً على تلك المجموعات لأنها ستفقد بذلك سبباً من اسباب وجودها. اما في ما يخص دور الصراع الفارسي- العربي، فيبدو من خلال بعض المعطيات التاريخية، أنه غالباً ما يتخذ من منطقة الشرق الأوسط مسرحاً له. وبالنسبة للدول الكبرى فتستفيد سياسياً من وجود تلك المجموعات التي تؤمن لها حيّزاً يسمح لها بالتدخل في شؤون المنطقة، من دون ان ننسى كيف تحاول بعض الاحزاب في تلك الدول الاستفادة من تلك المجموعات، كونها تشكّل ناخباَ اساسياَ في اي نوع من الانتخابات».

وختم: «انطلاقا مما تقدم لا تبدو الارادة  قوية من اجل محاربة تلك المجموعات، ما يعني وبكلام آخر إن الحرب على الإرهاب لم تبدأ فعلياً بعد…»!