Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر December 14, 2023
A A A
التشريع قائم بشروط بري والسيناريو الأسوأ للجيش في عهدة الحكومة
الكاتب: سابين عويس - النهار

لا تختلف الحماوة السائدة اليوم حول ملف قيادة الجيش تعييناً لقائد جديد أو تمديداً للقائد قبيل إحالته على التقاعد عن تلك التي سادت في محطتين سابقتين، الاولى خلال البحث في موقع قيادة المديرية العامة للأمن العام مع احالة اللواء عباس ابرهيم على التقاعد، والثانية عند انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي السابق رياض سلامة. لكن ما يختلف هو الموقع اولاً والظروف الدقيقة والحساسة ثانياً.

في حالتي ابرهيم وسلامة، كانت المشكلة تكمن في الخوف من شغور موقع أمني مهم ودقيق وأساسي، وموقع نقدي يمثل السلطة النقدية المعنية بتنظيم القطاع المالي وتحصين العملة الوطنية وحماية الاستقرار النقدي. لم يشكل الموقعان خطراً داهماً نظراً إلى وجود بدائل في المؤسستين. فكان تكليف اللواء إلياس البيسري بإدارة الامن العام، وكان تكليف النائب الاول للحاكم وسيم منصوري مهمات الحاكمية.

يختلف الوضع كثيراً في قيادة الجيش، اولا من حيث اهمية الموقع الذي يشكل أعلى سلطة عسكرية في البلاد مهمتها حمايتها وتحصين الاستقرار، ولا سيما في ظروف استثنائية تحتم جهوزية كاملة على مستوى هذه المؤسسة، وثانياً من حيث الخشية من عدم وجود مجلس عسكري مكتمل قادر على الحلول محل القائد منعاً لأي شغور محتمل. لكن المشكلة ان التعامل مع هذا الاستحقاق لا يتم انطلاقا من هذه العوامل، بل من حسابات خاصة تتكشف نيّات اصحابها مع اقتراب موعد الاستحقاق. ففي حين يحمل رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل مسؤولية تعطيل خيار التمديد لقائد الجيش جوزف عون لاسباب تتصل في جوهرها بالصراع بينهما على الرئاسة وعلى زعامة التيار في ظل الاستطلاعات التي تؤكد شعبية عون لدى القاعدة العونية، ثمة من لا يأخذ اعتبارات الشغور في الحسبان انطلاقا من عدم خشيته من الفراغ بل تكيّفه معه بعدما نجح بفعل التجربة والممارسة في تثبيت نفوذه وسلطته على الدولة ومؤسساتها من دون ان يكون في موقع تحمّل المسؤولية.

وعليه، يصبح الفراغ خياراً صالحاً لهذا الفريق يعزز فيه الانقسام المسيحي والتشتت الذي ادى ولا يزال إلى خسارة الفريق المسيحي مكاسبه في الدولة، على نحو يعبّد الطريق امام ارساء النظام السياسي الجديد وفق ميزان قوى جديد ليس بعيداً ان تكون لنتائج حرب غزة مفاعيلها عليه.

حتى الآن، لا تزال الصورة مبهمة حيال ما سيكون عليه المخرج وسط تداول كثيف بمجموعة من السيناريوات التي تراوح ما بين السيىء والأسوأ في ظل عملية تقاذف فاقعة للمسؤوليات، سيكون لجلسة المجلس النيابي اليوم دورها في بلورة السيناريو الذي سيُعتمد، علماً ان كل المعلومات تصب في اتجاه ترحيل قرار البت إلى الحكومة، في جلسة ستعقدها غداً الجمعة.

الجلسة التشريعية ستعقد اليوم وعلى جدول أعمالها المدروس جداً والمفخخ جداً 103 بنود معظمها تعود لملفات شائكة ومثيرة للنقاش الطويل والعقيم.

كل المواقف التي سبقت الجلسة تشي بأن البنود المتعلقة بالتمديد لقائد الجيش لن ترى النور، اقله لن يصل اليها النقاش في جلسة اليوم. واذا حصل الأمر فإن التوجه هو نحو طلب بري من النواب المتقدمين باقتراحات قوانين العمل على دمجها واعادة درسها في اللجان، نظراً إلى التناقضات والملاحظات التي تشوبها.

لا يشكل نصاب الجلسة اي مشكلة طالما التزمت “القوات اللبنانية” الحضور، وان كان موقفها داخل الجلسة من النقاشات يحدد في حينه، ويكون رهن ادارة الجلسة. ومصادرها تؤكد انه يخطىء من يعتقد انها سقطت في فخ او مكمن، يجعلها متنكرة لموقفها من التشريع في ظل الشغور الرئاسي، معتبرة ان منطلقاتها وطنية وتأخذ في الاعتبار المصلحة الوطنية المهددة اليوم، ما يجعلها، وبحكم التفويض الشعبي المعطى لها، ترتقي بتفسير الدستور لمسألة التشريع، على النحو الذي يضمن حماية المؤسسة العسكرية ويجنبها الفراغ. أما إذا تم اسقاط اقتراح القانون الذي قدمه تكتل “الجمهورية القوية”، فعندها لا يمكن ان تُحمّل مسؤولية الفراغ.

على المقلب الحكومي، الصورة ليست أبهى. اذ في حين يشارك “التيار الوطني الحر” في الجلسة التشريعية، لا يشارك في جلسة الحكومة. والحال عينها بالنسبة إلى “حزب الله” الذي سيحضر الجلسة النيابية لكنه حتى الآن لن يشارك في جلسة مجلس الوزراء، واذا شارك لا يصوت.

في رأي مصادر سياسية ان المهلة التي أعطاها رئيس المجلس نبيه بري لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، عبر تمديد جلسات التشريع ليومين ليتسنى للحكومة الانعقاد، تؤشر إلى ان بري الذي يفضل بتّ الملف في الحكومة، لن يتوانى عن تلقفه ولكن بعد ان يستنفد قدرة مجلس الوزراء. هذا لا يعني ان تلقف الملف وعرضه في الجلسة سيؤدي إلى اقراره، ولكنه يتيح لبري ان يقول “اللهم إني قمتُ بما في قدرتي”، مانحاً ميقاتي “pass”، إذا نجح في اجتيازه، يكون “كفى الله المؤمنين شر القتال”، وإلا، فإن البلاد ستكون مقبلة على فصل جديد من الكباش وشد الحبال، غير محمود العواقب.