Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر November 14, 2018
A A A
«التشريع في ظل حكومة تصريف أعمال وخيار التفعيل»
الكاتب: د. مازن ع. خطاب - اللواء
خلصنا في الجزء الأوّل من هذه المطالعة، إلى أنّه في ظل حكومة تصريف أعمال، لا حظر دستورياً لانعقاد المجلس النيابي، متى كان يتوجّب عليه إقرار القوانين، التي تفرضها حالة الضرورة، على ألا يكون جدول أعماله فضفاضاً.
يتواتر طرح تفعيل حكومة تصريف الأعمال بهدف «تعويمها» لتعذّر تأليف حكومة جديدة، بالاستناد إلى سوابق تاريخية، ومصطلح «تعويم» لم ينص عليه الدستور، في أي موضوع أو مادة أو إشارة، بل يمكن اعتباره حالة سياسية تقوم على «إنعاش» حكومة أصبحت متداعية، وبحكم «الميّت سريرياً»، ما يُتيح لها استعادة اجتماعاتها في مركزها، ونشاطات وزرائها خارجه، كما لو أنّها لم تعد مستقيلة، ويستند المنظّرون في طرحهم إلى سابقتين حصلتا في مرحلة ما قبل «اتفاق الطائف»، في العامين 1979 و1987، وعليه، هناك عدّة جوانب يجب الإحاطة بها في هذا الخصوص.
السابقة الأولى وقعت إثر استقالة الحكومة الأولى للرئيس سليم الحص في 19 نيسان 1978، بعد انهيار الوضع الأمني في البلاد، في عهد رئيس الجمهورية الياس سركيس. آنذاك أعاد الرئيس سركيس تكليف الرئيس الحص في 28 نيسان، إلا أنّ الظروف لم تسعفه بسبب التناحر على التمثيل فيها، بين أفرقاء نزاعات ذلك الزمان. وبعد مُدّة تصريف للأعمال زادت على الـ 7 أشهر، انتهى الأمر إلى تعويم الحكومة المستقيلة، وفق آلية وُضِعَتْ بالتفاهم بين الرؤساء، حيث أبلغ الرئيس الحص إلى الرئيس سركيس اعتذاره عن عدم تأليف الحكومة الجديدة، فسحب الرئيس منه التكليف، وتراجع عن قبول الاستقالة، فاستعادت الحكومة المستقيلة دورها وشرعيتها كأنّ شيئاً لم يحدث.
السابقة الثانية حصلت إثر اغتيال رئيس الحكومة الشهيد رشيد كرامي عام 1987، على الفور اعتُبِرَتْ الحكومة ساقطة بوفاة رئيسها، ولم يكن في وسع رئيس الجمهورية يومذاك، أمين الجميل تأليف حكومة جديدة تخلّفها. انتهى الأمر بأنْ يخلف الوزير السنّي الثاني في الحكومة المستقيلة، الرئيس سليم الحص، رئيسها الراحل، على أنْ يصير إلى توليه تصريف الأعمال إلى حين تأليف حكومة جديدة. أصدر الجميّل مرسوم تعويمها بموافقة دار الفتوى وشخصيات سياسية، فكانت السابقة.
مذّاك، انتفت حالات تعويم الحكومة المستقيلة، بعدما دخل «اتفاق الطائف» حيّز التنفيذ ورسم حدوداً حالت دون هرطقة التعويم، كما حصل في السابقتين: أوّلها، إنّ رئيس الجمهورية لم يعد مرجعية تسمية الرئيس المكلّف تأليف الحكومة، بل مجلس النوّاب عملاً بالمادة 53 من الدستور، التي تدعوه إلى إجراء استشارات نيابية ملزمة بنتائجها، يُطلع رئيس مجلس النوّاب رسمياً عليها، ثم يتولّى إبلاغ الشخصية المعنية تكليفها.
وعليه، ليس رئيس الجمهورية مَنْ يمنح التكليف، وبالتالي ليس له أنْ يسحبه، وليس للرئيس المكلف عندما تتعثّر مهمته، سوى أنْ يعتذر عن عدم التأليف، لا أنْ يتراجع عن استقالة حكومته السابقة. وبذلك أتت المادة 53 من الدستور وتبعاتها تفادياً لتكرار ما حدث عام 1979.
وثانيها، اعتبار الحكومة مستقيلة حكماً عند وفاة رئيسها، تبعاً لما نصّت عليه المادة 69 من الدستور، تفادياً لاستعادة ما حدث عام 1987.
اليوم، لا يمكن دستورياً تعويم حكومة تصريف الأعمال، التي هي بحكم المستقيلة، لأنّ رئيسها أصبح مكلّفاً تأليف حكومة جديدة، ولا يمكنه أنْ يعود عن استقالته، لأنّها أتت بحكم الدستور، الذي حدّد في المادة 69 منه، أن الحكومة تُعتبر مستقيلة حُكماً بعد إجراء انتخابات نيابية جديدة، وبالتالي استقالة الحكومة هي بحُكم النص الدستوري، الذي لا يمكن خرقه بأي قرار أو مرسوم من أي نوع كان، وبذلك يكون كل كلام عن تعويمها «هذيان» وكلام غير دستوري.
وبخصوص «تفعيل» حكومة تصريف الأعمال عبر اجتماعها في مجلس الوزراء، فذلك لا يجوز لأنّها أصبحت في حكم المستقيلة، إلا أنّ هناك اجتهادات تجيز لحكومة تصريف الأعمال أنْ تلتئم لمعالجة حالات استثنائية جداً تتعلق بمصلحة البلاد العليا، أي جهة حالة طوارئ أو مواجهة حالة حرب أو مواجهة حالات خطيرة، ولكن الدستور لم ينص على ذلك صراحةً وترك المجال للاجتهاد.
وفي ظل العواصف السياسية والاقتصادية على الساحة الداخلية والإقليمية والعالمية، لا يبقى سوى استجماع إرادة سياسية وطنية تدفع باتجاه تأليف حكومة جديدة، وبأسرع وقت لتمكين الوطن من مواجهة التحديات المقبلة.