Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر February 7, 2023
A A A
التسعير بالدولار شرّ لا بد منه: هل تلغي الدولرة الليرة!
الكاتب: سلوى بعلبكي - النهار

 

ما ان توقفت ترددات الهزة الأرضية التي أصابت تركيا وتمدد تأثيرها الجيولوجي إلى لبنان، حتى عاد اللبنانيون الى همّ “هزاتهم” المحلية غير المستوردة، في السياسة والإقتصاد. عادوا الى الهمّ اليومي، والبحث في مصير القرارات والمستجدات الاقتصادية والمالية، التي أعلنها الأسبوع المنصرم وزير الاقتصاد أمين سلام، وتحديدا خوفهم المشروع من حصول زلزال نقدي، يدولر كل شيء في الأسواق، أين منه الهزات الإرتدادية. الخوف من أن يقضي القرار على بقايا ليرة صار “نصّها بالقبر” تقريبا، فيما الخوف الأكبر هو من ارتفاع جنوني في سعر صرف الدولار، يمحو كل الجهود والقرارات التي حاولت الدولة ومصرف لبنان، من خلالها، في الأشهر الأخيرة، كبح جماح السقوط المتفلت من كل الضوابط والمنطق.

سقطت الأسواق والأسعار في فخ الدولرة الشاملة التي افتتحها وزير السياحة سنة 2022 بالسماح للفنادق والمؤسسات المطعمية بالتسعير بالدولار. فحذا وزير الاقتصاد حذو زميله، وسمح للسوبرماركت والتجار بالتسعير بالدولار، في خطوة اختلف حولها اللبنانيون والباحثون في الاقتصاد والإجتماع، بين مؤيد حجته ضبط الأسعار وتوحيدها، وبين رافض مصرّ على أنها خطوة ستؤدي حكما الى “نبذ” الليرة، وزيادة الإقبال على الدولار، وتاليا ارتفاع سعره، وتسمح أيضا للتجار بتحقيق أرباح خيالية، على حساب أصحاب الدخل المحدود.

فهل تلغي الدولرة الليلرة؟ وهل سيتخلى اللبنانيون عن عملتهم الوطنية؟ يحسم معنيون الامر بـ”لا” كبيرة. فالليرة لا تزال عملة الرواتب والأجور، والرسوم والضرائب، وعملة النقل والمحروقات، وكذلك تجارة الخضر والمزروعات المنتجة محليا. ويؤكدون أنه “لم يحن بعد وقت إحالة الليرة الى النسيان، وان الأسعار التي سبقت التسعير بالدولار، كانت بالليرة المقومة على السعر اليومي للدولار في السوق السوداء، وأن ما كان يدفعه المواطن من ليرات على الصندوق، ليس إلا دولارا “مصرّفا” على الليرة، وأن بلدا يستورد 80% من حاجاته الإستهلاكية، لا يمكنه أن يقوم بتثبيت أسعاره على الموازنة الفردية لمواطنيه، بل “مكره أخاك لا بطل” أن تسير عملية التسعير، بالتلازم مع سعر عملة الإستيراد، وإلا فإن مشاهد الطوابير والرفوف الخالية في المتاجر ستعود حكما، خصوصا أن آفاق الحلول السياسية والإقتصادية، هي إما تسير عكس سيرها المطلوب، أو متوقفة كليا، بحكم الفراغ الرئاسي والحكومي، وانكفاء المؤسسات الدولية”.

أما وقد اتخذ القرار بتأجيل تنفيذ السماح للسوبرماركت بالتسعير بالدولار بعد لقاء وفد من الاتحاد العمالي العام برئاسة بشارة الاسمر وزير الاقتصاد في انتظار المزيد من الدرس والتشاور، أكدت مصادر مالية لـ”النهار” أن التعامل بالليرة لن يتأثر بقرار الدولرة، علما أن اقرار الدولرة دليل على انخفاض الثقة بالليرة ودورها الاساسي في التسعير. ولكن في هذه المرحلة حيث تعاني البلاد من عدم ثبات وتخبط سعر الصرف، يمكن أن يكون للقرار أهميته على صعيد المرونة في التعامل بين المستهلك والسوبرماركت، علما أن هذ الامر اعتُمد في عدد من الدول التي عانت من حالات مشابهة للبنان، مع ضرورة التركيز على أن يكون الاجراء موقتا حتى تعود الامور الى السكة.

وإذ لاحظت أن تغيير الاسعار مكلف للسوبرماركت، أشارت المصادر الى أن الاهم أن التسديد بالليرة على اسعار السوق لا يزال مقبولا، اي أن الليرة لا تزال مقبولة كعملة دفع. أما بالنسبة للأسعار، فتتوقع المصادر ألا يتأثر المستهلك في حال كان اصحاب السوبرماركت يعملون بضمير، وسيكون القرار في النهاية لمصلحة الزبون الى حد ما.

في المقابل تؤكد المصادر أن مصرف لبنان يعمل على حلول تسهل على المواطنين طريقة الدفع، إذ اضافة الى البطاقات المصرفية، يعمل “المركزي” على حلول تتعلق بالمحافظ الالكترونية Mobile Wallet خصوصا انه تم ترخيص عدد منها في السوق.

الى ذلك، تؤكد مصادر اقتصادية لـ”النهار” أن الدولرة تصب في مصلحة المواطنين المقتدرين واولئك الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار كونها تسهل عليهم طريقة الدفع بدل اللجوء الى الصرافين. أما اصحاب الدخل المحدود فإنهم سيترددون قبل الذهاب الى السوبرماركت الا عند الحاجة القصوى، وسيتجهون نحو البضائع البديلة المزورة الارخص، وتاليا لن تكون النوعية هي المحرك للاستهلاك، وستشجع السوق السوداء للسلع الاستهاكية، وهذا امر خطير، الى جانب ان اصحاب الدخل المحدود ستتراجع قدرتهم على الاستهلاك خصوصا أن الدولار الرسمي اصبح 15 ألفا بما أكل رواتبهم بالكامل.

وإذ اعتبرت ان التسديد بالنقدي صار لسبب ما أسهل من التسديد بالبطاقة، بما سيؤدي الى زيادة الطلب على “الكاش” على نحو قد يعطي مساحة اضافية للمضاربين والمحتكرين الذين طلب مصرف لبنان توقيفهم، أشارت في المقابل الى “البلبلة والمشكلات التي قد تطرأ بين السوبرماركت وزبائنها، خصوصا عندما يتغير سعر الصرف في الفترة التي يكون فيها الزبون لا يزال داخل السوبرماركت يتبضع”، وهو ما اشار إليه الاتحاد العمالي الذي أكد عدم امكان تطبيق القرار في ظل اختلاف أسعار الدولار صعوداً غالبا وهبوطا أحيانا قليلة كل ساعة في اليوم أو خلال دقائق معدودة. وهذا ما سيحول مراكز البيع الى “عصفورية” كبرى، والمواطنين الى آلات حاسبة، ناهيك عن الخلافات التي يمكن أن تنشأ عن الإحتساب بين المستهلك والعاملين في السوبرماركت.

وأشارت المصادر الى أن غياب الرقابة هي المشكلة الاساس، خصوصا أنها ستعزز الاحتكار والمضاربة وليس تعزيز المنافسة بين اصحاب السوبرماركت كما يشاع.

من جهته يرفض الاسمر رفضا قاطعا القبول بقرار التسعير بالدولار، في وقت أنهِك اللبناني بمزيد من الضرائب، وما القرار الاخير الذي اتخذه وزير المال ويؤيده في ذلك وزير الاقتصاد ويتعلق بزيادة 11% TVA على فاتورة المولدات إلا دليل على ذلك، عدا عن أن القرار لا يحترم العدالة في الضريبة، إذ في حين يدفع التاجر نسبة ضريبة القيمة المضافة TVA على دولار 15000 ليرة، يدفع المواطن المستهلك هذه الضريبة على سعر السوق الموازية، أي السوق السوداء، أي أكثر من 4 أضعاف ما يدفعه التاجر والمستورد.

وفي حين تتجه البلاد بالكامل الى الدولرة الشاملة بما يؤدي الى إلغاء الليرة اللبنانية نهائيا وارتفاع اضافي بسعر صرف الدولار، سأل الأسمر عن العامل الذي يتقاضى راتبه بالعملة الوطنية، فكل شيء خضع للدولرة باستثناء أجور العمال والموظفين في القطاعين الخاص والعام والأسلاك العسكرية والأمنية وهي التي تشكل أوسع فئات المجتمع.

ويستند الاسمر في رفضه القرار الى الناحيتين الدستورية والقانونية “إذ ينتقص من سيادة الدولة على أرضها، ويتعارض بشكل صريح مع قانون النقد والتسليف الذي يحصر الوحدة النقدية للجمهورية اللبنانية بالليرة اللبنانية”، اضافة الى ما جاء في الفقرة الثامنة من قانون حماية المستهلك التي تحدد “الثمن بالليرة اللبنانية ويجوز بالإضافة الى ذلك، ذكر ما يعادله بالدولار أو بأي عملة أجنبية أخرى”، والمقصود بهذه الإضافة هو السائح أو الزائر الأجنبي الذي يحمل عملة أخرى وليس المستهلك اللبناني”.

ولا يوافق الاسمر الادعاءات التي يطلقها البعض بأن القرار سيسمح بالمنافسة بين السوبرماركت ويفيد المستهلك، بدليل أن وكالات الإستيراد الحصرية للمواد الغذائية هي التي تحدد أسعار المستوردات وليس تجار التجزئة، لافتا الى أنه “بعد اتصالات الاتحاد العمالي بكبار أصحاب السوبرماركت أيد هؤلاء رأي الاتحاد من حيث صعوبة التطبيق وتحويل السوبرماركت الى مراكز للصيرفة”.