Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر October 6, 2019
A A A
«البيئة الدستورية» المعلقة
الكاتب: مازن بلال - الوطن السورية

رغم أن الخبراء هم جوهر أي لجنة دستورية إلا أن المسألة في مناطق الصراع تختلف بشكل أو بآخر، فقضية الدستور السوري في هذه المرحلة ليست سياقاً تقنياً فقط، بل نقطة ارتكاز لمستقبل الحل السياسي، فهو في النهاية لن يحكم فقط أسلوب الحكم بل شكل التوافق بعد صراع معقد غابت فيه المطالب السياسية لمصلحة التشابك الدولي.
عملياً اللجنة الدستورية تقدم الشكل الذي يرضي العلاقات الدولية والإقليمية؛ أكثر من كونها تمثيلاً دقيقاً للقوى الاجتماعية وهو أمر طبيعي في ظل اشتباك أممي حول الأزمة السورية، والرهانات على هذه اللجنة تعكس الكثير من التناقضات الإقليمية بالدرجة الأولى، وهي في النهاية ستنتهي باتجاه الجغرافية السورية، وسينعكس التوازن في اللجنة على مساحة الفعل السياسي، وبغض النظر عن تشكيك البعض بجدوى انعقاد اللجنة وقدرتها على تكريس حل سياسي، لكنها في النهاية ستشكل مرجعية على المستوى الدولي، وهو ما يجعل نجاح عملها خطوة للعودة باتجاه أولوية الحل السوري السوري.
ما تطرحه إشكالية عمل اللجنة هو البيئة الدستورية التي يمكن أن تظهر على مستوى الجغرافية السورية، فالمجتمع لن يضع بنود الدستور بل سيقدم أرضية التوافق الأساسي الذي يشكل مادة لعمل الخبراء في الدساتير، ورغم أن الحديث يذهب اليوم باتجاه تعديل الدستور الحالي وفق بعض المصادر، لكن في المقابل فإن المواد التي أثارت الجدل في أوساط المعارضة خلال مراحل التفاوض في جنيف عن هوية الدولة، وتغييرها أو تعديلها ستشكل تحولاً حقيقياً على مستوى العلاقات داخل المجتمع السوري.
لو حاولنا الانتقال إلى الجانب السياسي في مسألة اللجنة الدستورية، فإن التوازن المطروح فيها سينعكس لاحقاً على تشكيل البيئة السياسية السورية عموماً، خصوصاً التمثيل الذي طرحته الأمم المتحدة، أو ما سمي إعلامياً بممثلي المجتمع المدني، فالصراع على تشكيل اللجنة ظهر في هذا الجانب المرجح عند أي خلاف، حيث من المفترض أن يكون الأعضاء المطروحين من الأمم المتحدة نقطة التقاء وربما وسطاء لتحقيق التوافقات، لكن الخلاف حولهم والمستمر على ما يبدو يطرح مؤشرين:
– الأول هو نوعية التمثيل الذي يقدمه الأعضاء من خارج لائحتي الحكومة والمعارضة، فهم وفق التوصيف يعبرون عن المجتمع المدني، ولكن يصعب بالفعل وضع المجتمع المدني في إطار مستقل ضمن ظروف الصراع الذي كان قائماً.
– الثاني هو المساحة التي أتيحت للقوى الاجتماعية السورية كي تعبر عن نفسها، وبالتالي تفرض مرشحين للدخول إلى اللجنة الدستورية، فـ«النشطاء» وفق لوائح اللجنة الدستورية ليسوا بالضرورة معبرين عن العلاقات الاجتماعية فوق الجغرافية السورية، بل مجرد توافقات داخل أروقة التفاوض على إيجاد «لائحة ترجيح» بين مندوبي الحكومة السورية والمعارضة.
طرح شكل اللجنة الدستورية أول تحول حقيقي في رؤية الحل، فهي على ما يبدو حتى الآن تقوم على التحالفات الصغيرة خلال فترة انعقادها، ورغم أن الطرف المرجح (اللائحة الثالثة) ليست بعيدة عن الحكومة أو المعارضة، إلا أنها مستقبلا ستعبر عن قوى مرنة قابلة للانتقال بين الأطراف وفق ظروف التحالفات السياسية، وهذا الشكل يتطلب بيئة دستورية ربما على السوريين خلقها خلال عمل اللجنة، لأن التصورات الدولية القائمة اليوم لن تؤدي بالضرورة إلى استقرار قوي، ومنح الحيوية لعمل اللجنة سيكون أولاً وأخيراً فعل سوري وليس وساطات دولية أو إقليمية.
تمر اللجنة الدستورية في حياة السوريين وكأنها حدث ضمن سياق الأزمة، لكننا مع نهاية الشهر الحالي سنشهد بداية لبلورة تصور مختلف يحتاج لجهد شاق في الداخل السوري بالدرجة الأولى، فالبحث بالدستور في المرحلة الأولى لعمل اللجنة هو بحث سياسي بامتياز، وإضفاء الشرعية على ديناميكية سياسية ليست بالضرورة الأنسب لسورية إذا لم يعمل السوريون على إنضاجها.