Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر October 2, 2019
A A A
البلاد في مرحلة مالية واقتصادية طارئة.. وإشارات دولية غير مطمئنة
الكاتب: الجمهورية

دخلت البلاد في مرحلة مالية واقتصادية طارئة، وباتت الحركة السياسية بكل اتجاهاتها تتمحور حول سبل مواجهة الأزمة المرشّحة لمزيد من التعقيد، على رغم من الارتياح النسبي الذي ساهَم فيه أمس صدور التعميم المُنتظر من مصرف لبنان، والذي ينظّم بموجبه فتح اعتمادات بالدولار الاميركي بالسعر الرسمي لاستيراد المحروقات والدواء والقمح. ولكن بين لجنة الاصلاحات وجلسات الموازنة، شهدت الساعات في السراي الحكومي أمس سباقاً مع المهل الدستورية في لبنان ومع المهل التي حَدّدتها مؤسسات التصنيف والمجتمع الدولي لإنجاز الاصلاحات، وتحت ضغط شارع يئنّ وسلطة مُربكة ونقد على كف عفريت. وإذ وصلَ رئيس الحكومة سعد الحريري الى السراي على وَقع عاصفة أخبار تتعلق به، سارَعَ الى القول: «مهما شَنّوا من حملات ضدي، ومهما قالوا او كتبوا او فعلوا، سأستمر، ولن أتوقف». وقد تزامَن هذا الموقف مع سجال وتشنّج دارا بين تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، ويبدو أنه لم يَنته فصولاً بعد.
بعد صدور التعميم عن مصرف لبنان أمس، ساد نوع من الاسترخاء في السوق الرديفة، وانخفض سعر الدولار لدى الصيارفة الى نحو 1550 ليرة. كذلك انعكس الارتياح ارتفاعاً في أسعار السندات اللبنانية في الاسواق العالمية.

وفي المقابل، لفتَ خبير اقتصادي لـ«الجمهورية» الى أنه في المدى البعيد، سيعود الضغط على الدولار، مع ارتفاع الطلب عليه في سوق الصرف الثانوية من التجّار والمستوردين الآخرين الذين لم يشملهم التعميم، ولم يحصلوا على سعر صرف خاص بهم في المصارف التجارية التي ما زالت ترفض فتح اعتمادات لهم بالدولار إذا لم تكن حساباتهم المصرفية أساساً بالدولار.

وقال هذا الخبير: «انّ هذا التعميم سيخلق سوقَين متوازيين، واحدة للضروريات وأخرى للكماليات. وهو إجراء عادل يقوم به مصرف لبنان ضمن سياسة تقنين احتياطه من العملات الاجنبية، التي تعطي الأولوية في الحصول على سعر الصرف الرسمي لليرة، للسلع الاساسية. وفي الوقت نفسه، سيحفّز ذلك الطلب على الدولار في السوق الثانوية».

لكن، وفي موازاة الارتياح النسبي، بدأت تتظَهّر الأزمات التي قد تنمو بسبب تعميم مصرف لبنان. اذ تبيّن انّ كل القطاعات الأخرى ستضطر الى العمل بأسعار الدولار في السوق السوداء. وسيؤدي ذلك، وفق مصادر مطّلعة، الى ارتفاع تدريجي في اسعار كل السلع الاستهلاكية، باستثناء المحروقات والدواء والطحين.

وقَدّر مصدر لـ«الجمهورية» أن ترتفع الاسعار بنسبة تتراوح بين 10 و20 في المئة، خصوصاً اذا تم لاحقاً إقرار رفع الضريبة على القيمة المضافة. وهذا يعني انّ المواطن سيفقد من قدرته الشرائية ما يوازي 20 في المئة من راتبه. (ص 10)

إشارات غير مطمئنة

وفي موازاة الاشكاليات التي يفرضها وجود سوقَين لسعر صرف الدولار، برزت امس إشارات دولية غير مطمئنة، أبرزها ما أعلنته وكالة «موديز» من أنها راجعت التصنيف الإئتماني للبنان وقررت الإبقاء على التصنيف الحالي Caa1. لكنها في المقابل، وضعت تصنيف لبنان قيد المراقبة وفي اتجاه الخفض خلال 3 أشهر «إذا لم يتبلور مسار الأمور في اتجاه إيجابي».

وستُجري «موديز» خلال هذه الفترة تقييماً لأداء الحكومة ومدى التزامها بإقرار موازنة 2020.

وذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية» (أ.ف. ب) أنّ «موديز» سبق وخفّضت في كانون الثاني 2019، تصنيف لبنان الطويل الأجل للديون من «B-» إلى «CAA1»، بما يشير إلى «مخاطر ائتمانية كبيرة جداً»، بحسب المقاييس التي تحددها هذه الوكالة. (ص 11)

ساعة الحقيقة لليرة

وفي سياق متصل، نشرت وكالة «بلومبرغ» تحقيقاً شاملاً عن الوضع النقدي والمالي والاقتصادي في لبنان، إنطلاقاً من الأزمات الحادة التي ظهرت أخيراً. وركّزت على أزمة شح الدولار، وسعر الليرة، والتعميم الذي أصدره مصرف لبنان لتنظيم استيراد البنزين والدواء والقمح.

وذكرت «بلومبرغ» في تقريرها انه «بعد مرور أكثر من عقدين على تثبيت لبنان سعر صرف الليرة مقابل الدولار لتوفير «مرساة» لاستقرار الاقتصاد بعد الحرب الأهلية، يبدو انّ لحظة الحقيقة قد دقّت».

واضافت انّ صندوق النقد الدولي أعلن انّ العجز في الحساب الجاري في لبنان سيصل إلى ما يقارب 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في حلول نهاية السنة (…) فقط موزمبيق تعتبر في وضع أسوأ من لبنان».

وأضاف التقرير: «المغتربون اللبنانيون، أحد أعمدة الاقتصاد، باتوا يرسلون أموالاً أقل إلى الوطن. وتقدّر مجموعة «غولدمان ساكس» أنّ نمو الودائع أصبح سلبياً في أيار 2019 للمرة الأولى منذ عقود».

على أنّ وكالة «فيتش» التي تصنّف لبنان في مستوى زامبيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية، تحذّر من أنّ احتياجات التمويل الخارجية الكبيرة للبلاد ستؤدي إلى مزيد من خفض احتياطات البنك المركزي الإجمالية. (ص 11)

ولوحِظ أمس، أنّ البلد عموماً بَدا وكأنه يعيش صدمة في كل مفاصله، وجموداً واضحاً في الحركة الإقتصادية، متواكبة مع حال ترقّب تسود المستويات الشعبية.

وإذا كانت خطوة الإدعاء القضائي على أحد الصيارفة المتلاعبين بالعملة الأجنبية، وكذلك على أحد أصحاب محلات تحويل الأموال، قد أحدثت شيئاً من الارتياح في مناخ الأزمة، إلّا أنّ أحد المراجع السياسية أكد أنه على رغم من أهمية هذه الخطوة، فإنّ المطلوب اتخاذ إجراءات فورية رادعة لكل من يحاول العبث بالسوق الماليّة، وإذا لزم الأمر الاقتداء ببعض الدول التي وصلت إجراءاتها في حق المتلاعبين الى حد الحكم عليهم بالإعدام.

وفي موازاة الإشاعات التي تُطاول بعض المصارف، وتروّج أنّ بعضها سيكون قريباً عرضة لعقوبات، على غرار تلك التي اتخذت في حق «جمّال ترست بنك»، قالت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية» انّ «هذا الأمر لا أساس له على الإطلاق، وانّ القصد منه واضح وهو تخويف مصارف معينة، ويندرج في سياق مؤامرة لضرب الاستقرار الاقتصادي وكذلك الاستقرار المصرفي».

وكشفت المصادر نفسها «أنّ موضوع العقوبات على المصارف كان نقطة البحث الرئيسية بين المسؤولين اللبنانيين، وكذلك الإقتصاديين والمصرفيين، وبين نائب وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيللنغسلي أثناء زيارته الأخيرة للبنان، حيث أكد هذا المسؤول الأميركي أنّ ما يُشاع حول هذا الأمر غير صحيح، وبالتالي لا وجود لأيّ مصرف لبناني جديد على لائحة العقوبات الأميركية».