Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر January 16, 2019
A A A
البطريرك الراعي: ملتزمون بمتابعة قضايانا المصيرية

أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي في كلمة خلال افتتاح اللقاء التشاوري مع رؤساء الكتل النيابية والنواب الموارنة في الصرح البطريركي في بكركي، أن “اجتماعنا كموارنة من أجل لبنان وجميع اللبنانيين”، لافتا إلى خطورة الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية وخطورة وجود النازحين السوريين، مؤكدا أن “الأزمة السياسية الراهنة تكمن في أساس هذه الأوضاع الخطيرة ومن أسبابها عدم تطبيق اتفاق الطائف والدستور المعدل بموجبه”، موضحا أن “الاجتماع اليوم هو للتباحث من أجل توحيد الرأي حول كيفية الخروج من حال الخطر السياسي والاقتصادي والمالي والمواضيع كافة”، معتبرا أن “الوحدة اللبنانية اليوم مهددة”، داعيا إلى أن يكون “هذا اللقاء ملتئما بصورة دائمة لدرء الخطر عن الوطن الحبيب”.

وقال البطريرك الراعي:
“أحييكم بإسم أسرة هذا الكرسي البطريركي الذي وصفه سلفنا المثلث الرحمة البطريرك أنطون بطرس عريضه “بالصرح الوطني الذي ليس وقفا على الطائفة المارونية فحسب، بل هو بيت جميع اللبنانيين، ووقف للمصلحة اللبنانية لا فرق فيه بين طائفة وأخرى” ، (راجع خطابه في مؤتمر بكركي بتاريخ 25 كانون الأول 1941). ومع إخواني السادة المطارنة أرحب بكم”.

وأضاف “إني أسارع فأوضح أن اجتماعنا كموارنة هو من أجل لبنان وكل اللبنانيين. وليس في نيتنا إقصاء أحد أو التباحث في أمور خاصة بنا دون سوانا. وجل ما نرغبه أن تشركوا زملاءكم في الحكومة والبرلمان والتكتلات النيابية والأحزاب بكل ما نتداوله، وأن تعملوا مع جميع المسؤولين في لبنان بيد واحدة وقلب واحد وفكر واحد على حماية لبنان من الأخطار المحدقة به، التي استدعت وجوب عقد هذا “اللقاء التشاوري”.

وتابع “لا أحد منكم يجهل خطورة الوضعين الإقتصادي والمالي، المنذرين بالتهاوي، وخطورة وجود 1.500.000 نازح سوري، وقد تبسط في هذا الموضوع فخامة رئيس الجمهورية، في خطابه إلى أعضاء السلك الديبلوماسي يوم الأربعاء الماضي التاسع من الشهر الجاري، وعبر عن القلق عند اللبنانيين من موقف الأسرة الدولية بهذا الشأن.

كما أن لا أحد يجهل خطورة الوضع الاجتماعي والمعيشي المذريين اللذين يعاني منهما شعبنا، وهو يعبر عن وجعه في مظاهرات وإضرابات، وقد بدأ يفقد الثقة بالدولة وبحكامها، ولا سيما شبابه الطالع والحامل شهاداته الجامعية، ولا يجد وظيفة ومستقبلا وحقوقا أساسية تمكنه من تحفيز مهاراته في وطنه، فيتوجه إلى أوطان أخرى أفضل منه. إنها لخسارة جسيمة لا تعوض”.

وقال: “كلكم تعلمون أن الأزمة السياسية الراهنة تكمن في أساس هذه الأوضاع الخطرة. وهي أزمة تتفاقم يوما بعد يوم، متأثرة بالحروب والنزاعات الجارية في منطقتنا الشرق أوسطية، ومرتبطة بشؤون داخلية خلافية تتأجل وتتراكم، حتى بات الرأي العام يتخوف من إنفجار يطيح بالكيان والخصوصية اللبنانية التي جعلته صاحب رسالة ودور بناء في منطقتنا. من أجل هذه الخصوصية لبنان محبوب من بلدان المنطقة ومن المجتمع الدولي. والدليل على ذلك مشاركة هذه البلدان في ثلاثة مؤتمرات لدعم لبنان في شهرَي آذار ونيسان الماضيين. كما أنه يشكل علامة رجاء لمسيحيي الشرق الأوسط”.

وأردف قائلًا: “من أسباب هذه الأزمة السياسية عدم تطبيق إتفاق الطائف والدستور المعدَل بموجبه، بنصهما وروحهما، لأكثر من سبب داخلي وخارجي. بل أدخلت أعراف وممارسات مخالفة لهما، وسواها مما جعل من المؤسسات الدستورية ملك الطوائف لا الدولة، فأضعفت بالتالي هذه الأخيرة حتى باتت كسفينة في عرض البحر تتقاذفها الرياح. ونشأت مخاوف حيال ما يطرح في السر والعلن :عن تغيير في النظام والهوية، وعن مؤتمر تأسيسي، وعن مثالثة في الحكم تضرب صيغة العيش المشترك المسيحي – الإسلامي المشبه بنسر ذي جناحين، وعن غيرها، فيما تفصلنا سنة وسبعة أشهر عن الاحتفال بالمئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير. فمن المؤسف أن يتراجع نحو الوراء بعد ما حقق من إنجازات إقتصادية ومالية وثقافية”.

وتابع: “أمام هذا الواقع المقلق، وتجاه رغبة العديد من اللبنانيين المطالبين هذا الصرح العمل على القيام بمبادرة إنقاذية، رأيت من واجب الضمير أن أدعوكم إلى هذا اللقاء التشاوري المسؤول. فيجب أن نتباحث من أجل توحيد الرأي حول كيفية الخروج من حالة الخطر السياسي والاقتصادي والمالي، وحول مفاهيم ذات طابع دستوري من مثل: الدولة المدنية، وإلغاء الطائفية السياسية، واللامركزية، وحياد لبنان، والثلث المعطِل، والائتلاف الحكومي وارتباطه بقانون الانتخابات الجديد”.

وأشار الى أن “الوحدة اللبنانية مهدَدة اليوم. وقد سماها خادم الله البطريرك الياس الحويك “الوديعة الثمينة” التي بذل الجهود في سبيلها، لأنها بنظره “ترسي أسس الميزة اللبنانية، وهي الأولى في الشرق، إذ تحل المواطنة السياسية محل المواطنة الدينية. بسبب هذه الميزة يمتلك لبنان وجها خاصا، وشخصية يتمسك بالمحافظة عليها فوق كل شيء”.

واعتبر أن “الوحدة اللبنانية استبقت الميثاق الوطني وهيأت له”. (راجع رسالته إلى رئيس مجلس وزراء فرنسا Georges Clémenceau بموضوع “مطالب لبنان” في 25/10/1919؛ ورسالته إلى السيد Léon Cayla حاكم لبنان الكبير، في 19/1/1926). وعندما سأله أحد المسؤولين السياسيين في فرنسا: “إلى أية طائفة أنتم تنتمون؟” أجاب: “طائفتي لبنان”.
تقوم الوحدة اللبنانية، في رؤيته، على “احترام الحرية الدينية وتحقيق المساواة بين الطوائف بحيث لا تطغى طائفة على طائفة أخرى، وعلى إحقاق العدل، وعدم التساهل مع متجاوزي القانون” (هذا يظهر في مجموعة من الوثائق).

وتابع قائلًا: “إبتغيت من هذا العرض، الذي ليس خفيا عليكم، أن نفكر معا في الدور المطلوب منا كمسؤولين اليوم، مثلما فعل قبلنا رجالات من طائفتنا، فتضامنوا في مسيرة طويلة منذ تأسيس البطريركية المارونية مع البطريرك الأول القديس يوحنا مارون سنة 686، وجابهوا المصاعب على أنواعها حتى قيام دولة لبنان الكبير في أول أيلول 1920. ثم واصلوا هذه المسيرة بتوحيد الكلمة ورص الصفوف وتقدمة الشهداء الغالين والتضحيات الجسام. وهكذا استطاعوا، مع سواهم من المواطنين، التغلب على مخططات كادت تودي بالدولة اللبنانية. نحن نريد يقظة وطنية موحدة، منها وبها ننطلق مع كل مكونات المجتمع اللبناني لحماية الجمهورية”.

وختم قائلًا: “نرغب أن يكون هذا اللقاء التشاوري ملتئما بصورة دائمة لكي ندرأ الخطر عن الوطن الحبيب، ونعمل مع كل مكوناته المسيحية والإسلامية على حمايته كيانا ومؤسسات وشعبا، فيستعيد مكانته ودوره في الأسرتين العربية والدولية.

هذه هي أطر لقائنا التشاوري، وهذا هو واجبنا تجاه شعبنا اللبناني العزيز الذي يتطلع إلينا بثقة.

باركنا الله، وبارك أعمالنا، بشفاعة أمنا مريم العذراء، سيدة لبنان، وأبينا القديس مارون، وسائر قديسينا الموارنة. أهلا بكم وشكرا لحضوركم ولإصغائكم ومشورتكم.
أهلاً بكم! وشكرًا لحضوركم ولإصغائكم ومشورتكم”!