قال البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة “أحد القيامة” تحت عنوان “أتطلبن يسوع الناصريّ المصلوب؟ إنّه قام وليس ههنا” (مر 16: 6):
فخامة رئيس الجمهوريّة العماد جوزاف عون،
السيّدة اللبنانيّة الأولى،
إخواني السادة المطارنة الأجلّاء
أصحاب المعالي والسعادة،
أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء.
يسعدنا، فخامة الرئيس، أن نرحّب بكم على رأس المصلّين، في عيد قيامة الربّ يسوع من بين الأموات، يحوط بكم وزراء ونوّاب ورؤساء مجالس بلديّات ومخاتير وسواهم من العاملين في الحقلين العام والخاصّ، وأن نتقدّم من فخامتكم ومن الحضور الكريم بأخلص التهاني بالعيد، وأطيب التمنيات ليفيض المسيح الربّ عليكم جميعًا نعمه وسلامه، وعلى لبنان الاستقرار والسلام العادل والشامل.
ونصلّي معكم، فخامة الرئيس، كي يعضدكم الله وجميع اللبنانيّين في تحقيق أمنياتكم التي أعربتم عنها في كلمتكم بمناسبة مرور خمسين سنة على بداية الحرب اللبنانيّة المشؤومة 1975 وهي:
أوّلًا: جميعنا متساوون. فلا أحد منّا خائف، ولا أحد منّا يخيف. لا أحد منا ظالم، ولا أحد مظلوم. لا أحد منا غابن، ولا أحد منا مغبون. جميعنا، نستظل علمًا واحدًا، ونحمل هويّة واحدة.
ثانيًا: الدولة وحدها هي التي تحمينا، الدولة القويّة، السيّدة، العادلة، المنبثقة من إرادة اللبنانيين، والساعية بجدّ إلى خيرهم وسلامهم وازدهارهم.
ثالثًا: وطالما أننا مجمعون على أن أي سلاح خارج إطار الدولة أو قرارها من شأنه ان يُعرّض مصلحة لبنان للخطر لأكثر من سبب، فقد آن الأوان لنقول جميعًا: لا يحمي لبنان إلا دولته، وجيشه، وقواه الأمنيّة الرسميّة.
رابعًا: وحدتنا هي سلاحنا، وسلاحنا هو جيشنا، لكي تكون كل خمسينيات السنوات المقبلة أيام خير، وسلام، وفرح، وحياة، لأننا خُلقنا للحياة… والحياة خُلقت لنا.
وأضاف: قدّاسنا اليوم يحمل اسم “رتبة صلاة السلام”، السلام المنبثق من موت المسيح وقيامته. فأضحى “المسيح سلامنا”، على حدّ قول بولس الرسول (أفسس 2: 14). والسلام ثمرة النشاط السياسيّ، والسعي لإزالة ما يعرّضه للخطر، مثل: العنف والحرب والتعذيب والإرهاب والإعتقالات وعسكرة السياسة، وانتهاك حقوق الإنسان الأساسيّة.
وتابع البطريرك الراعي: بموت المسيح وقيامته صالح البشريّة مع الآب ومع بعضها البعض بالغفران. فمع المصالحة تنتهي حرب المصالح الخاصّة التي هي أخطر من الحرب المسلّحة. وبالمصالحة تخمد الخلافات وتزول العداوات وتتبدّل الذهنيّات.
تبدأ المصالحة مع الذات بترميم العلاقة مع الله الذي صالحنا بالمسيح، ودعانا إلى تغيير المسلك والموقف والنظرة. ثمّ تنتقل من المستوى الشخصيّ لتصبح مصالحة إجتماعيّة بترميم العلاقة مع الآخر من خلال حلّ الخلافات والنزاعات وسوء التفاهم، ومع الفقراء والمعوزين بمبادرات محبّة، ومع الجميع بتعزيز العدالة الإجتماعيّة ورفع الظلم والفساد. وترتفع إلى مستوى أهل السياسة والأحزاب لتصبح مصالحة سياسيّة بإعادة بناء الوحدة الوطنيّة، ودولة الحقّ الصالحة والعادلة. وتكتمل أخيرًا بالمصالحة الوطنيّة القائمة على التزام عقد اجتماعيّ ميثاقيّ يحصّن العيش معًا، ومشاركة الجميع العادلة والمنظّمة في إدارة شؤون البلاد (شرعة العمل السياسيّ، ص22).
وقال: قيامة المسيح هي أهمّ حدث على الإطلاق في تاريخ العالم. فلو لم يقم المسيح لكان إيماننا باطلًا، وتبشيرنا بلا جدوى، ولكنّا بعد أمواتًا في خطايانا، ولكنّا شهود زور لها، ولو لم يقم المسيح لما كانت الكنيسة.
كلّ موت يحزن القلب، إلّا موت المسيح فهو يعزّي ويُفرح. في قبر الإنسان ينتهي كلّ شيء. إنّ القيامة التي شهدها قبر المسيح هي أساس ديانتنا. عظيم هذا القبر الذي منه نهض يسوع، فقد غلب الموت وانتصر على كلّ ما يجرّه الموت من حزن وإحباط ويأس. قبر المسيح هو أساس الدين المسيحيّ، والبرهان الساطع والمحبّة الثابتة لصحّة رسالة الإنجيل.