Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر February 28, 2017
A A A
البطريرك الراعي: العيش المشترك هو لب التجربة اللبنانية

لفت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في كلمة له خلال مؤتمر “الأزهر ومجلس حكماء المسلمين الحرية والمواطنة… التنوّع والتكامل” في القاهرة إلى أنه “يسعدني أن أشارك في هذا المؤتمر الذي ينظّمه الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين”، متوجهاً بالشكر لـ”شيخ الأزهر أحمد الطيّب، رئيس مجلس حكماء المسلمين، على الدعوة الكريمة للمشاركة وإلقاء كلمة في الموضوع الذي يمسّ عناصر أربعة من شأنها أن تعيد بناء عالمنا العربي في ضوء التحولات الكبيرة في المنطقة، فأودّ بمداخلتي هذه تحديد مفاهيم الحرية والمواطنة، والتجربة اللبنانيّة القائمة على هذه العناصر، وكيفية معالجة التراجع في مفهوم العروبة”. وأكد أن “الحرّية هي في أساس المواطنة، فالإنسان كائن حرّ بكينونته وحريّته لا تقف عند حدود الخيار والتقرير، بل هي تعبير عن انفتاحه على المطلق، لكونه مخلوقًا على صورة الله ومثاله ولذا، هي بُعد روحي في الإنسان يدعوه للاكتمال في وجوده التاريخي وللترقِّي نحو الأفضل، هذه الحرية تمنح الإنسان كرامة، لا يحقّ لأحد انتزاعها منه أو المسّ بها أو التنكّر لها”، مشيراً إلى “انها تضمن له حقّه في حرية الرأي قولًا وكتابة، وحرية التعليم، وحرية الطباعة، وحرية تأليف الجمعيات، والحرية الدينية عقيدةً وممارسةً وتعليمًا وإقامة شعائر، وحقّه في تولّي الوظائف العامة وهي حقوق تقرّها شرعة حقوق الإنسان، كما يقرّها دستورنا اللبناني”.وأشار إلى أنه “في كلّ الحريات وفي طليعتها الحرية الدينيّة تتجلّى خصوصيّة الشخص البشري، إذ فيها يوجّه حياته الشخصيّة بكلّ ابعادها الدينية والاجتماعية والوطنية. المسّ بالحرية الدينيّة هو مسٌّ بكلّ الحقوق والحريات الأساسيّة، وبأسس العيش السليم معًا، فالحرية الدينية طريق نحو السلام”، لافتاً إلى أن “المواطنة السليمة تفترض الحرية وحقوقها. فالمواطنة انطلقت في الأساس لحماية حقوق سكّان المدن والبلدان كأفراد وجماعات، في وجه استغلال حريّتهم وحقوقهم، وللاعتراف بالآخر كفرد وكمجموعة، ولإشراكه في حياة المجتمع، حيث تتفاعل مكوّناته على أساس قيم محدّدة وأهداف واضحة تحقّق العدالة الاجتماعيّة والتوزيعيّة، ثمّ أخذ هذا الاعتراف شكلًا قانونيًّا بحيث أصبحت المواطنة إقرارًا بالحقوق والواجبات التي توضح علاقة المواطن بالدولة من جهة، وعلاقة الدولة بالمواطن من جهة أخرى، فالحقوق تدور حول المشاركة في الحياة العامّة وفي الحياة السياسية. والواجبات تتعلّق بخدمة الوطن، فيكون هدف المواطنة صون الحريات المدنيّة وخلق انتماء وطني”، لافتاً إلى أن “المواطنة تقتضي رابطة يشاد عليها العيش معًا، ويقوم البناء الحقوقي للدولة، فمنهم مَن أسّس الرابطة على الدِّين ومنهم على العرق ومنهم على عهود، أما العالم العربي فأقامها على العروبة أي تلك الحاضنة الحضارية التي أقرّت بالتعدّدية كمنطلق للاعتراف لكلّ مواطن بالمساواة مع غيره والشّراكة الفاعلة في نهضة المجتمع وتحقيق غاياته. وأعطت العروبةُ مكوّنات عالمنا العربي إمكانيّة المشاركة في صناعة التاريخ، بما تقدّمه هذه المكوّنات من خير، انطلاقًا من مخزونها الثقافي الذاتي وممّا كوّنته مع غيرها من إرث حضاري مشترك وهكذا حصلت دول منطقتنا على شرعيّتها من تلك العروبة التعددية، ولن تجد خارجًا عنها سبيلًا لمستقبل أفضل”.
وأفاد أن “لبنان أوجد بالميثاق الوطني عام 1943 شكلًا تطبيقيًّا للمواطنة المنبثقة من العروبة، وهو العيش المشترك بين المسيحيّين والمسلمين، الذي جدّدت أسسه وثيقة الوفاق الوطني الصادرة عن اتّفاق الطائف ونظّمه الدستور المعدَّل على ضوئها بحيث يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات، ويتشاركون مناصفة في الحكم والإدارة، حتى نصّت مقدّمته على أن “لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”، مؤكداً أن “العيش المشترك هو لبّ التجربة اللبنانية التي تُحلّ الوطنية السياسية محل الوطنيّة الدينيّة”، كما أعلنها في خطابه البطريرك الماروني الياس الحويك، يوم حمل مشروع لبنان الكبير باسم جميع اللبنانيين إلى مؤتمر السلام في فرساي بفرنسا سنة 1919 وإن صلب العيش المشترك هو إذًا الإنتماء إلى مشروع حضاري التقى فيه الإسلام والمسيحية، وأتيا به برهانًا على أن عيش الأخوّة بين البشر وأبناء الحضارات والديانات المختلفة، ممكنٌ تاريخيًا، وأنّه يحقّ للإنسان، بحكم انتمائه إلى وطن، الوجود والمشاركة السياسية بعيدًا عن أي تصنيف أو إقصاء أو أي اعتبار آخر، وبذلك يتحقّقالتنوّع والتكامل بين مكوّنات الوطن الواحد”.