Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر January 22, 2025
A A A
الاقتصاد اللبناني بعد الحرب: تحليل الأضرار وآفاق التعافي
الكاتب: ماريبال طعوم - الجمهورية

يُعتبر تأثير الحرب على القطاعات الاقتصادية في لبنان من أبرز القضايا التي تستدعي التحليل، نظراً للتداعيات المباشرة وغير المباشرة التي خلّفتها. فبينما أظهرت التقارير الأولية للبنك الدولي أنّ الخسائر الاقتصادية تجاوزت 5 مليارات دولار، انعكس هذا التأثير على قطاعات حيَوية مثل السياحة، الزراعة، التجارة، وحتى البيئة. كما أثرّت الحرب على معدّلات التضخّم، التي شهدت ارتفاعات متفاوتة خلال الأعوام الماضية، ما دفع الحكومة إلى اتباع سياسات نقدية لضبط استقرار العملة.

في هذا السياق، تلعب الدولرة دوراً محوَرياً في الحَدّ من التضخّم، فيما تواجه قطاعات الأعمال تحدّيات تتعلّق بالطلب والاستقرار الاقتصادي.

تأثير الحرب على القطاعات في لبنان

أوضحت ديانا منعم، المديرة التنفيذية لمنظمة «كلنا إرادة»، أنّ أصعدة عدة أثّرت على الاقتصاد اللبناني منها: «وفقاً لتقرير أولي صادر عن البنك الدولي بشأن الخسائر الناجمة عن الحرب، بلغت هذه الخسائر حوالى 5 مليارات دولار. ويُشير التقرير، الذي صدر عقب انتهاء الحرب، إلى أنّ التأثير طال قطاعات رئيسية عدة. فقطاع السياحة تأثر بشكل كبير، وكذلك قطاع الزراعة نتيجة ما تعرّض له من تدمير. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكننا أن نتجاهل الأضرار البيئية، التي كانت واضحة وشديدة. وكذلك قطاع التجارة، الذي شهد تداعيات كبيرة نتيجة الأزمة. وعلى رغم من الخسائر، فإنّنا نستطيع تعويضها سريعاً في حال توفّر سياسات صحيحة ومناسبة».

 

تأثير الحرب طويل الأمد على التضخّم

وأضافت منعم: «بالنسبة إلى التأثير طويل الأمد للحرب على معدّلات التضخّم، فإنّ التقارير الأخيرة تشير إلى توقّع انخفاض معدّلات التضخم خلال العامَين المقبلَين. لكنّ الأمر يعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك الإصلاحات التي قد تنُفّذ بسرعة وإعادة الإعمار. ولا يمكن توقّع هذه الأمور بدقّة بسبب وجود متغيّرات عديدة».

وتشرح المديرة التنفيذية لـ«كلنا إرادة»: «بالنسبة إلى معدّلات التضخّم عام 2024، إذا قارناها بالأشهر الأخيرة من عام 2023، نجد زيادة بنحو 15%. لكن يجب الإشارة إلى أنّ هذا الارتفاع، على رغم من استمراره، كان بوتيرة أقل بكثير مقارنةً بالسنوات السابقة، التي شهدت ارتفاعات وصلت إلى 200% أو 142%. فأبرز القطاعات التي شهدت زيادات كبيرة في الأسعار كان قطاع الغذاء، وهو أمر مقلق للغاية لأنّه يؤثر على كافة شرائح المجتمع، وقطاع السكن الذي يعاني بدوره من غلاء الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، تأثرت قطاعات أخرى مثل التعليم والملابس والرعاية الصحية. وبالنسبة إلى الزيادة في الأسعار، فتراوحت نسبتها بحوالى 20%».

السياسات النقدية

وترى منعم أنّ «الحكومة اتبعت سياسة نقدية عبر مصرف لبنان للحفاظ على استقرار سعر الصرف عند 89,500 ليرة لبنانية، على رغم من أنّها كانت مكلفة على المواطنين، لكنّها أسهمت في الحفاظ على استقرار العملة خلال فترة الحرب. وتضمّنت هذه السياسة سحب العملة اللبنانية من السوق لخفض العرض، تزامناً مع استخدام العائدات الحكومية لتعزيز احتياطيات الدولار».

غير أنّ هذه السياسة «غير مستدامة على المدى البعيد»، بحسب منعم، إذ «يجب تطوير سياسة سعر صرف تعتمد على العرض والطلب في السوق. كما ينبغي إعادة هيكلة المصارف والدَين العام لضمان عودة الاستقرار للقطاع المالي».

دور الدولرة في كبح التضخّم

وتوضّح المسؤولة في «كلنا إرادة»، أنّ اعتماد الدولار بشكل أساسي في السوق ساهم في جعل معدّلات التضخّم «أكثر قبولاً. وهذه النقطة مهمّة لفهم آلية كبح التضخم وتأثيرها على الاقتصاد المحلي».

من جهة أخرى، يشير سامر مكارم، المدير العام لـGroup General Manager، إلى أنّ «الحركة كانت جيدة، على رغم من أنّنا كنا نتوقع من منطلق التحضير، ألّا يكون هناك موسم على الإطلاق، ما كان سيُشكّل ضربة قاضية. لكن مع حدوث تحسن في الحركة بالسوق بعد وقف إطلاق النار، كانت النتائج جيدة وإن كانت أقل من السنوات السابقة. بالمقارنة مع عام 2023، في وقت حالة الخوف بشأن الأوضاع في البلاد، كانت الأنشطة جيدة نسبياً وشهدنا أرقاماً إيجابية. ولاحظنا زيادة في الإقبال على المطاعم، خصوصاً من قِبل المغتربين الذين يأتون خلال فترة الميلاد لإنفاق الأموال في المقاهي والمطاعم والمتاجر».

بالنسبة إلى حركة السفر والملاهي والمتاجر، يؤكّد مكارم «شهدنا حركة كبيرة بين 22 كانون الأول وتقريباً 1 كانون الثاني. مع ذلك، لاحظنا أنّ العديد من الأشخاص الذين جاؤوا خلال الميلاد غادروا قبل رأس السنة. السبب الرئيسي كان صعوبة العثور على تذاكر طيران بأسعار مقبولة، لكنّهم تمكنوا من القدوم خلال فترة الميلاد قبل أن يعودوا».

ويشرح مكارم، أنّه «عادةً ما نرى الموسم يمتد لمدة 4 إلى 7 أشهر، لكنّ الأرقام انخفضت بعد هذه الفترة. بالنسبة إلى لإنفاق، فصلنا بين المغتربين والمقيمين في لبنان. يمكننا التعرّف إلى المغتربين من خلال بيانات الحجز وأرقام الواتساب. لاحظنا أنّ الأسعار لم تتغيّر مقارنةً بالعام الماضي، ممّا أظهر استمرار استعداد الناس للإنفاق».

وتابع: «كشركة، نحاول تقديم عروض خاصة لجذب أكبر عدد من الزبائن. على سبيل المثال، نقدّم فترة دخول مجانية لأول نصف ساعة، ثم تزيد الرسوم تدريجاً. هذه العروض تشجّع الزبائن ذوي القدرة الشرائية المحدودة على القدوم، وفي الوقت عينه نضمن تجربة ممتعة للجميع، ممّا يساعدنا في تحقيق أرباح مرضية».

أما أبرز التحدّيات بالنسبة إلى القطاع السياحي، يوضح مكارم أنّها «تمثلت في غياب الوضوح. عادةً، نبدأ بالتحضير للموسم في شهر أيلول، لكن هذا العام لم نتمكن من بدء التحضيرات حتى منتصف كانون الأول. الحركة بدأت فعلياً في 15 كانون الأول، ما أثّر على خططنا. اضطررنا إلى دفع تكاليف إضافية بسبب التضخّم، ممّا أجبرنا على التركيز على الأمور الأساسية فقط، مثل الديكورات وتجهيز المحلّات، لتقليل النفقات».

بالنسبة إلى تقلّبات كبيرة في السوق، يؤكّد مكارم: «حدّدنا الأسعار مسبقاً وفق خطط مدروسة، معتمدين على المنتجات غير الغذائية بشكل رئيسي، ممّا ساعدنا في الحفاظ على أسعار مقبولة وإقبال جيد من الزبائن».

على رغم من أنّ الموسم «كان جيداً، إلّا أنّه كان أقل مقارنةً بالسنوات الماضية. مثلاً، رأينا انخفاضاً في عدد الرحلات الجوية اليومية التي كانت تحمل حوالى 200 تذكرة لكل رحلة. ومع ذلك، شهدنا حركة سياحية جيدة خلال فترة الأعياد، خصوصاً من قبل المغتربين»، بحسب المدير العام لـGroup General Manager.

بالنسبة إلى الأسعار، فيؤكّد مكارم «لدينا استراتيجيات متعددة لتلبية احتياجات مختلف فئات المجتمع، بما في ذلك خطط تسعير مرنة تناسب الجميع. كما نعتمد على علاقاتنا مع الفرق الأجنبية التي أبدت اهتماماً بزيارة لبنان. لكن بشكل عام، لاحظنا تراجعاً في النشاط مقارنةً بما كان عليه قبل الأزمة الاقتصادية. أصبحت الأعمال موسمية ومحدودة في الصيف وكانون الأول. للتكيّف مع الوضع، قلّلنا من عدد أيام العمل (الجمعة والسبت فقط) مقارنةً بما قبل الأزمة (طوال الأسبوع)».

بوادر أمل

في ظل التحّديات الاقتصادية التي فرضتها الحرب، يواجه لبنان مرحلة دقيقة تتطلّب سياسات إصلاحية جذرية لضمان التعافي والاستقرار. وعلى رغم من أنّ القطاعات الاقتصادية تأثرت بشدة، إلّا أنّ هناك بوادر أمل مع تحسن الحركة التجارية، خصوصاً خلال المواسم السياحية.