Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر September 15, 2019
A A A
الاقتصاد العالمي على حافة الانهيار… فهل آن الأوان للتخلص من الدولار واليورو؟
الكاتب: روسيا اليوم

قام البنك المركزي الأوروبي بخفض سعر الفائدة على القروض، وبدأ في برنامج جديد لضخ “التسهيلات الكمّية” QE المتمثلة في اليورو بلا غطاء.

يأتي ذلك بالتزامن مع وصول مستوى العجز في الميزانية الأميركية إلى تريليون دولار، بينما يدخل العالم إلى المرحلة ما قبل الأخيرة من الانهيار الاقتصادي الكبير.

يعمّ الكساد دولا أوروبية أكثر فأكثر، وأصبحنا نرى على نحو أكثر وضوحا ملامح التباطؤ في النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأميركية والصين، كما أن الحرب التجارية بين البلدين تتصاعد، بينما لم يعد لدى أي طرف أي أوهام بشأن فض النزاع على نحو يرضي الطرفين في آن واحد.

على صعيد آخر يضغط الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بقوة وتركيز وبشكل علني على البنك المركزي الأميركي لخفض سعر الفائدة، والبدء في سياسة “التسهيلات الكميّة” QE، السياسة المالية التي سوف تضخ أموالا بلا غطاء في الاقتصاد، حيث يدرك ترامب أنه لا يملك أي فرصة للفوز بالانتخابات المقبلة، إذا ما تدهور الاقتصاد، وهو على استعداد لـ “شراء” نتيجة تلك الانتخابات، حتى ولو كان الثمن هو التعجيل بالأزمة الاقتصادية القاضية.

يضاف إلى ذلك السبب ارتفاع عجز موازنة الحكومة الأميركية في 11 شهرا عن تريليون دولار، وهو غالبا ما سيدفع الاحتياطي الفدرالي إلى اللجوء إلى النهج الأوروبي قريبا.

يفهم الجميع أن ارتفاع وزيادة ضخ أموال غير مغطاة بالبضائع سوف يؤدي حتما إلى زعزعة استقرار أسعار العملات، وانهيار عملات الدول الفائزة بـ “سباق طبع العملات”، بما في ذلك الدولار واليورو.

يعني ذلك كله أن الأزمة الاقتصادية قد تخطت مرحلة الحرب التجارية، وتدخل إلى مرحلة حرب العملات، حيث كانت البنوك المركزية في السابق تعمل كفريق واحد، فتضخ عملاتها بالتناوب وبالتنسيق مع بعضها البعض لتوحيد الجهود ومنع أي ذبذبات حادة في العملة. وبهذه الطريقة تمكنت البنوك من منع التضخم الهائل، على الرغم من الحجم الهائل للأموال غير المغطاة التي تم ضخها. أمّا الآن، ومع بدء حرب العملات، فإن كبريات البنوك المركزية ستتسابق حول من يضعف عملته بشكل أكبر، وهو ما سيدفع لانهيار النظام الاقتصادي بأكمله.

ولكن، ما الذي يمكن أن يعنيه كل هذا بالنسبة للمواطن العربي أو الروسي أو الأرجنتيني العادي، ممن يدّخرون أموالهم بالدولار أو باليورو؟ وإذا كانت البنوك المركزية في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا تعتزم إضعاف عملاتها، ألا يكون الأوان قد آن للتخلص من الدولار واليورو؟

تعود أسباب الأزمة الاقتصادية العالمية إلى أن الغرب على مدى عقود مضت، وانضم إليه في السنوات الأخيرة عدد من الدول النامية، يستهلكون بضائع وخدمات كثيرة للغاية باستخدام القروض، وهي قروض تقدر قيمة أغلبيتها بالدولار أو باليورو. وفي الدول العربية، وكثير من الدول حول العالم، فإن البنوك عادة ما تحصل على هذه القروض بالدولار أو باليورو من بنوك أميركية وأوروبية بنسب فائدة منخفضة، ثم تعيد بيعها للمواطنين والشركات بالعملة المحلية بنسب فائدة أعلى.

وفي حال تصاعد الأزمة، سوف تضطر البنوك إلى مطالبة المقترضين برفع الضمانات التي سحبت على أساسها القروض، أو تسديد القروض قبل الموعد. فإذا ما كان العالم كله يعيش على القروض، فإن كرة الثلج حينما تبدأ في التدحرج كما حدث عام 2008، فإن الجميع سوف يحتاجون فورا إلى مبالغ هائلة من الدولار واليورو، لسداد القروض إلى البنوك. وسيلجأ الجميع بأموالهم نحو الدول والمرافئ والأسهم الآمنة، وإذا كانت عملات الدولار واليورو والجنيه الاسترليني والفرانك السويسري والين الياباني لازالت عملات آمنة حتى الآن، فإن تلك العملات سوف تقفز إلى مستويات قياسية، بينما ستهوي عملات دول أخرى إلى القاع.

كان من الممكن ، وحتى عهد قريب، استثمار النقود في أصول بالدولار أو باليورو، والحصول على مكسب من ذلك، أما الآن فإن عائدات الودائع والسندات، في عدد من الدول المتقدمة أصبحت بالسالب، ونحن لم ندخل في المرحلة الحرجة من الأزمة الاقتصادية بعد!! وهو ما يعني، أن على المستثمر أن يدفع للحكومة الألمانية، على سبيل المثال، من أجل أن يمنحها قرضا، بمعنى أنه سيستثمر أموالا، ليحصل على أموال أقل فيما بعد!

ووفقا لقانون العرض والطلب، فإذا ما زاد الطلب عن العرض ارتفع السعر. وبما أن البنكين المركزيين الأميركي والأوروبي قد طبعا تريليونات الدولار واليورو بلا غطاء، فإن هذه الأموال تتجول الآن في العالم بحثا عن فرص للاستثمار، حتى ولو بأي نسبة فائدة منخفضة، المهم ألا تكون بالسالب. فإذا ما تدهور الوضع أكثر، ستعود هذه الأموال أدراجها إلى الدول التي طبعت فيها، ولن تكون هناك ساعتها أي فرصة للاستثمار بلا خسائر.

في هذه المرحلة سوف تقفز أسعار كل ما يحمل قيمة عينية مثل العقارات، والسلع المعمرة، والأهم من هذا كله: الذهب والفضة.

وعلى خلفية ذلك سوف يزيد تعزيز العملات التي تمثل مرافئ استثمار من خفض القدرة التنافسية للبضائع الأميركية والأوروبية، موجهًا بذلك ضربة قوية للصناعات هناك، وسوف يرتفع ميزان العجز التجاري في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وغيرها. كما سيرتفع عجز الموازنات الحكومية أيضا. بل وسيبدو حجم الحروب التجارية الراهنة كلعب في الرمال بالنسبة لموجة الرسوم الجمركية والحظر التي سوف تكون بمثابة الضربة القاصمة للتجارة العالمية.

باختصار، فإن انهيار العولمة سوف يصبح أكثر وضوحا، وأكثر عشوائية وخروجا عن السيطرة. وعقب انهيار التجارة العالمية، ستأتي مرحلة انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لمعظم دول العالم، ثم في تلك الدول التي طبعت تريليونات الدولارات في إطار سياسة “التسهيلات الكمّية” QE، حيث ستبدأ مرحلة التضخم الهائل، التي ستقضي على ما تبقى من الصناعات الوطنية. وفي تلك اللحظة سوف يصبح الدولار واليورو أوراقا ملونة لا قيمة لها، ولكن الدول النامية سوف تكون في وضع مأساوي أكثر صعوبة.

بهذا الشكل، فإن الدولار واليورو عقب الشروع في “التسهيلات الكمّية” QE سوف يتذبذبان بالنسبة لعملات الدول العربية وغيرها من عملات الدول النامية، ثم سيقفزان لأعلى مع دخول الأزمة في المرحلة الحرجة، ثم سيصبحان بلا قيمة. أي أن الاحتفاظ بالدولار واليورو سوف يكون أمرا مربحا في وقت من الأوقات، إلا أن الذهب وحده هو ما سيحتفظ بقيمته في النهاية.

ومع كل ذلك، فإن أحدا لا يستطيع التكهّن بالجدول الزمني لتلك الأحداث، ومتى تبدأ أو تنتهي كل من مراحل الانهيار، فهناك عدد هائل من العوامل المؤثرة على تدهور الأزمة، بينما من الممكن أن تستغرق كل مرحلة عددا من الأشهر، أو ربما عدد من السنوات. ومن يستطيع أن يخمن ذلك سوف يصبح بالقطع شخصا ثريا.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف