Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر March 30, 2020
A A A
الاغتراب من أولويات بري… ورسالته “تأديبية”
الكاتب: رضوان عقيل - النهار

يشكل ملف المغتربين بالنسبة الى الرئيس نبيه بري مادة تكوينية في شخصيته. وقد أدى شغفه بالحياة السياسية في مطلع شبابه الى مخالفة توجه والده الذي كان يدعوه الى البقاء في الاغتراب، وهو من مواليد سييراليون حيث عاش سنوات في افريقيا عرف خلالها حلاوة الاغتراب ومرارته، وأدرك باكراً معانيه التي مكنته من التعرف على عالم حبوب الألماس واستخراجها، لكنه غرق في الألماس السياسي اللبناني عندما أصبح محامياً. ولا يزال هذا العصب الاغترابي يعيش في عقل بري الذي رفض باكراً مقولة قيام لبنان على جناحيه المسيحي والمسلم إذ استبدلها “الأستاذ نبيه” في خطبه عندما كان رئيسا لاتحاد طلاب لبنان بالمقيم والمغترب ليشكلا صورة لبنان وقيامته. وردد جملته هذه في أميركا واكثرمن بلد. ولطالما ساهم المغتربون في رفد الاقتصاد اللبناني ودعمه. ولم يكن ينقصهم الا وضع ثرواتهم في المصارف وهم لا يقدرون اليوم على تحصيلها. وكانت لبري عشرات الجولات على بلدان الاغتراب. وقد حوَّل البرلمان الى منصة للديبلوماسية الاغترابية لتقريب المسافات بين الجناحين وسط جملة من الفيروسات المذهبية اللبنانية التي لم تسلم منها كل المكونات.
حل فيروس كورونا وانتشر في المعمورة ولم يميز دولة عن أخرى. وعانى المغتربون من آثاره ومن بينهم الجاليات اللبنانية في الخارج، وتعالت صرخات المئات من الطلاب وسواهم خصوصا في بلدان أوروبية مثل ايطاليا واسبانيا وفرنسا، وأطلقوا النداءات والصوت للعودة الى بلدهم، فضلاً عن مغتربين في بلدان افريقية يخافون على مصير عائلاتهم في حال انتشار شعاع الفيروس اكثر، ولا سيما ان الخدمات الطبية في اكثر المستشفيات فيها لا توفر الحد الادنى من العناية الصحية المطلوبة. وبعد ارتفاع هذه الصرخات ووصول صداها القوي الى عين التينة، فاتح بري رئيس الحكومة حسان دياب الذي وعده خيراً، لكن من دون ان يلمس رئيس المجلس توافر النيات الحكومية المطلوبة. وطبق بالفعل ما قاله لـ”النهار” السبت الفائت “لكل حادث حديث”، فأقدم اول من امس على اعلان عزمه تعليق تمثيله عبر وزيريه في الحكومة غازي وزني وعباس مرتضى اذا بقيت الحكومة على موقفها من المغتربين. وبعد تلقّي دياب هذه الرسالة العاجلة سارع الى تحديد “جلسة اغترابية” غدا الثلثاء.
ولا يريد بري هنا بطبيعة الحال عودة كل المغتربين، ولا سيما ان المقيمين في افريقيا لم يعلنوا انهم يريدون مغادرة بلدانها بل ارسال عائلاتهم على ان يكون ذلك على نفقتهم شرط ان تتم هذه العملية، وإن كانت قاسية، وفق القواعد الصحية المطلوبة منعاً لتفشي الكورونا حيث سيجري اتخاذ كل الاحتياطات وتأمين الاجراءات للحجر في لبنان قبل انطلاق هؤلاء من المغتربات.
وعلى رغم كل ما حصل بين الرئيسين بري ودياب، فان الجرة لن تُكسر العلاقة بينهما، ولا يمنع ذلك رئيس المجلس من الاشارة الى وجود جملة من الملاحظات على اداء السلطة التنفيذية في شأن اكثر من ملف. وفي المناسبة، يعترف بري لرئيس الحكومة بأنه “ماكينة شغل” إذ يتنقل بنشاط وحيوية من اجتماع الى آخرعلى مدار اليوم. وما ينقص دياب، بحسب أكثر من مراقب، هو عدم تمتعه كما يجب بـ”الحسّ السياسي”، أي بمعنى انه يحتاج الى هذه “اللمسة” المطلوبة لدى اتخاذه القرارات الكبرى، ولا سيما انه لم يعد استاذاً جامعياً يقوم بمهمة اكاديمية بل أصبح في موقع القرار التنفيذي الاول في البلد. ويردد بري انه يعرف جيداً حقيقة المشاعر الطيبة والوطنية عند رئيس الحكومة. وفي موازاة ذلك، لم تنحصر حدود التباعد في وجهات النظر بين الرئاستين الثانية والثالثة من مسألة المغتربين فحسب، بل لها علاقة ايضا بالنظرة الى التعيينات في المراكز المالية. وعلى سبيل المثال، اقترح دياب اسماً شيعياً لموقع النائب الاول لحاكم مصرف لبنان لا تربطه ولو “مرحبا” مع “امل” و”حزب الله”. وسيحسم “الثنائي” الاسمين الشيعيين في اليومين المقبلين واللذين سيحلان في المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف. ويرجح هنا ان بري أراد توجيه رسالة “تأديب سياسية” الى كل من يهمه الأمر حيال التعيينات التي تخص الشيعة وصولاً الى “تيار المردة” الذي يلمس وغيره من قوى ان طيف “التيار الوطني الحر” هو الذي يسيطرعلى مفاتيح السرايا الحكومية.
ورداً على كل هذه التساؤلات السياسية التي تشغل الدوائر المعنية في السلطة او خارجها، يقول بري لـ”النهار” انه قرأ امس اكثر من مقال عن موقفه من الحكومة واستمراريتها، ويضيف: “الأمور ماشية ولا مشكلة مع الرئيس دياب. المهم تكاتف الجميع وتعاوننا للخروج من الأزمات التي تهدد البلد وجبه كورونا والتفرغ لحماية اللبنانيين في الداخل والخارج”.