Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر August 31, 2016
A A A
الاستيطان الإسرائيلي ومسلسل النفاق الأميركي
الكاتب: عامر راشد - سبوتنيك

البيانات الرسمية الأميركية حول الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة لعبة سمجة ومكشوفة، بينما تدعم واشنطن مادياً عمليات الاستيطان وسياسات إسرائيل للتنكيل بالفلسطينيين، ورفضها لتسوية متوازنة للصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي.

إدارة الرئيس باراك أوباما تشعر بـ “القلق” إزاء قرار حكومة بنيامين نتنياهو توسيع مستوطنة في الخليل جنوب الضفة الغربية، وهذه ليست المرة الأولى التي تعرب فيها إدارة أوباما عن “قلقها”، وربما لن تكون الأخيرة في الأشهر المتبقية لها، لذر الرماد في العيون كي تغطي على سياساتها الفعلية الداعمة للاستيطان الإسرائيلي في أراضي الضفة الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، المحتلة عام 1967.
وزارة الخارجية الأميركية أعلنت على لسان نائب المتحدث الرسمي باسمها، مارك تونر، أن “واشنطن تعارض النشاطات الاستيطانية التي تقلل فرص تحقيق السلام”، وأتحفنا تونر باكتشاف أن “الخطوة الإسرائيلية “تتعارض” مع الرغبة المعلنة في تحقيق حل الدولتين”. وحتى في إعرابه عن “القلق” صاغ نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية كلماته في ميزان عدم إغضاب حكومة نتنياهو، بتشديده على أن “من شأن تلك الخطوة زيادة القلق فيما يتعلق بتوسيع المستوطنات على أراض يملكها الفلسطينيون جزئياً على الأقل”، والجملة الأخيرة غاية في الخطورة لأنها تكشف عن أن واشنطن لا تعارض الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية من حيث المبدأ، بل وتزعم أن هناك أراض في الضفة الفلسطينية (مملوكة لإسرائيل).

لغم آخر تضمنته تصريحات مارك تونر، بمحاولة التعمية على حجم المخططات الاستيطانية الجديدة التي تعمل الحكومة الإسرائيلية على تنفيذها في الضفة الفلسطينية المحتلة، فمن يقرأ ما قاله تونر يتهيأ له أن الحديث يدور حول توسيع محدود في مستوطنة واحدة في الخليل، غير مرتبط بهجمة استيطانية واسعة تستهدف فصل مدينتي بيت لحم والخليل عن قراهما وباقي أراضي الضفة الفلسطينية، في استكمال لسياسة الأطواق الاستيطانية، التي عزلت الحلقة الأولى منها غالبية مناطق القدس الشرقية، وقطعت أوصال أحيائها الفلسطينية.

المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان حذَّر من الأخطار المترتبة عن استمرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي في مخططاتها الاستيطانية الاستعمارية، بعد الكشف عن مخطط استيطاني كبير يهدف إلى بناء منشآت تجارية وسكنية ومناطق صناعية في منطقة جنوب الخليل. وأوضح المكتب، في تقرير أصدره بتاريخ 20/8/2016، أن هذا المشروع الاستيطاني يهدف إلى “الاستيلاء على مئات الدونمات من أراضي المواطنين الفلسطينيين، وطمس ما يسمى بـ “الخط الأخضر”، والمقصود به حدود عام 1948، عبر توسيع الاستيطان جنوب محافظة الخليل، في المناطق المحاذية لجدار الفصل العنصري داخل أراضي 1948”.

وفي خط مواز تخطط سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ مشروع استيطاني واسع في جنوب بيت لحم، يهدد آلاف الدونمات بالمصادرة، وتعد المنطقة التي سيقام عليها المشروع الاستيطاني نقطة وصل بين قرى جنوب بيت لحم، وبين تلك القرى من جهة والمدينة من جهة أخرى. ويبلغ أجمالي الوحدات السكنية التي سيتم بناؤها 2500 وحدة.

وزير البناء والإسكان الإسرائيلي، يوآف غالانت، كشف في تصريح له عن الأبعاد الخطيرة لمخططات توسيع الاستيطان في الضفة الفلسطينية، بتأكيده أن الكتلة الاستيطانية (غوش عتسيون) جنوب الخليل سوف تستوعب نصف مليون مستوطن إسرائيلي خلال عقد من الزمان، وشدّد غالانت على أن إسرائيل ستقوم بالبناء الاستيطاني في هذه المنطقة، وفي مناطق أخرى من الضفة الفلسطينية المحتلة.

في لعبة متبادلة بين واشنطن وتل أبيب، أبدت حكومة نتنياهو انزعاجها من إعراب إدارة أوباما عن “قلقها” إزاء توسيع مستوطنة جنوب الخليل، لكنها ستكون ممتنة لمساهمة إدارة أوباما “القلقة” بتضليل الرأي العام العالمي، بحرف الأنظار عن الأبعاد الخطيرة للمخطط الاستيطاني الإسرائيلي الواسع. وفي الجيب الإسرائيلي تعهد أميركي دائم بمنع اتخاذ خطوات عملية من شأنها معاقبة تل أبيب على أفعالها.

لقد عطلت الولايات المتحدة صدور قرارات عن مجلس الأمن الدولي تدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ووفرت لإسرائيل مظلة حماية تمنع محاسبتها على الجرائم التي ارتكبها في حروبها على قطاع غزة، وتنكيلها بالفلسطينيين بالضفة الفلسطينية، وفي كل مرة كانت تكتفي بالإعراب عن “قلقها”، في فصول مسرحية سمجة، لن يكون فصلها الأخير “قلق” نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ولو عبرّت واشنطن مليون مرّة عن “قلقها” المصنع، لن تغطي بغربال حقيقة أنها شريكة لتل أبيب، في السياسات الاستيطانية والدموية والقمعية التي تمارسها ضد الفلسطينيين.