Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر August 19, 2019
A A A
الاستفاقة المتأخرة هل تلجم الانهيار؟ استنفار رسمي لمواجهة التصنيف
الكاتب: سابين عويس - النهار

يعود الوضع المالي الى واجهة الاهتمام، بعدما اقتربت ساعة الاستحقاقات، خصوصا ان اياما قليلة تفصل عن موعد صدور تصنيف مؤسسة “ستاندرد اند بورز” الذي زرع الذعر في نفوس القيّمين على السلطة بعد وقت من التراخي والاستهتار بما آلت اليه الاوضاع المالية، لم يخفه في احدى المراحل وزير المال عندما اتهم مؤسسات التصنيف بأن تقاريرها تصب في إطار الاستهداف السياسي!
وإذا كانت اجتماعات بعبدا ساهمت في تخفيف منسوب التشنج ولجم التصعيد السياسي من خلال ارساء المصالحة على الساحة الدرزية، فان الشق المالي الذي تناولته الاجتماعات أيضا، دق ناقوس الخطر من التداعيات الخطيرة المقبلة على البلاد اذا لم تتم المبادرة فورا الى إجراءات استلحاقية تشتري بعضا من الوقت، ريثما تبادر السلطات الى التعامل بجدية ومسؤولية اكبر مع الأزمة.
وفي رأي مصادر اقتصادية ان الاجتماع المالي في بعبدا ساهم الى حد كبير في تطويق واحتواء المناخ السلبي السائد، كونه اطلق مؤشرين مهمين، الاول تمثل في تحديد عناوين المرحلة المقبلة من خلال خارطة طريق محددة الأهداف والإجراءات، والثاني انه عكس اهتماماً رئاسياً خاصاً بوضع اليد على الملف المالي.
لا تقلل المصادر من أهمية المبادرة التي اطلقها الجانب اللبناني من خلال رئاسة الحكومة والمصرف المركزي ووزارة المال بالتواصل مع مؤسسة “ستاندرد اند بورز” والسؤال عن مكامن القلق لدى المؤسسة التي قد تدفعها الى خفض التصنيف، وتمت الاستجابة لها بعدما حددتها الوكالة الدولية بالمؤشرات النقدية والمالية المتصلة بتنفيذ الموازنة وبخطة الكهرباء لخفض العجز.
وإذ تأمل المصادر ان تكون الأجوبة اللبنانية على النقاط المثارة كافية لابقاء الوكالة على تصنيفها وعدم اللجوء الى خفضه، قالت ان مثل خطوة كهذه ستشكل إشارة إيجابية جداً للبنان تسهم في عودة الرساميل- ولا سيما تلك التي هربت – اليه.
اما اذا عمدت المؤسسة الى خفض التصنيف، فترى المصادر ان القطاع المصرفي لديه القدرة على التعامل مع الامر.
في الموازاة، وعلى أهمية اجتماعات بعبدا التي قلبت المزاج المتشنج والسلبي في البلاد، لا يمكن التقليل من أهمية بيان السفارة الاميركية، الذي استتبع بلقاءات مهمة لرئيس الحكومة في واشنطن اعادت بوصلة ميزان القوى الى تعادله، مجنبا البلاد الانزلاق الى متاهات خطيرة، بدت واشنطن مهتمة بعدم بلوغها، تحت عنوان حماية الاستقرار ومنع الانهيار المالي.
وفي هذا المجال، لا يفوّت رئيس الجمهورية مناسبة الا ويعيد التذكير والتركيز على هذا الجانب، كما فعل قبل يومين في لقاء بيت الدين، حيث دعا الى تركيز الجهود من اجل ترجمة الورقة الاقتصادية التي جرى الاتفاق عليها في الاجتماع المالي الذي عقد في القصر الجمهوري الاسبوع الماضي، كاشفاً انها ستنفذ وستضع حداً لكل ما يثار عن تداعيات مالية سلبية في البلاد. وفي هذا السياق، توقفت مصادر وزارية عند المجريات والتطورات الاخيرة ان على محور تحصين المصالحة الدرزية في الجبل، او على محور زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى واشنطن واللقاءات التي اجراها مع وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو ومساعد وزير الخزانة لشؤون تمويل الإرهاب مارشال بلينغسلي، والتي تناولت موضوع تحصين لبنان في وجه تداعيات العقوبات الاميركية، لتقول ان هذه التطورات تعبر عن وعي السلطات للمخاطر السياسية والاقتصادية والمالية المحدقة بالبلاد، وضرورة تضافر الجهود والتحرك داخليا وخارجيا من اجل حماية الاستقرار وتفادي الأخطر والاسوأ في ظل المخاوف الرسمية من تداعيات اي تصنيف سلبي للبنان يحتمل ان يصدر عن “ستاندرز اند بورز” في 23 من الشهر الجاري، اي بعد اقل من أسبوع. وكشفت المصادر ان الأسبوع الطالع سيشهد تفعيلا للبرنامج المالي الذي تم التوافق عليه في اجتماعي بعبدا الاسبوع الماضي. ولم تستبعد عقد اجتماع بين رئيسي الجمهورية والحكومة يخصص لوضع عون في صورة لقاءات الحريري في واشنطن، من جهة وللتفاهم على الخطوات الواجب اتخاذها في اليومين المقبلين من اجل توجيه إشارات جدية تحول دون خفض تصنيف لبنان، لما لمثل خطوة كهذه من تداعيات خطيرة على الوضعين المالي والمصرفي، باعتبار ان اي خفض للتصنيف سيؤدي الى تصنيف لبنان كبلد فاشل بعدما تكون “ستاندرد اند بورز” قد لاقت “موديز” في خفض التصنيف، وباتت مؤسستان من اصل ثلاثة على التصنيف ذاته. ولا يستبعد ان يتم الاتفاق بين عون والحريري على عقد جلسة لمجلس الوزراء وعلى جدول أعمالها بعض البنود والإجراءات التي تمهد لتنفيذ القرارات المالية التي تضمنتها الورقة التي وضعت بحضور الرؤساء عون ونبيه بري والحريري. وختمت المصادر بالإشارة الى ان المرحلة المقبلة تتسم باختبار نيات حقيقي على مستوى القيادات السياسية لجهة مواجهة الأخطار الداهمة واحتوائها قبل وقوعها، وإلا، فإن البلاد مقبلة على مرحلة صعبة جداً وسيئة جداً ما لم تُترجم الاستفاقة المتأخرة للسلطة على خطورة الوضع ودقته، أفعالاً تجنب تجرع الكأس المرة.