Beirut weather 21.32 ° C
تاريخ النشر April 16, 2025
A A A
الاستعصاء الكبير يخيم على المنطقة
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”:

تبدو المنطقة وقد دخلت مرحلة استعصاء كبير، حيث تبدو واشنطن وقد خاضت حروب “إسرائيل” إلى الحدود التي تعتقد أنها ضمنت خلالها أمنها بعدما سقطت صورة القوة الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى، ونجحت جبهات الإسناد بالتحوّل إلى اتجاه تراكمي لمأزق لا قدرة لـ”إسرائيل” على تحمل تبعاته، فقامت واشنطن منذ زيارة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى واشنطن وكلمته أمام الكونغرس في شهر تموز 2024 بالرمي بثقلها التقني والاستخباري لتوجيه ضربات قاتلة لقوى المقاومة، في لبنان وفلسطين خصوصاً، ولحق العراق نصيب كافٍ لدفع مقاومته الى الانكفاء، وزودت واشنطن تل أبيب مع رئيسين مختلفين بكل ما تحتاجه من حماية ودعم وتمويل وذخائر لخوض حرب إبادة ضد الفلسطينيين من جهة، والتلاعب بالعوامل السياسية والأمنية في المنطقة لخلق تحالفات وتركيب معادلات أتاحت تغيير وضع سورية، واستثمرت على الوضع اللبناني لمحاصرة المقاومة، وفعلت الشيء نفسه في فلسطين ومن حولها، الى الحد الذي بات في الحديث عن أن “إسرائيل” بمنأى عن طوفان جديد او جبهة إسناد جديدة كلاماً واقعياً.

لا يحتاج المرء إلى عناء كثير ليفهم أن حرب الرسوم الجمركية التي تخوضها إدارة الرئيس دونالد ترامب ببعديها الداخلي، في مواجهة شركات التكنولوجيا والعولمة، والخارجي، في مواجهة الصين، هي أم المعارك بالنسبة للرئيس ترامب، سواء لصلتها المباشرة بشعاراته الانتخابية وحاجته لتقديم نتائج مباشرة تنعكس على الاقتصاد الأميركي، أو لصلتها الأشد قوة بإدراك ترامب أن على عاتقه مهمة إنقاذية للإمبراطورية التي تتداعى من الداخل رغم صورة القوة، تحت وطأة تراجع مكانتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وانعكاس ذلك على مكانة الدولار التي تصنع رفاه الأميركيين وتمنح الحكومة الأميركية قدرة هائلة على الاستدانة وسد العجز، وما يفرضه ارتفاع الدين وفوائده والانكماش الاقتصادي وتهالك البنية التحتية للاقتصاد من عمليات جراحية لا تحتمل التأخير أو أنصاف الحلول.

تأتي المفاوضات الأميركية مع إيران على خلفية هذين البعدين، الاقتناع بأن ما يجب فعله في الحروب لأجل “إسرائيل” قد فعل وأدى إلى الاطمئنان أنها باتت خارج التهديد، وأن الحرب التي تخاض ضد اليمن لا جدوى من مواصلتها ولا من اعتبارها تمهيداً لحرب على إيران، من جهة، و من جهة مقابلة الاقتناع بأن لا مجال للتأخير في الانعطاف نحو الاهتمام بالمعركة الاقتصادية الصعبة والمعقدة ببعديها الداخلي والخارجي، وإيران نقطة تقاطع في توجهات أميركا بين النظر لحروب أمن “إسرائيل”، والنظر لضرورات المواجهة مع الصين، وطالما أن الحرب مع إيران انشغال عن المعركة مع الصين واستنزاف سياسي وعسكري واقتصادي وربما مخاطرة بامتلاك إيران سلاحاً نووياً رداً على الحرب، فإن التفاوض مع إيران هو فرصة لاختبار إمكانيات تحييدها الاقتصاديّ عن شبكة المصالح الصينية من جهة، وتوفير سقف لتهدئة ما تبقى من حروب في المنطقة.

في مقابل هذه الصورة لأميركا التي تحتاج إلى المزيد من الحروب، صورة لـ”إسرائيل” التي لا تستطيع تحمل التسويات، ولم يكن خافياً حجم الانزعاج الإسرائيلي من خيار التفاوض الأميركي الإيراني، وكانت ملامح وجه نتنياهو في البيت الأبيض كافية لقول ذلك، فما تسبّب به طوفان الأقصى وجبهة الإسناد اللبنانية تكفل بإسقاط نظرية الأمن الإسرائيلية، وإسقاط ثقة المستوطنين بقدرة الجيش على الحماية، وكل ما لحق بقوى المقاومة من خسائر لم يكن قادراً على ترميم هذه الخسائر الاستراتيجية والوجودية للكيان، بحيث كان كلام نتنياهو عن النصر المطلق ليس مجرد غلو وتوحش، بل استجابة لحاجة وجودية للكيان، الذي لن يستعيد تماسكه وقدرته على التوازن، ما لم يتخلص من وجود المقاومة في لبنان وغزة، وحتى يقرأ تماسكه من خلال عودة مستوطنيه الهاربين من الشمال والجنوب.

واشنطن غير راغبة وغير قادرة على الحرب و”إسرائيل” غير راغبة وغير قادرة على التسوية، والمنطقة عالقة بينهما.