Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر August 2, 2019
A A A
الارقام التجميلية للمالية العامة تخفي الواقع… والمتأخرات تفوق الـ4 مليارات دولار؟
الكاتب: سابين عويس - النهار

في خضم الخلاف المستمر حول تداعيات حادث قبرشمون، على الاجتماعات الحكومية المعطلة بفعل تعذر التوافق على المخرج القضائي، يبقى الملف المالي في صدارة الاولويات، رغم انجاز موازنة 2019 واحالتها على النشر فالتنفيذ، بعد توقيع رئيس الجمهورية.

وما الاجتماعات المالية المتتالية التي تعقد في قصر بعبدا او في وزارة المال الا في اطار مواكبة هذا الوضع، في ظل القلق الرسمي من احتمال خفض تصنيف لبنان ما لم تبرز أي إشارات جدية تقنع الاسرة الدولية ومؤسسات التصنيف والمؤسسات المالية باستعادة لبنان مسار التعافي الاقتصادي والمالي. وهي إشارات لا تزال الحكومة عاجزة عن توجيهها في ظل المناخ السياسي المأزوم واستمرار المناكفات التي تعطل العمل الحكومي، المؤهل ان يوجه مثل تلك الاشارات.

ويكشف مصدر قريب من رئاسة الحكومة أن إقرار الموازنة الذي أعطى أولى هذه الاشارات، يستدعي المزيد من الخطوات والاجراءات، خصوصا أن العمل على مسار تنفيذ مقررات مؤتمر “سيدر” يسير في شكل جيد، كاشفا عن إمكان البدء بتسييل نحو مليار و400 مليون دولار من القروض المعقودة للبنان ضمن رزمة القروض المقررة للبنان لمشاريع مدرجة ضمن البرنامج الاستثماري للحكومة في مجالات الكهرباء والطرق والمياه، لكن هذه المشاريع لا تزال تحتاج الى مراسيم تصدر عن مجلس الوزراء وقوانين عن مجلس النواب، واستمرار الخلافات السياسية يزيد تعقيداتها ويعوق التعجيل في تسييلها.

في المقابل، تستمر وزارة المال في الكشف عن نتائج المالية العامة للسنة الجارية، بعد تأخر ناجم ربما عن تريث في انتظار اقرار الموازنة العامة.

ومع نشر نتائج المالية العامة حتى أيار 2019، اظهرت الارقام تراجع العجز الإجمالي مقارنة مع الفترة عينها من العام 2018 بنسبة 18,32 في المئة، وبما نسبته 34,8 في المئة من مجموع النفقات. وكان لافتا استمرار تراجع الايرادات وإن بوتيرة أخفّ، اذ بلغ التراجع ما نسبته 1،19 في المئة، مقابل تراجع النفقات بنسبة 8،62 في المئة. وبرز التراجع في مجموع بند النفقات العامة (68,8 في المئة) وبند السلفات لمؤسسة كهرباء لبنان (3،5 في المئة)، وسداد الفوائد (8،5 في المئة).

ويتحفظ خبراء اقتصاديون عن إطلاق اي توقعات إيجابية او سلبية حيال ما تحقق لأكثر من سبب، أولها ان الارقام المعلنة غير كافية لتبيان المسار المالي لما تبقى من اشهر السنة، كما ان ثمة شكوكا تحوط البيانات الصادرة عن وزارة المال حيال مدى شفافية الأرقام المعلنة، وما اذا كانت تعكس الواقع المالي كما هو، أو أن ثمة اخفاء لبعض الأرقام او تأجيلا لدفعها، كما هي الحال مع سلفات الخزينة لمؤسسة كهرباء لبنان او مستحقات على الدولة لا يتم دفعها، واهمها مستحقات المستشفيات والمقاولين، علماً أن وزير المال علي حسن خليل كان أعلن في منتصف حزيران الماضي انه تم صرف مستحقّات المستشفيات الخاصة عن كامل العام 2018. ويبلغ حجم تلك المستحقات ما يقارب ٢٧٠ مليار ليرة، فيما تقارب مستحقات المقاولين الـ٥٠٠ مليون دولار، من خارج ما بدأت وزارة المال بدفعه من فواتير مستحقة لعام ٢٠١٨ للأشغال والطاقة للمشاريع قيد التنفيذ.

وهذا الواقع كانت طرحته وكالة “بلومبرغ” في تقرير لها اعتبرت فيه ان الحكومة ترجىء دفع مستحقات للمتعهدين ولمؤسسات عامة بما يحسّن أرقام الموازنة، ولكنه في المقابل يهدد قابلية الحياة للأعمال والاستثمارات. وتوقعت ان يتجاوز مجموع المتأخرات لهذه السنة 900 مليون دولار، بما يرفع مجموع المتأخرات الى ملياري دولار، علما ان مصدرا نيابيا كان كشف لـ”النهار” قبل أسابيع، في اطار الكتابة عن المتأخرات على الدولة، ان المدفوعات المتأخرة وغير المحتسبة في الموازنة تقارب الـ٤ مليارات دولار!

وأرقام كهذه لا تنبىء بأن الحكومة ستنجح في الاستمرار بالمحافظة على نسبة عجز قريبة مما التزمته في الموازنة، الا اذا قررت الاستمرار في ارجاء سداد المتأخرات والمستحقات الى آجال غير محددة! وهذا الامر لا يمكن الاستمرار في اخفائه. اما اذا تم السداد، فإن الموازنة ستكون امام ارقام جديدة مختلفة. والسؤال: هل تستمر العملية التجميلية على حساب الاقتصاد والمستثمرين؟