Beirut weather 17.81 ° C
تاريخ النشر December 12, 2025
A A A
الاختراقات تتوالى: لبنان ساحة سيبرانيّة مكشوفة… وشركات عالميّة تُمسك بالمفاتيح
الكاتب: ربى أبو فاضل - الديار

 

في زمنٍ تتحول فيه الحدود الرقمية إلى ساحات صراع مفتوحة، يعود ملفّ الأمن السيبراني في لبنان إلى الواجهة، مع كل حادثة تكشف حجم الاختراقات ومحاولات التسلل إلى بيانات المواطنين. فمع توسع الاعتماد على التكنولوجيا، أصبح الفضاء الرقمي مسرحا هشا، تقاس من خلاله قدرة الدولة على حماية سيادتها وخصوصية مواطنيها. وفي بلد يعاني من ضعف البنى التحتية وغياب منظومة حماية رقمية متماسكة، تتحول أي ثغرة صغيرة إلى تهديد واسع، غالبا ما تستغله جهات خارجية.

هذا الواقع أعاد طرح أسئلة حول جاهزية المؤسسات الرسمية، وضرورة تحديث القوانين وتعزيز الوعي الرقمي، خصوصا بعد الكشف عن منصات مرتبطة بجهات معادية. وفي هذا السياق، حذرت المديرية العامة للأمن العام من متابعة موقع NANO CLEAN أو منصاته، مؤكدة أنه تابع لكيان الاحتلال الإسرائيلي.

لا يأتي هذا التحذير كحادثة معزولة، بل كجرس إنذار يكشف مخاطر الاتكال على منصات مجهولة المصدر، تتخفى خلف واجهات التجارة الإلكترونية، لجمع البيانات واستهداف المستخدمين.

 

أهداف سهلة للقرصنة والابتزاز والتتبع غير القانوني
وأشار خبير في الأمن الرقمي، فضل عدم الكشف عن اسمه، إلى أن “العديد من هذه المنصات تعتمد تقنيات تتبع خفية، أو أذونات وصول موسعة داخل تطبيقاتها، تسمح بجمع معلومات واسعة، دون أن يدرك المستخدم خطورتها، وبعض هذه البيانات قد يباع لشركات تسويق، وبعضها قد يستخدم لأغراض أكثر حساسية”.

وأضاف الخبير أن “أغلب اللبنانيين لا يراجعون أذونات التطبيقات، أو يغيرون كلمات المرور بانتظام، ويستخدمون شبكات “واي فاي” عامة ويضغطون على روابط مجهولة، ما يجعلهم أهدافا سهلة للقرصنة والابتزاز والتتبع غير القانوني”.

 

خروقات تشكّل تهديداً خطِراً للأمن الوطني
وترى الأستاذة الجامعية والباحثة الاجتماعية البروفيسورة وديعة الأميوني أن “هذه الخروقات تشكل تهديدا خطِرا للأمن الوطني، إذ يمكن أن تتضمن سرقة أو تزوير المعلومات أو تعطيل الخدمات”، مضيفة “إن تعزيز أمان البنية التحتية الرقمية، وتطبيق أنظمة مكافحة الاختراق، وتدريب الموظفين، وتكثيف التعاون بين القطاعين العام والخاص، والانفتاح الدولي، عوامل أساسية لبناء نظام دفاع شامل يضمن استجابة سريعة لأي تهديد إلكتروني”.

كما أكدت أن “الفشل في تحديث البرمجيات والأنظمة الضعيفة في مؤسسات الدولة، يسهل استغلال الثُغر الأمنية، ويتيح للهجمات السيبرانية الدولية التجسس، أو التأثير في الهياكل الحكومية والاقتصاد”.

 

إرتفاع في عدد الهجمات السيبرانية التي تستهدف لبنان
يشار إلى أنه منذ بداية عام 2025، سجلت شركات الأمن الرقمي العالمية ارتفاعا حادّا في عدد الهجمات السيبرانية التي تستهدف لبنان، حيث رصدت 468 هجمة من نوع DDoS هجمات نفي الخدمة الموزعة، بلغت ذروتها 63.02 جيجابت في الثانية، وفق تقرير رسمي صادر عن “SOCRadar”.

وتهدف هذه الهجمات إلى تعطيل الخدمات الرقمية الحيوية، مما يضع القطاع العام الذي يشكل نحو 26% من مجمل التهديدات الإلكترونية في دائرة الخطر، وقد تم تسريب أكثر من 556 ألف بريد إلكتروني مع كلمات مرور، و8 آلاف سجل لبطاقات ائتمان، مما يرفع احتمال تعرض المواطنين لمخاطر الاحتيال والسرقة، بحسب التقرير نفسه.

وتعاني البنية التحتية الرقمية في لبنان من ثغر كبيرة، أبرزها خوادم غير مؤمنة، وضعف في التشفير داخل مؤسسات رسمية، واعتماد واسع على أنظمة تشغيل قديمة، إضافة إلى غياب فرق تقنية متخصصة للاستجابة السريعة، ما جعل هذه الثغر تظهر بوضوح في حوادث استهداف مواقع حكومية، ومحاولات اختراق قواعد بيانات في مؤسسات رسمية وخاصة، بعضها لم يكشف عنه بسبب حساسية المعلومات.

 

ضرورة التعاون بين الجهات الحكومية والأكاديمية والمهنية
بدوره أكد عميد كلية الهندسة والتكنولوجيا في الجامعة الأنطونية الدكتور شادي أبو جودة، أن “تهديدات الأمن السيبراني تمثل تحديا رئيسيا للحكومات والإدارات العامة”، مشيرا إلى أن “الاعتماد المتزايد على الأنظمة الرقمية، يعرض البيانات الحساسة والأصول الوطنية للخطر”، ودعا إلى “اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز الأمن السيبراني”.

وشدد على “أهمية التعاون بين الجهات الحكومية والأكاديمية والمهنية، والاستثمار في برامج التدريب والتوعية، لبناء وعي مجتمعي مسؤول رقميا، يشكل خط الدفاع الأول لحماية لبنان ومستقبله”، معبرا عن ثقته بقدرة أهل الاختصاص والهيئة الوطنية للأمن السيبراني.

ورغم وجود قانون حماية البيانات الشخصية في لبنان (القانون 81/2018)، فإن تطبيقه محدود، إذ لا توجد هيئة رقابية فعالة لإلزام الشركات بإعلام المستخدمين بنوع البيانات التي تجمعها، ولا آليات واضحة لمحاسبة المخالفين، ما يجعل القوانين اللبنانية غير مواكبة للتطور السريع للهجمات الإلكترونية ويترك البلاد عرضة للاستهداف الخارجي والتجسس التجاري.

 

شبهات حول شركة “Oracle” العالمية
وفي وقت يشهد فيه لبنان تصاعداً في الهجمات السيبرانية وتسريب البيانات الحساسة، يثير التعاون مع شركات عالمية مثل “Oracle” قلقاً كبيراً حول السيادة الرقمية والأمن الوطني، فقد وقع وزير الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كمال شحادة، مذكرة تفاهم مع شركة “Oracle” العالمية، لتدريب وتأهيل 50 ألف موظف لبناني في القطاع العام خلال السنوات الخمس المقبلة، بهبة مجانية من الشركة، بهدف دعم التحول الرقمي في القطاع العام وبناء القدرات اللازمة لتطبيق أنظمة تخطيط موارد الحكومة وتحويل لبنان من مستهلك للتكنولوجيا إلى مركز إقليمي للابتكار الرقمي، عبر تأسيس بنية تحتية بشرية وتقنية متقدّمة تدعم اقتصاد الذكاء الاصطناعي.

على الرغم من أن التعاون مع شركات عالمية قد يدعم القدرات الرقمية، فإن تسليم بيانات القطاع العام لشركة لها تاريخ طويل من العقود العسكرية مع الكيان الإسرائيلي، يمثل مخاطرة مباشرة للسيادة الرقمية والأمن الوطني، خصوصاً في ظل غياب ضمانات قوية لحماية المعلومات الحساسة، هذا التناقض يبرز الحاجة الملحة إلى إطار صارم يوازن بين الفوائد التقنية وحماية بيانات المواطنين.

يشار إلى أن الشركة تمتلك حضوراً كبيراً في “إسرائيل”، واستثمارات ضخمة في البنية التحتية السحابية، أبرزها مركز سحابي تحت الأرض في القدس، مصمم لاستضافة بيانات حساسة للأجهزة الأمنية، وقد دخلت الشركة في عقود عسكرية وأمنية مع جيش الاحتلال ووزارة الأمن، بقيمة تزيد على خمسين مليون دولار، وزودت سلاح الجو الإسرائيلي بأنظمة تحليل بيانات حساسة، وأطلقت نظاماً سحابياً لإدارة الموازنات واللوجستيات الاستخباراتية. وبين 2023 و2024، تبرعت الشركة بمعدات لوجستية للقوات الإسرائيلية المشاركة في غزة، ما يعكس دعمها المباشر للعمليات العسكرية، مع قيادة تنفيذية ذات علاقات وثيقة بالمؤسسة السياسية الإسرائيلية.

 

حماية الفضاء الرقمي
ويرى المختصون أن حماية الفضاء الرقمي في لبنان يتطلب إصلاحا شاملا يشمل تفعيل قانون حماية البيانات الشخصية وإنشاء هيئة مستقلة لمتابعته، وإطلاق استراتيجية وطنية للأمن السيبراني مع تدريب إلزامي للمؤسسات، وتعزيز القدرات التقنية للدولة بإنشاء مركز استجابة للطوارئ السيبرانيةCERT قادر على التدخل السريع، ورفع الوعي الرقمي لدى المستخدمين عبر حملات وبرامج تعليمية، بالإضافة إلى مراقبة المنصات الرقمية والتطبيقات التي تستهدف السوق اللبنانية للتأكد من مصادرها وارتباطاتها.

 

خط دفاعي عن السيادة الوطنية وحماية المواطنين
في ضوء ما سبق، لم يعد الأمن السيبراني في لبنان رفاهية أو مجرد مسألة تقنية، بل أصبح خطا دفاعيا عن السيادة الوطنية وحماية المواطنين، فالثغر في البنية التحتية وتسريب البيانات يحولان أي اختراق صغير إلى تهديد وطني، ويضعان البلاد أمام مخاطر حقيقية تتطلب إجراءات عاجلة في ظل تصاعد الهجمات السيبرانية.

 

يشار إلى أن الحكومة اللبنانية قررت عام 2012 ، تشكيل لجنة وطنية لصياغة استراتيجية الأمن السيبراني، وتم الموافقة الفعلية عليها في 29 آب 2019، ضمن إطار ثمانية محاور شملت الدفاع السيبراني، وتعزيز القدرات الحكومية، والتعاون الدولي، وإطلاق وكالة (NCSIA) لتنسيق الجهود، لكن حتى منتصف 2025، لم يفعل أي جزء من هذه الخطة.