Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر December 15, 2025
A A A
الاحتلال نحو التراجع أم التصعيد؟
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

 

في ظل الصوت المرتفع لدعاة الترويج لخيار “الحرب وراء الأبواب”، والذين يبدأون نهارهم بتحذير المقاومة من خطورة تمسكها بسلاحها، ويحملونها استباقاً مسؤولية الحرب القادمة، بدأت تظهر تصريحات ومواقف تتحدّث عن مشاريع لاحتواء التصعيد عبر استبدال خيار نزع سلاح المقاومة بتجميد سلاح المقاومة، ودعوات لاحتواء قرار المقاومة الرافض نزع سلاحها ببدائل لنزع السلاح تفادياً لمواجهات غير مستحبّة، وحديث ثالث عن دعوة لتسليم الصواريخ الدقيقة مرّة لإيران ومرة للجيش اللبناني دون سائر السلاح الثقيل والفعال كالصواريخ المضادة للدروع والطائرات المسيّرة، وكلها ترد في تصريحات علنية عن مبادرة مصرية ومبادرة فرنسية ودعوات أميركية صادرة عن المبعوث الرئاسي الأميركي توماس برّاك، ودعوته للسفير الأميركي الجديد في بيروت لابتكار وسيلة لاحتواء العلاقة مع حزب الله، وصولاً إلى تصريحات لبرّاك تقول باستحالة قيام الجيش اللبناني بنزع سلاح المقاومة بالقوة واستحالة نجاح جيش الاحتلال بنزع السلاح بالقوة.

 

– بالتوازي مع هذا المناخ السياسي والإعلامي، تتجمّع في سلوك قوات الاحتلال والمواقف التي تشكل خلفية هذا السلوك مؤشرات متناقضة، حيث يتواصل الاستهداف اليوميّ المتكرّر واغتيال المزيد من الكوادر والعناصر العاملين في بنية المقاومة، وبالمقابل تظهر مؤشرات على عدم وجود قرار بالتصعيد تمهيداً لبلوغ لحظة الغليان وخوض الحرب، ولعل هذا هو المطلوب لمنع رسم استنتاج واضح حول خطته، فهو بقدر ما يبدو بحاجة للتراجع عن خيار العودة إلى الحرب الشاملة يحتاج إلى الحفاظ على حال الحرب لكن دون التسبب بالتوتر في بيئة المستوطنين القريبة من الحدود خشية اندلاع الحرب.

 

– مؤشرات التراجع عن خيار الحرب افتتحها الإعلان الإسرائيلي عن الموافقة على استبدال الضغط على لبنان بالتعاون مع أميركا لدفع الحكومة اللبنانية للذهاب إلى تفاوض حكوميّ علنيّ مباشر مع حكومة الاحتلال بما هو سياسياً وقانونياً ودبلوماسياً أقل بكثير، بإضافة مدني إلى لجنة مراقبة وقف إطلاق النار المقيدة بنصوص الاتفاق والقرار 1701 بتحديد مهامها بتثبيت وقف الأعمال العدائية والتحقق من الانسحاب الإسرائيلي ومن سيطرة الجيش اللبناني الحصرية في جنوب الليطاني، حيث لا قضايا سياسية أو اقتصادية للتداول كما كان يرغب قادة الاحتلال، وحيث جدوى هذه الإضافة تتقرّر بمدى تجاوب الاحتلال مع موجبات الاتفاق والقرار.

 

– جاء تبليغ الجيش اللبناني عن وجود شكوك إسرائيلية حول انتهاك أو تهديد في أحد بيوت بلدة يانوح، ليثير التساؤلات عما إذا كان ضغطاً لقيام الجيش اللبناني بالتراجع عن قرار رفض القيام بتفتيش جماعيّ لبيوت منطقة جنوب الليطاني، أم هو تراجع إسرائيلي عن قرار استهداف ما تعتقد “إسرائيل” أنه انتهاك أو تهديد، وعودة للالتزام بما تمّ الاتفاق عليه في أول اجتماع للجنة وقف النار المسمّاة بالميكانيزم، والتي يفترض أن يتمّ عبرها الإبلاغ ليتولّى الجيش اللبناني واليونيفيل التحقق مقابل امتناع الاحتلال عن الاستهداف، وبينما كان الاحتلال في تجربة سابقة قد أبلغ الجيش عبر الميكانيزم عن شكوك في موقع في الضاحية الجنوبيّة لبيروت ثم قام رغم تفتيشه بقصفه، قام هذه المرّة بطلب تكرار التفتيش والحفر ثم أعلن تجميد الاستهداف، ما يفتح الباب لاستنتاج ذهاب الاحتلال إلى خطة يصعد فيها الاغتيالات بحق عناصر وكوادر المقاومة، ويعود فيها للالتزام بتخفيض درجة استهداف المدنيين والمنشآت المدنية لتخفيض منسوب التصعيد مع الدولة اللبنانية ومحاولة إسقاط منطقها الذي يحمّل الاحتلال مسؤولية عرقلة مهمة حصر السلاح بيد الدولة.

 

– هذا يحتمل فرضية الذهاب إلى قبول طلبات وقف الأعمال العدائيّة دون التوقف عن الاغتيالات، والانسحاب من بعض النقاط الحدوديّة، لمنح دعوات نزع سلاح المقاومة مزيداً من الزخم، طالما أن التهديد بالحرب لم ينفع، والذهاب إلى الحرب ليس متاحاً، فلا قدرة برية، والقدرة النارية لم ولا يبدو أنها سوف تنتج الاستسلام، لا شعبياً ولا سياسياً ولا عسكرياً، والرأي العام داخل الكيان لا يريد العودة للحرب، والرأي العام في الغرب متربّص بحروب الكيان.

 

– أصحاب مواعيد الحرب ونظرية قرار الحرب اتخذ فاستعدوا، والمقاومة تخاطر بجر لبنان إلى حرب تدميرية بسبب رفض نزع سلاحها، لا مشكلة لديهم في تجاهل أن كل منطقهم مجموعة أكاذيب فهم بعيون من زجاج أو عيون السمك لا مكان للشعور بالحرج فيها.