Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر February 4, 2018
A A A
الإيمان والأعمال في المسيحيّة والإسلام
الكاتب: المطران كيرلّس سليم بسترس - النهار

بين المسيحيّة والإسلام نقاط كثيرة مختلفة، ولا سيّما من ناحية العقيدة. ولكن ثمّة نقاط مشترَكة يجدر التنويه بها لتعزيز العيش المشترك بين المسيحيّين والمسلمين. ومن هذه النقاط موضوع اختلف فيه المسيحيّون بين الكاثوليك والبروتستانت في القرون الوسطى، وهو العلاقة بين الإيمان والأعمال، ثمّ تَبيَّنَ لهم في الحوار المسكونيّ أنّ الخلاف كان مردّه سوء تفاهم بين فريقين، يشدّد أحدهما على الإيمان، فيما يشدّد الآخر على الأعمال. لن ندخلَ في تفاصيل هذا الخلاف. المهمّ أنّ الخلاف قد طُوي السنة التالية في وثيقة مشترَكة، موجزها أنّ الإيمان هو الذي يخلّص الإنسان، لكنّ هذا الإيمان، لكي يكون صادقًا، يجب أن يظهر في الأعمال الصالحة. وهذا ما يؤكّده الإنجيل المقدّس والقرآن الكريم.

نقرأ في إنجيل متى قول السيد المسيح: “ليس كلّ من يقول لي: يا ربّ، يا ربّ، يدخل ملكوتَ السماوات، بل الذي يعمل بإرادة أبي الذي في السماوات. كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا ربّ، يا ربّ، ألم نكنْ باسمكَ قد تنبّأنا، وباسمكَ قد صنعنا المعجزات الكثيرة؟ – فحينئذ أُعلِن لهم: إنّي ما عرفتكم قطّ. فاذهبوا عنّي، يا فاعلي الإثم” (متى 21:7-23). في هذا الموضوع يقول الرسول يعقوب في رسالته: “الإيمان، إن خلا من الأعمال، ميْتٌ في ذاته. بل قد يقول قائل: أنتَ لكَ إيمانٌ، وأنا لي أعمال! فأرني إيمانكَ بدون الأعمال، وأنا من أعمالي أُريكَ إيماني. أنتَ تؤمن أنّ الله واحد؟ فنعمّا تفعل! والشياطين أيضًا تؤمن، وترتعد. هلاّ أردتَ أن تعلمَ، أيّها الإنسان الباطل، أنّ الإيمان بدون الأعمال ميْت” (يعقوب 17:2-20). والأمر عينه نقرأه عند بولس الرسول في معرض كلامه على المحبة، التي تظهر بالأعمال، فيقول: “لو كانت لي النبوّة، وكنتُ أعلم جميع الأسرار والعلم كلّه، ولو كان لي الإيمان كلّه حتى لأنقلُ الجبال، ولم تكن فيّ المحبة، فلستُ بشيء” (1 كورنثس 2:13).

لذلك عندما يتكلّم يسوع على دينونة ابن البشر للناس في اليوم الأخير، لا يذكر إيمانهم، بل أعمالهم: “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوتَ المُعَدَّ لكم منذ إنشاء العالم: لأنّي جعتُ فأطعمتموني، وعطشتُ فسقيتموني، كنتُ غريبًا فآويتموني، وعريانًا فكسوتموني؛ وكنتُ مريضًا فعدتُموني، ومحبوسًا فأتيتم إليّ” (متى 34:25). وعن اليوم الأخير يقول: “فإنّها ستأتي الساعة التي يسمع فيها جميع من في القبور صوت (ابن البشر), فيخرجون منها. فالذين عملوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيّئات إلى قيامة الدينونة” (يوحنا 28:5-29). وفي المعنى عينه يقول بولس الرسول: “إنّ الله سوف يجازي كلّ واحد بحسب أعماله” (رومة 6:2). “إذ لا بدّ أن نظهر جميعنا أمام منبر المسيح، لينالَ كلّ واحد على حسب ما صنع بالجسد، خيرًا كان أم شرًّا” (2 كورنثس 10:5).

كذلك يرى القرآن الكريم أنّ السبيل إلى الجنّة هو الإيمان والأعمال الصالحة: “والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون” (سورة البقرة 82:2). وفي تحديده للبِرّ يجمع بين الإيمان والأعمال، فيقول: “ليس البِرّ أن تولّوا وجوهكم قِبَلَ المشرق والمغرب، ولكنّ البِرّ من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيّين، وآتى المال على حبّه ذوي القُربى واليتامى والمساكين وابنَ السبيل والسائلين وفي الرقاب، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضرّاء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتّقون” (سورة البقرة 177:2). ويؤكّد أن الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون الصالحات، أياً كان دينهم، فلا خوفٌ عليهم يوم الدينونة: “إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين، مَنْ آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلهم أجرُهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزَنون” (سورة البقرة 62:2).

مهما اختلفت الأديان في أمور العقيدة، فالأعمال الصالحة تجمع بينها. ربّما سنبقى مختلفين في أمور العقيدة حتى يوم القيامة، كما جاء في القرآن الكريم: “لكلّ أمّة جعلنا مَنْسكًا هم ناسكوه. فلا ينازعُنَّكَ في الأمر، وادعُ إلى ربّكَ، إنّكَ لعلى هدى مستقيم. وإن جادلوكَ فقلْ الله أعلمُ بما تعملون. الله يحكم بينكم يوم القيامة في ما كنتم فيه تختلفون” (سورة الحج 22: 67-69). فلنترك الحوار في أمور العقيدة للعلماء، ولنتعاون معًا على أعمال البرّ والصلاح، لبناء وطن يعيش فيه جميع أبنائه من مختلف الأديان والمذاهب في العدالة الاجتماعيّة والكرامة الإنسانيّة، وينعمون بالأمور الأساسيّة لكلّ مواطن: المدرسة، والاستشفاء، والضمان الاجتماعي، والكهرباء، والطرقات الآمنة، وأخيرًا وليس آخرًا البيئة السليمة الخالية من النفايات.