Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر October 6, 2019
A A A
الإمبراطورية الإعلامية الأميركية وميزان القوى
الكاتب: تحسين الحلبي - الوطن السورية

في 29 أيلول الماضي نشرت المجلة الإلكترونية الأميركية «بلاك ليست نيوز» تحليلاً وثائقياً تحت عنوان: وكالة المخابرات المركزية «السي أي إي»، ومجلس العلاقات الخارجية «سي إف آر» يعملان معاً لتدمير الحقيقة» بقلم كورت نيمو كشفت فيها أن «مركز أبحاث البروباغندا السويسري – سي بي آر» «نشر معلومات تثبت بعض ما يعرفه الكثيرون منا عن سيطرة مجلس العلاقات الخارجي الأميركي «سي إف آر» على شركات الإعلام الرئيسية في أميركا والمنتشرة في العالم. ويحدد ماتيو أغوريتس من جمعية «مشروع الفكر الحر» هذه الوسائل الإعلامية بمئات القنوات، والمواقع الإلكترونية ومنافذ الأخبار والصحف والمجلات ويقر بأن 90 بالمئة من هذه الوسائل يديرها ويسيطر عليها عدد قليل من الناس وبأن الصحفيين الكبار والمدراء التنفيذيين من الشركات الإعلامية الرئيسة يعدون من المندمجين في «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي. وكانت الكتب التي نشرها بيتير ديل سكوت مثل «آلة الحرب الأميركية.. السياسات العميقة وعلاقات «سي آي إي» في تجارة المخدرات والطريق إلى أفغانستان» قد تم فيه توثيق الصلة بين مجلس العلاقات الخارجية الذي كان اليوت أبرامس أحد رؤسائه وبين «سي أي إي» ووكالة الأمن القومي وأصحاب البنوك ومدرائها في «وول ستريت».
ويكشف التحليل الذي نشرته مجلة «بلاك ليست نيوز» أن أول أفكار ظهرت للسيطرة على آراء وأفكار الجمهور في عام 1917 في سجلات الكونغرس الأميركي ومع تطور القوة والهيمنة الأميركية في مختلف أنحاء العالم أصبحت هذه المهمة هي الرئيسة والموجهة في كل الإدارات الأميركية، فملاحقة جوليان أسانج صاحب منشورات «ويكليكس» عن السياسة والوحشية الأميركية وملاحقة ضباط وكالات الأمن القومي مثل سنودين وأصحاب التحقيقات الصحفية الموضوعية، كان هدفها منع الخروج عن قواعد اللعبة الاستخباراتية ومنع إحباطها للمشروع الإعلامي الأميركي.
وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما وسياسته الإعلامية قد شكل رسالة شديدة القسوة على كل من يكشف «الجرائم السرية للولايات المتحدة» وكانت إحدى وثائق «سي أي إي» التي جرى الكشف عنها في 25 أيار 2010 للقراء قد تضمنت المهام التي يتعين على «سي أي إي» ومجلس العلاقات الخارجية الأميركية إنجازها بمشاركة فعالة من نشاط وأعضاء منظمة «بيلدير بيرغ» التي تشبه في أعمالها السرية المالية والإعلامية «منظمة الماسونية».
وأصبح هذا الثلاثي، من المخابرات الأميركية ومجلس العلاقات الخارجية ومنظمة «بيلدير بيرغ»، يتولى الإشراف على سياسة السيطرة على وسائل الإعلام الأميركية، ونشرت مجلة «بلاك ليست نيوز» صور وأسماء لما يزيد على 130 شخصية أميركية إعلامية وبنكية وسياسية تعمل في مجال السيطرة على وسائل الإعلام مع عرض أكثر من ستين مجلة وقناة تلفزيونية تبدأ من «اسوشيتد بريس» وتنتهي بمجلات مثل «فورين بوليسي» و«سي إن إن» و«ورلد ستريت جورنال» ومواقع غوغل وفيسبوك.
فالولايات المتحدة لا توقف نيران الحملات والحرب الإعلامية للسيطرة على العقول والأفكار بوساطة سياسات التضليل المنهجية حتى حين تتوقف عن إطلاق نيران الصواريخ والمدفعية والطائرات بلا طيار، ويكشف التحليل أن الإدارات الأميركية تقود عبر هذا الثلاثي الأميركي العالمي، حروباً إعلامية في كل ساعة وكل يوم لأن إمبراطوريتها الإعلامية تمتلك أسلحة كثيرة وتوظف أموالاً من دول النفط العربية في آلاتها الإعلامية الضخمة، ومع ذلك لم تستطع الإمبراطورية الإعلامية الأميركية منع انتشار وتوسع وسائل إعلامية متعددة اللغات والأساليب والبرامج من اجتياح ساحات العالم ومراكز الأخبار والمعارف سواء التي تنطلق من القوى المناهضة للهيمنة الأميركية أو من بقية قوى العالم التي تتصدى في آسيا وإفريقيا بوسائلها الإعلامية لإحباط الأهداف الأميركية وتضليلها لشعوب العالم.
ففي عصر ثورة الاتصالات وتكنولوجيا الحرب الحديثة أصبح عدد وقدرة وخبرة وسائل الإعلام وتقنياتها جزءاً من ميزان القوى بين مختلف التكتلات العالمية ودول العالم وأصبح الصراع من أجل المعلومات والتنافس على كسب الجمهور في مقدمة الأولويات الضرورية لحماية مصالح وحقوق الشعوب وحرية الوصول للمعلومات الصحيحة.